الانقسام بين صناع القرار في إدارة ترامب
عشية العدوان، حرضت فورين بوليسي صقور البيت الأبيض على المضي بشن حرب على سوريا إذ ".. ينبغي على (الرئيس) ترامب القيام بعمل عسكري كبير إذا قرر تنفيذ ضربة (عدوان) ثانية إلى سوريا .." بالإشارة إلى العدوان الأول على مطار الشعيرات، نيسان 2017. وزادت النشرة واسعة النفوذ أن الولايات المتحدة "..بحاجة لشن هجوم واسع يستهدف عدة أهداف في سوريا".

منذ بداية المداولات بشأن التعامل مع تصريحات الرئيس ترامب التي أعلن فيها نيته الإنسحاب من سوريا وسرعان ما تراجع عنها أمام ضغوط معسكر الحرب داخل وخارج أركان المؤسسة، بدى واضحا للعيان حجم التباين بين "تهور" البيت الأبيض متسلحاً بمستشاره للأمن القومي الجديد، جون بولتون، وعقلانية المؤسسة العسكرية ممثلة بوزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس هيئة الأركان جوزيف دانفورد.
عشية العدوان، حرضت فورين بوليسي صقور البيت الأبيض على المضي بشن حرب على سوريا إذ ".. ينبغي على (الرئيس) ترامب القيام بعمل عسكري كبير إذا قرر تنفيذ ضربة (عدوان) ثانية إلى سوريا .." بالإشارة إلى العدوان الأول على مطار الشعيرات، نيسان 2017. وزادت النشرة واسعة النفوذ أن الولايات المتحدة "..بحاجة لشن هجوم واسع يستهدف عدة أهداف في سوريا."
أبواق أركان المؤسسة الحاكمة الأخرى وعلى رأسها يومية نيويورك تايمز شاطرت نظيرتها بالتحريض على العدوان. ونقلت عن البيت الأبيض، في 10 نيسان/أبريل، أن الرئيس ترامب بحث مع مستشاريه جملة خيارات لتسديد "ضربة أكثر إيلاما وشدة ضد سوريا؛ والحملة هذه المرة ينبغي أن تتخذ سيناريو أوسع نطاقاً ومدة أطول." وأرفقت الصحيفة تحريضها بالكشف عن توجه "مجموعة من السفن الحربية بقيادة حاملة الطائرات هاري ترومان من مقرها في ولاية فرجينيا إلى مياه البحر المتوسط، 11 نيسان .. ومن المتوقع أن تنضم فرقاطة ألمانية للمجموعة."
وأضافت نقلاً عن مصادر في البنتاغون أن المدمرة الأميركية، يو أس أس دونالد كوك، غادرت ميناء قبرص باتجاه سوريا،" وفي حمولتها نحو 60 صاروخاً مجنحاً من طراز توماهوك.
وشاطرتها صحيفة وول ستريت جورنال بالتأكيد على "وصول مدمرة يو أس أس بورتر،" إلى المنطقة بعد عدة أيام.
تواترت الأنباء عن اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي، الثلاثاء الى الخميس من الأسبوع المنصرم، لبحث طبيعة الرد الأميركي على مزاعم استخدام سلاح كيميائي في سوريا التي شارفت القضاء على آخر معقل للفصائل المسلحة في بلدات وقرى الغوطة الشرقية. وقيل أن وزير الدفاع ماتيس حذر وإلى اللحظة الأخيرة من الإقدام على شن "هجوم سريع من دون مواكبته باستراتيجية أكثر عمقا،" كرد على محور الرئيس ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون المؤيديْن للعدوان. كما أعرب ماتيس والقيادات العسكرية الأخرى عن قلقهم من خروج الأزمة عن السيطرة السريعة ودخول روسيا وإيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة؛ والمطالبة بتفادي الإصطدام مع قوات البلدين إلى أقصى مدى.
وصف الرئيس ترامب العدوان الغربي بتأييد من بعض الدول العربية بأنه شكل "ضربة قوية ..، بينما لامس وزير الدفاع لغة الحذر من التصعيد بالقول ان العدوان كان "لمرة واحدة، وأعتقد أنها أرسلت رسالة قوية جداً لإقناع (الرئيس) الأسد، ولردعه عن القيام بذلك مرة أخرى."
اللافت في توجهات وزير الدفاع جيمس ماتيس كان توخيه الحذر من الإنجرار وراء نزعات الإنتقام الغريزية للمحافظين الجدد والصقور أيضا. وعقد مؤتمراً صحفياً يوم 11 نيسان في البنتاغون برفقة ضيفته وزيرة دفاع هولندا ناقض فيه الرئيس ترامب لتحميل الرئيس الأسد مسؤولية ما جرى في مدينة الغوطة، قائلا "لا نزال في مرحلة تقييم المعلومات الإستخباراتية .. نحن على أتم الاستعداد لتقديم مروحة من الخيارات العسكرية إن لزم الأمر."
عقب هدوء عاصفة القصف الصاروخي الذي اقتصر على مواقع وبنى تحتية محددة، بعضها تم إخلاءه من أي وجود عسكري أو رمزي، عبرت يوميةنيويورك تايمز عن خيبة الأمل المعقود على شل قدرات الدولة السورية ".. بالنسبة لكل لغة ترامب الصارمة خلال هذا الأسبوع، فإن البديل الذي اختاره لم يقرنه بأي جهد واضح لإلحاق الضرر بالآلة الحربية الأوسع للرئيس بشار الأسد أو لقيادة حكومته وسيطرته على قواته بخلاف أسلحته الكيميائية."
مستقبل دور وزير الدفاع جيمس ماتيس، وكذلك مستقبل الرئيس ترامب نفسه، لا يزالان في محور تكهنات أروقة واشنطن.
ترامب من ناحيته يمقت تقييد حركته من قبل البنتاغون، بصرف النظر عن طبيعة الموقف والمسألة المطروحة؛ وتعالت التكهنات بإقالة ماتيس طيلة الأسبوع المنصرم على خلفية تباين وتصادم الرأي والرؤى الإستراتيجية، كانت سوريا إحدى حلقاتها البارزة؛ وفي الخلفية توجهات الإدارة بالتصعيد مع إيران وأحناء ظهرها لعاصفة المؤسسة العسكرية حول مزيد من التسلح وإبقاء روسيا في مصاف العدو الأول والاستراتيجي لواشنطن.
لم يعد سراً ما كان يرمي إليه الرئيس ترامب من الامساك بمفاصل مؤسسات القرار السياسي، الخارجية ووكالة الإستخبارات، ونجح إلى حد باهر في فرض رؤيته على المؤسستين. بيد أن جهوده لا تزال تتعثر في اقصاء نفوذ وزارة الدفاع إلى الحد الذي لا تشكل خطورة على تفرده بالقرار، ومن المستبعد أن تكلل جهوده بالنجاح باستثناء إحداث تغيير في بعض الشخصيات والقيادات.
نجاح ترامب "المرحلي" في استحداث وزارة حرب يقودها متشددون بل قمة في التطرف والعداء يؤشر إلى حد كبير على عزم المؤسسة الحاكمة التحكم بمسار البوصلة السياسية وإحياء سباق التسلح دون وجل، يدعمها مؤسسة تشريعية "خانعة" ومطواعة نظراً لارتباط معظم قادتها، على الأقل، بالمصالح الاقتصادية الكبرى.
السؤال الأهم أمام أذرع المؤسسة هو هل استفذت غرضها من شخص الرئيس ترامب، خاصة بعد محاصرته بسلسلة غير متناهية من الفضائح الأخلاقية والسياسية. الإجابة الحاسمة مؤجلة إلى ما بعد موسم الانتخابات المقبلة نهاية العام الجاري وإفرازاتها على صعيد بروز تكتلات جديدة قد تعيد الغلبة للحزب الديموقراطي، في أحد مجلسي الكونغرس على الأقل، والشروع حينئذ بتهديد الرئيس ترامب بتقديمه للمحاكمة أوالاستقالة
وأضافت الوزارة أن الدفاعات الجوية السورية استخدمت أيضاً نظم دفاعات روسية متطورة لحرف مسار الصواريخ الأميركية، منها نظام بانتسير ضد الصواريخ المستهدفة لمواقع الجيش العربي السوري قرب مصياف وحمص. أما المنظومة الأحدث إس-300 فيعتقد أنها ستكون تحت أيدي الجيش السوري خلال أسابيع قليلة، حسبما افادت وسائل الإعلام الغربية.
مرة أخرى، لا نزال نرصد تدفقاً للقطع البحرية الأميركية وأعضاء حلف الناتو الى مياه شرق المتوسط، مما يعزز التكهنات بأن واشنطن لا تزال تخطط لخيارات عدوانية تستهدف سوريا؛ على الأقل في الفترة المرئية الفاصلة حتى نتائج الانتخابات المقبلة.
تغريدة ترامب بأن "المهمة انجزت" الفشل حتى بالمهمة غي المعلنة كانت مدار سخرية من منتقديه وحتى بعض مؤيديه ممن كانوا يرغبون بأن تكون عمليات القصف أوسع وأشد، رغم اعتقاده بأن العدوان سيغيّر من المانشيتات ومن التغطية الإعلامية المركزة على أكاذيبه ونفاقه وفضائحه. الإعلام الأميركي لم يفرد تغطية واسعة للعدوان لا بل أن معظم التغطية استقرت على التحقيقات والفضائح التي تطاله تخللها متابعة لأخبار العدوان.
وارتفعت الأصوات المنددة والمنتقدة الداعية إلى ضرورة أن يذهب الرئيس للحصول على تفويض من الكونغرس لشن عدوانه. كما ذكّره البعض ومن ضمنهم وزير الخارجية البريطاني السابق ميليباند بأنه أطلق على سوريا صواريخه بعدد أكثر من رقم ال11 لعدد السوريين اللاجئين الذي سمح لهم بدخول الولايات المتحدة . هذه الحقيقة تكشف زيف ونفاق ادعاءاته بالحرص على السوريين وتعاطفه المزعوم على حياتهم ومعيشتهم.
يبقى أن نشيرالى السيد اردوغان وموقفه المشين (المتوقع) بتأييد العدوان. يبدو انه لا يفوّت الفرصة على تلبس الإهانة بسبب نزعته الغريزية للثأر من سوريا، ولم تعد تشفع له الأسباب التخفيفية تمنح له من وقت لآخر، بسبب إقترابه أحيانا من روسيا وايران، مهاتراته اللفظية نحو واشنطن احيانا لن تخرجه من حفرة المهانة والخزي التي سقط فيها.