ما الذي تحمله زيارة عبد المهدي الى طهران ؟
يحاول العراق التأكيد على قراره السياسي المستقل ويحاول لعب دور اقليمي مركزي من خلال خلق توازن في علاقاته مع دول المنطقة مستنداً على موقعه العربي الجيد وعلاقته مع ايران وثرواته الطبيعية ما يؤهله كذلك كما يرى البعض لعب دور وساطة بين ايران والسعودية مستقبلاً.
استقبل المسؤولون الايرانيون رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي -الذي زار طهران لمدة يومين شارك خلالها بالمؤتمر الاقتصادي التجاري المشترك بين العراق وايران – بحفاوة واهتمام واضحين يعكسان اولوية العراق بالنسبة لايران من جهة والعلاقة الوطيدة مع عبد المهدي من جهة اخرى رغم ان هذه العلاقة تشمل ايضا معظم المسؤولين العراقيين الحاليين ويعد الرجل الذي ينحدر من اسرة سياسية عراقية من الشخصيات المقربة من ايران.
تأتي زيارة عادل عبد المهدي على رأس وفد عراقي رفيع المستوى ضم وزراء النفط والكهرباء والتجارة والموارد المائية والخارجية والمالية والتخطيط ومستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة الاركان في الجيش العراقي الفريق الركن عثمان الغانمي الذي التقى رئيس هيئة الاركان في القوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري وتم التفاهم على ضرورة التعاون في مجال الدفاع الجوي واجراء تدريبات ومناورات مشتركة بين الطرفين وهذا ما يشير الى الابعاد الرئيسية الثلاث لهذه الزيارة الاقتصادي والسياسي والامني-العسكري.
اقتصاديا تم التأكيد خلال هذه الزيارة على ضرورة تفعيل الاتفاقات الموقعة بين البلدين لا سيما خلال زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الاخيرة الى العراق في شهر اذار/ مارس الماضي التي حققت برأي العديد من المراقبين قفزة نوعية في توطيد العلاقات مع العراق اكثر من السابق خاصة في ظل الضغوط الاميركية التي تمارس على بلاد الرافدين لتطبيق العقوبات الاقتصادية ضد ايران وهذا ما لم يستجب له الساسة العراقيون في تصريحاتهم التي اكدت عمق العلاقات بين البلدين وان العقوبات ضد ايران هي عقوبات ظالمة لا يمكن للعراق المشاركة فيها مطلقا وجاءت هذه الزيارة لعبد المهدي لتقترن الاقوال العراقية بالافعال من خلال توقيع المزيد من الاتفاقات الاقتصادية التي شملت مجالات عدة كالسكك الحديدية والنفط والكهرباء والمياه والقضايا المالية والمصرفية وتسهيل حركة التجار بين البلدين وتبادل الخبرات العلمية واجراء دورات تدريبية مشتركة وتم الاتفاق ايضا على انشاء مناطق صناعية مشتركة على الحدود بين البلدين واعادة بناء شبكة الكهرباء العراقية خلال ثلاث سنوات بيد المتخصصين الايرانيين وعلى تفعيل تجريف شط العرب بحسب اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 وتفعيل اتفاقية منح تأشيرات الدخول لمواطني كلا البلدين بالمجان ، قائمة طويلة من الاتفاقات لا تشير فقط الى اصرار العراق على التصدي للعقوبات الاميركية ضد ايران بل تؤكد كذلك عزم الطرفين على رفع مستوى التبادل التجاري الى 20 مليار دولار.
تدرك ايران ان العراق نافذة مهمة للالتفاف على العقوبات الاميركية كواحد من بين خمسة عشرة دولة مجاورة تعتمد طهران على التبادل التجاري معها كأحد الخيارات في اطار سياسة مواجهة العقوبات الاميركية فقد وصل حجم الصادرات الايرانية الى العراق خلال 11 شهراً العام الماضي تسعة مليارات دولار بينما لم يتجاوز حجم الصادرات الى اوروبا الثلاثة مليارات في الفترة ذاتها وهنا ترى صحيفة كيهان الاصولية ان هذا الرقم يشير الى الدور المؤثر للعراق في التخفيف من اثار العقوبات وبالتالي الى ضرورة الانفتاح اكثر على الدول المجاورة ، بينما تظهر الارقام في المقابل ان الاندفاع نحو اوروبا والتعويل عليها لتخليص الاقتصاد الايراني من مقصلة العقوبات امران خاطئان ولن يجديا نفعا بحسب الصحيفة وقد اصبح معظم الساسة الايرانيين يؤيدون هذا الرأي الان بعدما كان البعض يعتقد ان اوروبا قادرة على التصدي للعقوبات الاميركية بعد انسحاب ادارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي قبل اكثر من عام.
سياسياً حاول الرئيس الايراني حسن روحاني لدى استقباله عبد المهدي اظهار التطابق في الرؤى السياسية بين الطرفين في العديد من الملفات في المنطقة لا سيما تلك المتعلقة بالقضايا الفلسطينية والسورية واليمنية مؤكدا رفض البلدين لقراري ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي والجولان تحت السيادة الاسرائيلية وهذا الكلام حمل في طياته رسالة تفهم خليجيا واميركيا بشكل واضح.
يحاول العراق التأكيد على قراره السياسي المستقل ويحاول لعب دور اقليمي مركزي من خلال خلق توازن في علاقاته مع دول المنطقة مستنداً على موقعه العربي الجيد وعلاقته مع ايران وثرواته الطبيعية ما يؤهله كذلك كما يرى البعض لعب دور وساطة بين ايران والسعودية مستقبلاً.
أما عسكرياً وأمنياً فقد اظهرت هذه الزيارة استمرار التعاون في هذا المجال والارتقاء به الى مستوى تعاون بين جيشي البلدين رغم المحاولات الأميركية مواجهة هذا التعاون خاصة بين الحشد الشعبي العراقي والحرس الثوري الايراني.
بإختصار لقد كانت نتائج زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الى طهران حتمية طبيعية لتداخل التاريخ والجغرافيا بين البلدين ...