أهداف الاتفاقيات الأكاديمية بين "إسرائيل" ودول التطبيع
يحاول الكيان الصهيوني من خلال التطبيع الأكاديمي اختراق طلبة الجامعات وأساتذتها في دول التطبيع، وخصوصاً تلك التي تضمّ فصائل سياسية، لمحو شيء اسمه فلسطين من ذاكرتها، لكن الأخيرة ستظل في قلب كل مسلم وعربي حر.
-
أهداف الاتفاقيات الأكاديمية بين "إسرائيل" ودول التطبيع
يبدو أنّ الكيان الصهيوني لا يكلّ ولا يملّ في سعيه الدؤوب لاختراق الشعوب الإسلامية والعربية بكلّ الطرق الممكنة عبر عدة بوابات ثقافية ورياضية وفكرية. كل ذلك من أجل خلق بيئة تطبيعية مع هذه الشعوب الإسلامية، بحيث يصبح التطبيع مسألةً مسلماً بها.
ولم يكتفِ الكيان الصهيوني بما أبرمه من اتفاقيات في المجالات المذكورة سابقاً، بل أبرم أيضاً في السنوات الأخيرة العديد من الاتفاقيات في المجال الأكاديمي والبحثي مع دول التطبيع تحت مسميات مختلفة، كتبادل الخبرات والأبحاث في المجال العلمي وإعطاء منح دراسية لطلاب تلك الدول.
وإذا كانت تلك الدول تتذرع بالاستفادة من التجارب الصهيونية في العديد من المجالات، فإنَّ السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا ستجني "إسرائيل" من هذه الاتفاقيات الأكاديمية؟
تعلم "إسرائيل" أن الجامعات داخل كلّ مدن الأقطار الإسلامية والعربية، وخصوصاً ذات الاستقطاب المفتوح، تستقطب أعداداً هائلةً من الطلبة في جميع التخصصات المفتوحة.
وتعدّ الجامعات عموماً مشتلاً يسهم في تكوين جيل من الطلبة ليصبحوا سياسيين ومفكرين وعلماء وكوادر، كلٌ في ميدان تخصصه، من دون إغفال الدور الذي قامت به الجامعات في العديد من دول العالم، في نصرة بعض القضايا العادلة أو إحداث تغيير سياسي، عبر القيام بانتفاضات أو تظاهرات تطالب بالديمقراطية، ونيل العديد من الحقوق.
ولم تشذّ الجامعات في العالم الإسلامي والعربي عن نظيراتها في بقية دول العالم في هذا الإطار، إذ أنجبت العديد من الأطر في شتى المجالات الفكرية والعلمية وغيرها، فكانوا مشبعين بروح الانتماء إلى أوطانهم وإلى العالم الإسلامي والعربي، وواعين بالمخططات التي تحوكها القوى الإمبريالية والصهيونية التي دعمت قيام الكيان الصهيوني منذ نشأته على أرض فلسطين كقاعدة متقدمة للاستعمار، لمنع أي توجه وحدوي ونهضوي للعالم الإسلامي والعربي، عبر زرع المؤامرات والفتن بهدف تقطيع أوصاله، لأنها ترى في وحدة الصف الإسلامي والعربي خطراً يهددها، وأحداث "الربيع العربي" ليست بعيدة عنا!
ظلَّت الجامعة في الدول الإسلامية والعربية منبع النضال في خدمة القضية الفلسطينية، من خلال التيارات والفصائل السياسية المختلفة التي تعجّ بها، سواء اليسارية منها أو الإسلامية، رغم اختلافاتهم وخلافاتهم الأيديولوجية والفكرية التي قد تصل حد التصادم في بعض الأحيان، إلا أنَّ القاسم المشترك بينهما يبقى الدفاع عن فلسطين وشعبها في مواجهة الآلة الصهيونية الشرسة الرامية إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه واجتثاثه.
على هذا الأساس، ترى "إسرائيل" في التطبيع الأكاديمي الوسيلة الفضلى لتحقيق ما تصبو إليه من مكاسب، منها على سبيل المثال:
- دعوة الأساتذة الجامعيين والباحثين في دول التطبيع لزيارة الكيان الصهيوني على نفقة الوزارة الصهيونية، بدعوى تبادل الأبحاث والخبرات، وإلقاء محاضرات وتنظيم ندوات أو القيام بأبحاث مشتركة في الجامعات الصهيونية ولقاء الطلبة الصهاينة، فضلاً عن إغرائهم بالحوافز المالية، وهي اللعبة التي يتقنها الجانب الصهيوني. في المقابل، يشجع ذلك نظراءهم في الكيان الصهيوني على القيام بالأمر نفسه بين طلبة هذه البلدان.
- إعطاء منح دراسية أو السماح لطلبة تلك الدول بالدراسة في الجامعات الإسرائيلية، من أجل استقطابهم وغسل أدمغتهم. وحين يعودون إلى بلادهم بعد إنهاء دراستهم، يكونون قد تشبعوا بالفكر الصهيوني، ويصبحوا مدافعين عنه في مجتمعهم أو داخل المؤسسات العمومية أو الخاصة التي قد يعملون فيها.
من هنا، نستنتج أن الكيان الصهيوني يحاول اختراق الجامعات والكليات في دول التطبيع عبر استقطاب أساتذتها وباحثيها، تمهيداً لاختراق الطلبة المسلمين والعرب، وإنشاء فصيل طلابي تابع لها داخل الحرم الجامعي، ولو أنَّ هذا الأمر يبقى صعب التحقيق، في ظل سيطرة الفصائل الإسلامية واليسارية في بعض تلك الدول.
لا ينكر أحد حقيقة أن الكيان الصهيوني يتفوق على دول التطبيع في البحث العلمي والأكاديميٍ، إذ تشير بعض المعطيات الصادرة عن بعض المراكز البحثية، والتي نشرت في السنوات الأخيرة، إلى أن كيان الاحتلال يخصص نحو 4.7% من ناتجه الوطني للمجال البحثي، ما مكنه من تسجيل 16805 براءات اختراع، وهو رقم لا يمكن اللحاق به في المستقبل القريب أو المتوسط، نظراً إلى ضآلة الدعم المخصص للبحث العلمي في أغلبية الدول الإسلامية والعربية، والذي لا يتجاوز 0.2%.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستسمح "إسرائيل" للطلبة الذين سيدرسون مستقبلاً في معاهدها بنقل كل التكنولوجيا الإسرائيلية إلى دول التطبيع أو ستفرض قيوداً على ذلك؟
إذا تأمّلنا في سلوك الكيان الصهيوني، نجد أنّه يسعى دائماً إلى التفوق على الدول الإسلامية والعربية في مجال التكنولوجيا بشتى أنواعها. لذا، عمد إلى دعم البحث العلمي بكل ما أوتي من قوة في كلّ الميادين، مستعيناً بخبرات غربية، وباليهود الذين يشتغلون في الغرب، لأنه يعتبره السلاح الذي يمكنه من التفوق على الدول الإسلامية والعربية، في حين يسعى إلى منعها من الوصول إلى الحلقة المفقودة في التكنولوجيا التي قد تشكل تهديداً له مستقبلاً وإبقاء هذه الدول متخلفة أو في حالة تبعية له أو للغرب.
كما أسلفنا في مقال سابق، إن ما يهم الكيان الصهيوني ليس التطبيع السياسي مع أنظمة تلك الدول، لأن ذلك يتم وفق مصالح ورؤى استراتيجية، لكن الأهم بالنسبة إليه هو التطبيع مع الشعوب، لأنّه يدرك أن الشعوب الإسلامية والعربية ما زالت توجه بوصلتها نحو فلسطين، رغم مسلسل التطبيع، ويمكن أن تدفع حكامها يوماً إلى التحلل من كل الاتفاقيات المبرمة معه.
نخلص في النهاية إلى أنَّ الكيان الصهيوني يحاول من خلال التطبيع الأكاديمي اختراق طلبة الجامعات وأساتذتها في دول التطبيع، وخصوصاً تلك التي تضمّ فصائل سياسية، لمحو شيء اسمه فلسطين من ذاكرتها، لكن الأخيرة ستظل في قلب كل مسلم وعربي حر.