هل يستطيع إردوغان الاعتماد على الانتخابات للتوسّع في سوريا؟
الفوز الباهت الذي حقّقه الرئيس التركي في الانتخابات المبكرة، يتخذه رجب طيب إردوغان بمثابة اندفاعة في طموحاته لاحتلال الأراضي في سوريا والعراق، بذريعة الاستمرار في ملاحقة الجماعات الإرهابية. لكن هذا الفوز الذي أسهمت به بشكل حاسم التقاطعات التركية مع روسيا وإيران في الشؤون الإقليمية، مقيّد بالتزام إردوغان بالتفاهمات وعدم الإنقلاب عليها في المراهنة على التوسّع في سوريا والعراق.
على الصعيد الداخلي نجح الرئيس التركي بتحقيق آماله في الانتقال من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي يملك فيه صلاحيات واسعة. ونجح أيضاً في حساب المغامرة في انتخابات مبكرة عن موعدها بسنة ونصف، لضمان بقائه في سدّة الحكم خمس سنوات قابلة للتجديد.
لكنه على رأس حزب العدالة والتنمية تراجع من 49% من الأصوات والمقاعد في انتخابات العام 2015 إلى 42% من الأصوات والمقاعد، ولم يعد يملك منفرداً الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي.
الحلف الجمهوري الذي خاض به إردوغان المعركة الانتخابية مع الحركة القومية من اليمين المتشدّد بزعامة دولت باهتشلي، حصل على حوالي 11%، وهو يستعد للحصول على بعض الوزارات والدوائر الحكومة مؤشراً على نمو التيارات المتهمة بالفاشية في تركيا التي يمكنها أن تصطدم بطموحات إردوغان لتوظيف حوالي 3.5 مليون لاجىء سوري في طموحاته الإقليمية لقضم أراضي الدول العربية اعتماداً على "زعامته وقيادته العالم الإسلامي" بحسب وصف الأصوات المهلّلَة في قطر.
في المقابل لم يربح ائتلاف المعارضة بزعامة حزب الشعب الجمهوري الانتخابات، لكن رئيسه محرم إنجيه استحوذ على حوالي 35% من الأصوات، واستحوذت المعارضة على أقل من نصف المقاعد بقليل في المجلس التشريعي، وفاز حزب الشعوب الديمقراطية بزعامة السجين صلاح الدين دميرتاش بكتلة برلمانية وازنة، وهو أمر يدلّ على أن فوز إردوغان ليس صكّاً على بياض كما اعترف في خطاب الفوز.
وراء هذه اللوحة الظاهرة في نتائج المعركة الانتخابية، عدم استطاعة المعارضة أن تتبنّى مشروعاً موحداً يحمل أفقاً لمستقبل تركيا أبعد من عواصف المتغيرات التي تضرب المنطقة. فحزب المعارضة الأقوى ممثلاً بالحزب الجمهوري لا يزال يأمل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولم يقف على الأسباب العميقة في دول الاتحاد التي تدعو إلى عدم توسّع الاتحاد وانضمام تركيا حتى إذا لبّت كل المواصفات التي ينادي بها الاتحاد الأوروبي لذرّ الرماد في العيون.
وفي هذا المعنى خاضت المعارضة معركتها الانتخابية ببرنامج سياسي ماضوي ومأزوم من دون أفق مستقبلي.
على النقيض من ذلك تعمّد إردوغان اختيار الانتخابات المبكرة في الظروف الملائمة التي أثمرت في حديقته نتيجة التقاطعات والتفاهمات مع روسيا وإيران والتغلّب على متغيرات الحلف الأطلسي وتحوّلات الاتحاد الأوروبي.
فعلى الصعيد الاقتصادي أفاد إردوغان من العلاقات التبادلية مع إيران في المعاملات التجارية التي تبلغ حوالي 10 مليار دولار، وفي المعاملات التجارية مع روسيا التي تبلغ حوالي 35 مليار دولار. وهذه المعاملات مرشحة إلى أن تتجاوز 200 مليار قبل مراهنة إردوغان على مشاريع الطاقة والغاز مع البلدين التي يعتقد الأخير بأنها ستنقل تركيا إلى مصاف الدول العشرة الأولى في العالم بتاريخ 2023 وبلوغ الناتج القومي ألفي مليار.
قد تكون مراهنات إردوغان مجرّد أحلام وأمنيات. لكنها في مقابل أوهام المعارضة على أوهام الاتحاد الأوروبي والدول الغربية، تستند طموحات إردوغان على فوائد الاستدارة شرقاً والتعاون مع روسيا وإيران في الشؤون الاقتصادية والتقاطعات في الشؤون الاقليمية والدولية. ولا ريب أن أساس هذا التعاون مع إردوغان هو الحد الأدنى من التفاهمات في السياسة الخارجية لتركيا.
ففي رسالة التهنئة التي أرسلها فلاديمير بوتين لإردوغان أعرب عن أمله "بتعزيز مواقف السياسة الخارجية ومواصلة الحوار الهادف في الأجندة الثنائية والأجندة الإقليمية والدولية".
وفي رسالة الرئيس حسن روحاني دعوة "إلى تعزيز العلاقات أكثر من السابق في حل مشاكل المنطقة وتعزيز استقرارها".
انقلاب إردوغان على الأسباب التي أودت به إلى أن يسلك طريق النجاح النسبي مقابل مشروع المعارضة، قد يعيده إلى الأزمة الخانقة التي عاشها إبان المغامرة في إسقاط الطائرة الروسية. ففي أول تعليق على نتائج الانتخابات يحلم "بمواصلة تحرير الأراضي السورية حتى يتسنّى عودة اللاجئين إلى سوريا بأمان"، ويعِد "بتحرّك أشدّ حسماً ضد المنظمات الإرهابية" بحسب تعبيره عن طموحاته لقضم الأراضي السورية والعراقية.
لكنه ربما لم ينظر إلى أن معركة الجنوب السوري التي تكسر الخط الأحمر الأميركي، ترفع أمام تركيا البطاقة الحمراء إذا تجاوزت حدودها في الشمال السوري.