الصمت الإعلامي الغربي عن غزة يكشف النفاق والمعايير المزدوجة

وراء الفشل المتكرر في جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ليس الدعم الأحادي الجانب لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" من قبل الدول الغربية الكبرى فحسب، بل أيضاً النفاق والمعايير المزدوجة لوسائل الإعلام الأميركية الغربية.

  • النفاق والمعايير المزدوجة لوسائل الإعلام في تغطية الحرب على غزة.
    النفاق والمعايير المزدوجة لوسائل الإعلام في تغطية الحرب على غزة.

في 25 شباط/فبراير الماضي، أضرم طيار في الجيش الأميركي النار بنفسه أمام مقر السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، وقام ببث ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إنه "لن يكون شريكاً في الإبادة الجماعية بعد الآن"، وصرخ في الفيديو: "حرروا فلسطين"، وأحرق نفسه.

في إحراق هذا الطيار لنفسه، نرى قسوة الحرب والتكلفة المؤلمة التي دفعها الفرد في العالم لمحاربة "الإبادة الجماعية". هذا ليس احتجاجًا شديدًا من قبل هذا الطيار فقط، ولكنه أيضًا دعوة عميقة من ضمير كل شعوب العالم لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن.

 في البداية، انتشر فيديو تضحية هذا الطيار بنفسه بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان صراخه صادمًا للغاية. ومع ذلك، تم حذف الفيديو بعد ظهر اليوم نفسه، وزعمت منصات التواصل الاجتماعي أن الفيديو ينتهك القواعد المعنية، ما أثار المزيد من الشكوك: أين ذهبت "حرية التعبير" التي تدعو إليها دائماً الولايات المتحدة والدول الغربية؟

وقام عدد قليل من وسائل الإعلام الغربية الرئيسية فقط بتغطية هذا الحدث، ولم تقدم معظم وسائل الإعلام الغربية أي تغطية. إضافة إلى ذلك، تخفي وسائل الإعلام المعنية عمداً في عناوينها الرئيسية أن هذا الشاب طيار في الجيش الأميركي.

وتعاملت وسائل الإعلام الأميركية والغربية مع هذا الحادث بعدم تغطيته، كما استخدمت عدداً كبيراً من الأحداث الإخبارية الأخرى لتحويل التركيز والانتباه، ما أدى إلى إغراق هذا الحادث في بحر المعلومات.

في هذه اللحظة، لنفكر في كيفية قيام وسائل الإعلام الأميركي الغربية بتغطية حادثة التضحية بالنفس في تونس عام 2011. في ذلك الوقت، قام بائع صغير في تونس اسمه محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه بسبب مصادرة سلعه من الشرطة، وأولت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة والعالم الغربي بأسره اهتماماً بالغاً لهذا الحدث لوقت طويل، وقامت بتغطيته وتحليله لفترة مستمرة ومتواصلة، بما في ذلك عدد كبير من المواضيع الإخبارية ومقابلات المشاهير، ومن ضمن هذه التغطية سلسلة من الشائعات الملفقة والمنهجية عن عمد.

وأدى ذلك بنجاح إلى احتجاجات وتظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي النهاية، نجحت الولايات المتحدة في تخطيط ما يسمى بـ"الربيع العربي" في الشرق الأوسط، الذي أطاح أنظمة العديد من دول الشرق الأوسط.

وبالمقارنة، وجدنا مدى نفاق وخداع مبدأ حرية التعبير وحرية الصحافة في الولايات المتحدة، حتى تضحية الجندي الأميركي بنفسه لن تساعد في تغيير هذا النفاق.

وما يحزننا أكثر هو أنه في اليوم الذي أحرق فيه هذا الطيار الأميركي نفسه، كان "الجيش" الإسرائيلي قد شنّ غارات على مناطق متعددة في شمال وجنوب قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 86 شخصاً وإصابة 131 آخرين.

أما في الأشهر الخمسة الماضية، فقد أسفرت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة عن استشهاد أكثر من 30 ألف شخص وإصابة أكثر من 70 ألف شخص.

لقد طُرد الملايين من المدنيين الفلسطينيين من ديارهم وتحولوا إلى لاجئين. لا يعرف أحد إلى أين يمكنهم البحث عن ملجأ. ليس لديهم مواد الغذاء أو الموارد الطبية، وليس لديهم فرصة لطلب المساعدة، وما ينتظرهم قد يكون القصف القادم، لكن وسائل الإعلام الغربية التي تفتخر "بحرية الصحافة" فقدت صوتها في هذا الوقت، وحتى تضحية الجندي الأميركي بنفسه لا يمكنها أن تثير اهتمامها.

تقوم كل من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط ووسائل الإعلام "المحايدة" في العالم بتغطية الحرب على قطاع غزة بطريقة موضوعية وواقعية، وفضح أهوال الصراع في قطاع غزة للناس العالم، وإعلام الجميع بأن المدنيين في غزة عانوا خسائر فادحة. ومع ذلك، فإن بعض وسائل الإعلام الأميركية والغربية تتعارض مع قيم وسائل الإعلام، وترفض التغطية بصدق. وبدلاً من ذلك، تنقل "بشكل انتقائي" الأخبار غير المواتية للجانب الفلسطيني، وحتى "تلفق" بعض الأخبار لتشويه سمعة فلسطين، لكي تقلل الضغط على "إسرائيل" والولايات المتحدة.

وراء الفشل المتكرر في جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ليس الدعم الأحادي الجانب لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" من قبل الدول الغربية الكبرى فحسب، بل أيضاً النفاق والمعايير المزدوجة لوسائل الإعلام الأميركية الغربية التي تدعي أنها "موضوعية وعادلة".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.