الضّربات الأخيرة على السّعودية والإمارات وسيادة القرار الاستراتيجي اليمنيّ
كان موقف اليمن منذ العام 2015 مستنداً إلى الحقّ في تقرير المصير وحفظ السيادة الوطنية، عبر الدفاع عن أراضيه ومواجهة أي عملية لقضمها.
-
الأشهر العشرة الأخيرة تشكّل دلالة واضحة على استقلالية القرار اليمني
في 25 آذار/مارس 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية عمليّة عسكريّة تستهدف "أنصار الله" والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح تحت مُسمى "عملية الحزم". وبعد قصف جوي استهدف الدفاعات الجوية اليمنية وأنظمة الاتصال لمدة 26 يوماً، أطلقت المملكة على العمليات العسكرية اللاحقة اسم "إعادة الأمل".
وإذا كانت المملكة العربيّة السعوديّة أخذت على عاتقها مهمّة قيادة الحلف الَّذي تمّ تأسيسه للقيام بمهمَّة ما تمَّ التسويق له على أنّه طلب رسمي تقدم به الرئيس المنتهية صلاحيته عبد ربه منصور هادي للملك سلمان بن عبد العزيز، من أجل مساعدته على "إيقاف النفوذ الإيراني في اليمن"، فإنَّ واقع العلاقات السعودية اليمنية يشهد على أطماع المملكة في الأراضي اليمنيّة وموقعها الاستراتيجي، منذ أن تأسّست الدولة السعودية الثالثة في بداية القرن العشرين.
ولتفادي الدخول في التفاصيل التاريخية للعلاقة بين البلدين، يفترض الإشارة إلى أنَّ الموقع الاستراتيجي اليمني ساهم في تكريس مشروع الهيمنة السعودي على هذا البلد عبر التاريخ؛ ففي فترة حكم علي عبد الله صالح، جاهدت السعودية لإجباره على تجديد معاهدة الطائف للعام 1934، والتي فرضت هيمنة السعودية على عسير ونجران، ثم مارست ضغوطاً عليه لترسيم حدود اليمن الشمالية مع المملكة، من أجل تثبيت سعودية هاتين المنطقتين.
وللتأكيد على مشروع المملكة الهادف إلى الهيمنة، نشير إلى رفضها توحيد شطري البلاد الذي حدث في العام 1990، إذ إنَّ خطوة التوحيد حازت دعم الأنظمة المناوئة للمملكة في تلك الفترة، أي نظام صدام حسين في العراق ونظام معمر القذافي في ليبيا.
وبالعودة إلى طلب الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، يجب الإشارة إلى أنَّ ما يُسمى "التحالف العربي" لدعم الشّرعيّة في اليمن، تحت القيادة السعودية والمشاركة الإماراتية الفاعلة، شنّ هجوماً جوياً، واستكمل في حربه على اليمن عامه السابع من دون أيّ غطاء أممي، إذ إنَّ الأمم المتحدة لم تتخذ أي قرار يدعم هذا الحلف، ثم إنَّ الأجندة السعودية والإماراتية في هذا البلد لا تدلّ على مشروع يهدف إلى بناء دولة يمنية قوية، إذ إنَّ السياسات الخليجية منذ العام 2015 لم تقدّم للدولة اليمنية والرئيس المنتهية ولايته أي دعم يمكّن تلك الدولة من الخروج من نفق التقسيم والحرب الدائرة فيه، بل عمدت إلى رسم أطر لمشاريع تقسيمية تتعلّق بمجال حيويّ مفترض، تعتبر أنه ضروري لأمنها القومي.
وبالتالي، تمّ العمل في الميدان على رسم خارطة نفوذ لها بواسطة النار، ودعم الميليشيات المتواجدة في ساحة النزاع اليمني، فالإمارات العربية المتحدة عملت على بسط هيمنتها ونفوذها في الجنوب اليمني والجزر الاستراتيجية، كجزيرة سقطرى، مقابل محاولات المملكة لتطويع الشمال اليمني عبر احتلال مأرب، وتثبيت سعودية عسير ونجران وجيزان في الوعي الدولي، والتسويق لشرعية عربية ودولية لعملياتها العسكرية كإطار للدفاع عن أمن المملكة ضد الهجمات اليمنية المصنفة في الأدبيات السعودية كـ"هجمات لجماعة الحوثي المدعوم من الجمهورية الإسلامية على السيادة السعودية".
وإذا أشرنا إلى المبادرات السعودية التي تتالت منذ أكثر من عامين، فإنَّ محتواها لا يتعدى حدود الدفع بخيار التسليم بسطوة المملكة على أرض اليمن، فالمطلب السعودي الدائم لا يتخطى حدود الاقتناع بخيار التسليم اليمني بالدور السعودي كمهيمن على الأرض اليمنية والقرار السياسي في هذا البلد، إضافةً إلى العمل على جعل السيادة اليمنية مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية للمملكة السعودية.
ولذلك، وقع خلاف بين المملكة السعودية ودولة الإمارات، إذ إنَّ التعارض في المصالح أرخى بظلاله على الساحة اليمنية، وانعكس في مراحل كثيرة مواجهة عسكرية بين الميليشيات الموالية لكلا الطرفين. وإذا تعمَّقنا في تحليل هذا الخلاف، فإنّ المعطى المؤكّد لا يخرج عن إطار التنافس الاستعماري بينهما، بما ينسف سردية التحالف وأهدافه المتمثلة في الدرجة الأولى بدعم الشرعية ومحاربة ما يدّعيه من نفوذ إيراني.
ولإضافة المزيد من الحجج الداعمة للموقف الخليجي، عمدت المملكة العربية السعودية إلى تظهير الملفّ اليمني على أنه مرتبط بالملفات الإقليمية الأخرى العالقة بينها وبين الجمهورية الإسلامية. وبناء عليه، حاولت مراراً وتكراراً أن تظهر الحرب في اليمن على أنها اعتداء إيراني على دول الخليج، وحاولت أن تفرض ملفّ وقف إطلاق النار في اليمن على طاولة المفاوضات التي جمعت الطرفين في العراق.
وإذا حيَّدنا الموقف الإيراني الرافض للتفاوض حول الملفّ اليمنيّ، والإعلان أنَّ الجهة الصّالحة للتحاور معها هي الشعب اليمني، فإنَّ المملكة، ومن خلال محاولة التفاوض على هذا الملف مع الجمهورية الإسلامية، نسفت الحجج التي سوّقتها لحربها على اليمن منذ العام 2015، وأظهرت أنَّ الحرب المفروضة على الشعب اليمني لا تُصنَّف إلا في خانة العمل على تثبيت توازن إقليمي يحفظ مصالحها.
ولمزيد من التعقيد في الموقف السعودي، أخذت الإمارات العربية المتحدة على عاتقها مهمة البحث عن مصالحها بشكل مستقل عن الأجندة السعودية. ولذلك، كرَّست وجودها في الجنوب اليمني، وحاولت على مراحل متعدّدة أن تضمن عدم تأثرها بأي اتفاق سعودي إماراتي. وبناء عليه، سوقت لوجودها في الجزر اليمنية الاستراتيجية على مدخل خليج عدن كحاجة حيوية للأمن العالمي، وعمدت إلى إشراك الكيان الإسرائيلي في تأسيس قاعدة بيانات استخبارية وقواعد عسكرية مشتركة فيها.
في المقلب الآخر، كان موقف اليمن منذ العام 2015 مستنداً إلى الحقّ في تقرير المصير وحفظ السيادة الوطنية، عبر الدفاع عن أراضيه ومواجهة أي عملية لقضمها أو فرض شروط سياسية وأمنية تنتقص من حرية الشعب اليمني وسيادته.
ومنذ اللحظة الأولى لعدوان ما يُسمى "التحالف العربي على اليمن"، استند الخطاب الوطني اليمني إلى جملة من الثوابت، منها تحرير الأرض ومواجهة أي محاولة للاستيلاء على سلطة الدولة وثرواتها، إضافة إلى رفض أي محاولة لاستخدام الموقع الاستراتيجي اليمني بما لا يناسب الحق اليمني بإقامة علاقات سيادية طبيعية مع أي دولة في المنطقة والعالم.
وفي تحليل عمليات الردع الاستراتيجي اليمني، التي تمثلت منذ بدء الحرب بقصف المواقع الحيوية والاستراتيجية في الأراضي السعودية، وبعدها في الإمارات العربية المتحدة، يمكن أن نلاحظ أن توقيتها ومكانها كانا وما زالا محكومين لحسابات المعركة اليمنية ومعادلات التوازن الحربي، فمراجعة جدول الضربات التي استهدفت الموانئ والسفن أو منشآت النفط والكهرباء في كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية، تظهر أنَّ القرار بتحديد الأهداف وتوقيت الضربة لم يكن مرتبطاً بتطورات الإقليم ومستوى التوتر في العلاقة بين الجمهورية الإسلامية ودول الخليج، بل إنَّ العديد من الضربات الاستراتيجية اليمنية حدث في لحظات من الهدوء الإقليمي، وفق ما تسمح به ظروف المعركة الميدانيَّة، بل إنَّ بعضها حدث في لحظة انعقاد طاولات الحوار في العراق أو في فيينا.
ومن الممكن أن نقول إنّ الأشهر العشرة الأخيرة تشكّل دلالة واضحة على استقلالية القرار اليمني في مواجهة العدوان ومحاولاته لإلحاق الضرر الكبير بقوى التحالف، فمعركة مأرب وقصف منشآت "أرامكو" أو ميناء جبل علي في الإمارات وقعت في لحظات كانت تشهد حواراً إقليمياً بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية، ناهيك بالمفاوضات النووية في فيينا.
وبناءً عليه، يمكن الجزم أنَّ استراتيجيّة الدفاع اليمنية في صدّ العدوان ترتكز على آلية غير مرتبطة بمسار العلاقات الإقليمية المائل في هذه المرحلة نحو التهدئة، إذ إنَّ الضربات الأخيرة التي استهدفت المملكة العربية السعودية، ومن ثم الضربات الأخيرة لإمارة أبو ظبي، تؤكد سيادة القرار اليمني واستقلاليته عن أيّ حدث إقليمي.