الزيارات الأميركية المتتالية للمنطقة.. هل تحقّق أهدافها؟
بعد زيارات متتالية لكبار المسؤولين الأميركيين خلال الأيام الماضية إلى المنطقة، فإن السؤال يطرح حول أهداف هذه الزيارات، ومدى قدرة الإدارة الأميركية على فرض رؤيتها على الفواعل الرئيسية في المنطقة.
-
هل الإدارة الأميركية قادرة على فرض رؤيتها على الفواعل الرئيسية في المنطقة؟
برغم انشغال الإدارة الأميركية في ملفات دولية استراتيجية، إلا أن منطقة الشرق الأوسط كانت وجهة زيارات متتالية لكبار المسؤولين الأميركيين خلال الأيام الماضية، وهم، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ورئيس وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز. ولم تكتفِ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالزيارات، بل أبقت فريقاً سياسياً وأمنياً في المنطقة لمتابعة ملفات الزيارة ومخرجاتها أولاً بأوّل، الأمر الذي يدلّ على أهمية القضايا التي طرحت على أجندة اللقاءات، ما يطرح سؤالاً حول ماهية أهداف الزيارات المتتالية؟ ومدى قدرة الإدارة الأميركية على فرض رؤيتها على الفواعل الرئيسية في المنطقة، بما يتناسب مع مصالحها؟
أبرز الملفات الرئيسية التي طرحت خلال زيارات المسؤولين الأميركيين، هي الملف الإيراني، والملف الفلسطيني، والشأن الداخلي الإسرائيلي.
1-على صعيد الملف الإيراني، فقد سبق الزيارات الأميركية إجراء مناورات عسكرية أميركية إسرائيلية مشتركة، أطلق عليها مناورة "بازلت أوكس"، وصفها مسؤول أميركي بأنها التدريبات العسكرية الأهم بينهما حتى اليوم، بمشاركة 6400 جندي أميركي، وحاكت المناورات شن هجوم عسكري على إيران، بحسب مصادر إعلامية مختلفة.
وقبل أيام أكدت مصادر إعلامية أميركية وإسرائيلية، أن الموساد الإسرائيلي نفذ هجمات بطائرات مسيّرة انتحارية استهدفت موقعاً عسكرياً في مدينة أصفهان الإيرانية، وقد نفت إيران أن تكون المنشأة عسكرية، واتهمت العدو الإسرائيلي بتنفيذ الهجوم. الأمر الذي يعكس التنسيق العالي بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي تجاه الملف الإيراني.
إلا أن الإدارة الأميركية تدرك أن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بيبي نتنياهو، يضع الملف الإيراني على رأس أولياته، لدرجة أنه يعتبر القضاء على النووي الإيراني بمثابة مهمة تاريخية وأيديولوجية له، وهو من أشد معارضي الاتفاق النووي عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لدرجة قيامه بمخاطبة الكونغرس الأميركي لعرقلة توقيع الاتفاق، ما أغضب أوباما في حينه. كما كان لنتنياهو الدور الأبرز في دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي.
يدرك نتنياهو أن الملف الإيراني من ضمن الأجندة الأميركية، لكنه ليس ضمن أولوياتها، وتستطيع التعايش مع إيران نووية أو دولة قادرة على صنع القنبلة. وبرغم تعثر المفاوضات حول النووي الإيراني إلا أن فرص العودة إلى طاولة المباحثات ما زالت سانحة، الأمر الذي يزيد من خشية الإدارة الأميركية من إقدام نتنياهو على عمل عسكري واسع ضد إيران من دون التنسيق معها، وهو ما يتعارض مع أجندتها وأولوياتها الدولية، ولا سيما التهديدان الصيني والروسي، في ضوء تفاقم الصراع في أوكرانيا ومؤشرات تصاعد العمليات العسكرية في الربيع المقبل.
ومع ذلك يبدو أن اللقاءات مع نتنياهو توصّلت إلى تفاهمات تسمح للعدو بمهاجمة أهداف إيرانية على نطاق أوسع من السابق، الأمر الذي يحقّق مصالحهما، ولا سيما في ضوء اتهام الإدارة الأميركية والغرب لإيران أنها تتعاون عسكرياً مع روسيا، لذا نقدّر بأن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الهجمات على أهداف إيرانية داخل إيران وخارجها، وذلك بهدف دفعها للرجوع إلى طاولة المفاوضات بسقف مقبول أميركياً من جهة، والتقليل من تعاونها العسكري مع روسيا من جهة أخرى.
إلا أن هناك عوامل متعددة قد تدفع نتنياهو لتوجيه اعتداءات على إيران قد تتجاوز الخطوط الحمراء التي حدّدتها الإدارة الأميركية. أبرزها، الانشغال الدولي في الأزمة الروسية الأوكرانية، ورغبة الغرب في معاقبة إيران على تعاونها العسكري مع روسيا، وفشل مساعي زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران، ورغبة نتنياهو في الهروب إلى الأمام على أثر تصاعد وتيرة الخلافات الداخلية والانقسامات الحادة داخل مجتمع العدو والمعارضة القوية لحكومته اليمينية المتطرفة، ما يجلب له استقراراً داخلياً، بحجة أولوية التهديدات الخارجية.
كما أن أبرز المؤثرين في صناعة القرار داخل المستويين السياسي والعسكري للعدو قريبان جداً من رؤية نتنياهو تجاه إيران، الأمر الذي يرجح سيناريو توجيه هجمات عسكرية ضد أهداف إيرانية على نحو يهدف لقضم القدرات العسكرية الإيرانية ولا يؤدي لاندلاع حرب مفتوحة مع إيران.
2-فلسطينياً، تهدف الزيارات الأميركية إلى تهدئة الجبهة الفلسطينية في ضوء مؤشرات التصعيد، التي زادت بفعل سلوك العدو الإجرامي تجاه القضايا الأكثر حساسية للشعب الفلسطيني، وأبرزها القدس والمسجد الأقصى وقضية الأسرى، والعدوان المتكرّر على جنين ومدن الضفة الغربية الذي أدى إلى استشهاد ما يقرب من 40 فلسطينياً منذ بداية العام الجاري، وما تلاها من ردود فعل فلسطينية أبرزها عمليتا القدس الفدائيتان ومقتل 8 مستوطنين فيها، على نحو أدى إلى قرار السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني.
تخشى الإدارة الأميركية من اتساع رقعة المواجهات بين العدو والشعب الفلسطيني، وأن تنزلق إلى مواجهة عسكرية مع قطاع غزة، قد تتوسّع لتشمل الجبهة الشمالية، ولا سيما في ضوء مؤشرات التصعيد في شهر رمضان المقبل. كما تسعى الإدارة الأميركية لمنح السلطة الفلسطينية عوامل قوة تمكّنها من إجهاض عمليات المقاومة ولا سيما في شمال الضفة الغربية، وأن تتراجع عن قرار وقف التنسيق الأمني وملاحقة العدو قانونياً في المحاكم الدولية، في مقابل تخفيف ضغوط حكومة العدو على السلطة والتراجع عن معاقبتها مالياً، ومنحها امتيازات اقتصادية، والتخفيف من اقتحام قوات العدو لجنين ونابلس.
إلا أن الوفود الأميركية لم تطرح حلولاً سياسية، فهي تريد إدارة الصراع في المنطقة بما يؤدي إلى خفض التصعيد وتحقيق الهدوء للتفرّغ للقضايا الدولية، فالحلول التي طُرحت لن توجد جهة مؤهّلة للاستجابة لها، فحتى نتنياهو لو رغب في تحقيق المطالب الأميركية، فلن يستطيع إقناع شركائه في اليمين الفاشي، أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، ولن يهتم نتنياهو بالرغبة الأميركية في تقوية السلطة على حساب التضحية باستقرار حكومته الفاشية، لكنه لن يرفض المطالب الأميركية وسيخادعها، ما يعني أن الجبهة الفلسطينية رغم مساعي التهدئة الأميركية والإقليمية تتجه إلى مزيد من التصعيد.
الزيارات الأميركية شملت مصر والأردن، وهدفت لإبقاء دورهما ولا سيما مصر، أكثر تدخّلاً لدى الأطراف الفلسطينيين لتحقيق الهدوء ومنع التصعيد. إلا أن قدرة البلدين على التأثير تبقى محدودة، ولا تتعدّى الوساطة ونقل الرسائل. وتأتي دعوة مصر لقيادات الفصائل إلى القاهرة في سياق تأكيد أهمية دورها في المنطقة للجانب الأميركي، إلا أن مصر تدرك أن سلوك الحكومة الفاشية في "إسرائيل" لن يساعدها على وساطة تحفظ ماء وجهها أو تعزّز دورها.
وهذا يعني أن الدور الإقليمي سيفشل في تهدئة الجبهة الفلسطينية، وستحمّل مصر والأردن حكومة العدو المسؤولية وربما تشهد المرحلة المقبلة توتراً في العلاقة بين الطرفين، المصري والأردني من جهة والعدو من جهة أخرى، إلا أن مستوى التوتر سيكون أعلى مع الأردن، بسبب تجاوز العدو للدور الأردني في المسجد الأقصى وخشيته من تأثيرات الانتفاضة في الضفة الغربية على الداخل الأردني.
3-على صعيد الشأن الداخلي الإسرائيلي، ربما طرح الجانب الأميركي أفكاراً للتخلّص من حزبي بن غفير وسموترتش وضمّ بيبي غانتس لحكومة نتنياهو، وعلى الأغلب لم يقبل نتنياهو هذا الطرح في الوقت الحالي، قبل إقرار التعديلات القانونية، التي تنقذه من المحاكمة، وربما طرح الجانب الأميركي حرصه على عدم المساس بصورة "إسرائيل" كدولة ديمقراطية وتحذيره من تداعيات التغييرات في مرفق القضاء "الإصلاح القضائي" ، إلا أن نتنياهو في الغالب، أكد أن المعارضة والإعلام يبالغان في توصيف سلوك الحكومة، وأن كيانه سيبقى "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة" ويتشارك مع الغرب والولايات المتحدة في القيم الديمقراطية والليبرالية.
نقدّر بأن الزيارات الأميركية إلى المنطقة لن تؤدي إلى خفض التصعيد على الجبهة الفلسطينية، كما أنها سعت لصياغة تفاهمات مع العدو حول إيران، تعطي نتنياهو الضوء الأخضر لمهاجمة أهداف إيرانية عسكرية. إلا أن نتنياهو يرى أن الفرصة مواتية لشن هجمات أوسع، وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، لم تحقّق الزيارة إنجازات تذكر، وستستمر البيئة الداخلية للعدو في اتجاهات أكثر انقساماً واستقطاباً.