ما هي تجاذبات أميركا والصين في كوريا؟
من أبرز خصائص عهد الرئيس دونالد ترامب شنه "حرباً تجارية" على الصين وحلفاء بلاده ومنافسيها على السواء، مما ينذر بعودة "الحرب الباردة" إلى الصدارة، عند الأخذ بعين الاعتبار تصميم واشنطن وحلف الناتو على "تحدي الصين عسكرياً" في مياه بحرها الجنوبي؛ لا سيما إذا نظرنا لحجم التجارة الهائل العابر لتلك المنطقة والذي يعادل ثلث مجمل التجارة البحرية العالمية تقدر قيمتها بنحو 5000 مليار (5 تريليون) دولار.
دشن ترامب فترته الرئاسية بالموافقة على قيام البحرية الأميركية، شهر أيار الماضي، بتسيير دوريات "لحماية حرية الملاحة" بالقرب من الجزر الإصطناعية الصينية، مما اثار حقيظة بيجينغ. وإمعانا في ايصال رسالتها العدوانية، حشدت واشنطن كلا من لندن وباريس لزيادة حضورهما العسكري إلى جانبها وقرب ارسالهما لقطع حربية إلى المنطقة "المتنازع عليها،" في سياق تعزيز دور حلف الناتو.
سيّرت فرنسا خمس قطع بحرية على الأقل في مياه بحر الصين الجنوبي العام الماضي، وفق تصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي. تعتزم بريطانيا إرسال 3 سفن حربية للمنطقة العام الجاري. واشنطن، من جانبها، تبقي على حاملات طائراتها وقطعها البحرية الأخرى في حالة الجهوزية.
زعمت واشنطن مطلع الأسبوع الجاري أن الصين أدخلت قاذفاتها النووية فوق أجواء "المنطقة المتنازع عليها"، وردت عليها بتحليق طائرتيها النوويتين من طراز بي-52 لمسافة 20 ميلاً من المنشآت الصينية في جزر سبارتلي. جاء ذلك في سياق "تحذيرات" أطلقها وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، بأن هناك "عواقب" لقيام الصين بعسكرة بحر الصين الجنوبي، مؤكداً أن واشنطن لا يتوفر لديها خططاً لمغادرة تلك المنطقة. وزير الخارجية الصيني، هوا تشون ينغ، رد بحدة على تهديدات واشنطن مشبهاً إياها "باللص الباكي، أوقفوا اللص."
واشنطن تطلب ود بيجينغ وتعوّل على تعاونها في ملف كوريا الشمالية، بينما يمضي الطرفان في تعزيز بنيتهما العسكرية في المنطقة تحسباً لتدهور الأوضاع التي "قد" تؤدي لاشتباك عسكري يلحق الضرر بجميع الأطراف. تدرك واشنطن ان ليس لديها حدودا مشتركة، برية أو بحرية، في منطقة بحر الصين الجنوبي، وتعطي لنفسها "الحق في التدخل،" طمعاً في تعزيز سيادتها العالمية "ومنع الصين من بسط سيادتها عليها."
ادارة الرئيس اوباما أعلنت يوم 1/6/2012 عن استراتيجية جديدة تقضي بحشد نحو 60% من قواتها البحرية في تلك المنطقة. هذا بالإضافة إلى سياسة التطويق للصين بواسطة تأجيج دول الجوار عليها وبناء "تحالفات وتكتلات" إضافية وتغذية الخلافات والتوترات لذات الغرض؛ وما تصعيدها للأزمة مع كوريا الشمالية إلا اتساقاً مع سياساتها لتجديد حاجة الدول الإقليمية لها في مواجهة الصين وما هو أبعد من ذلك لتشمل روسيا في مرحلة لاحقة. المتاح أمام واشنطن هو مواصلة سياساتها بالضغط على الصين في كافة المجالات التي تعتبرها مفيدة لها، والحفاظ على منسوب استفزازها لاستنزافها وابقائها في حالة توتر مستدام؛ وإدامة حالة"اللاحرب واللاسلم" تظفر فيها واشنطن باستمرار وجودها المادي وسيطرتها ونفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة.
الصين، بالمقابل، تدرك جيداً حاجة واشنطن الماسة لها في الملف الكوري و"تلعب" ورقتها ببراعة واقتدار. التيارات المتشددة في واشنطن ما برحت تردد أن الصين تولد لديها قناعة مفادها أن الولايات المتحدة "غير مستعدة" للمضي في شن حرب عسكرية، والمتاح أمام الأولى هو استخدام المنابر الدولية لتقديم شكاواها ضد خصمها كونه يعد انتهاكاً لقانون البحار العالمي.
قانون البحار موضع خلاف بين الغرب والصين، إذ تعتبره الأخيرة بأنه يتعارض مع قوانينها الداخلية وتستغله القوى الخارجية كوسيلة لبسط الهيمنة الغربية والحيلولة من تمدد نفوذها وصعودها كقوة عالمية معتبرة. من المرجح بقاء التجاذبات بين الصين والولايات المتحدة في ملف كوريا الشمالية، حتى بعد التوصل إلى اتفاق في لقاء القمة، وتدرك أيضاً أن واشنطن ستضطر لتهدئة لهجتها وعدم استفزاز بيجينغ في المرحلة القريبة المقبلة؛ وستمضي الاولى في ممارسة لعبتها المفضلة بإطالة عامل الزمن تحسباً لقدوم رئيس أميركي جديد في المرحلة القادمة يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية والأخذ بدور الصين في الحسابات الاستراتيجية بعد تمكنها من تعزيز قواتها العسكرية والاقتصادية.