العبوات الناسفة: سلاح الاحتلال للأهداف الخطرة

الاحتلال الإسرائيلي اعتاد على استخدام العبوات الناسفة كأسلوب لاغتيال الشخصيات المقاومة، فلماذا اختار هذه الطريقة مجدداً لتصفية من يعدّه هدفاً خطراً؟

  • العبوات الناسفة: سلاح العدو للأهداف الخطرة
    العبوات الناسفة: سلاح العدو للأهداف الخطرة

الحديث عن "عودة" الاغتيالات الإسرائيلية فيه من مجافاة الحقيقة ما فيه، فاغتيالات الاحتلال للمقاومين لم تتوقف يوماً حتى منذ ما قبل إعلان تأسيس "دولة" الاحتلال، والمكرَّس رسمياً يومَ نكبة فلسطين، في منتصف الشهر الخامس من كل عام.

ما عاد فعلاً هو استخدام الاحتلال العبوات الناسفة لتنفيذ عمليات الاغتيال. وهي طريقة مجرَّبة ومضمونة لقتل الهدف، وجرّبها الاحتلال منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان الشهيد الأديب غسان كنفاني من أوائل مَن استُخدمت العبوات الناسفة في تصفيتهم، صباح الثامن من تموز/يوليو 1972، حين أدار سيارته لتنفجر فيه وبابنة أخته لميس في الحازمية شرقي بيروت.

وقبل أن يأفل عام 1972، صفّى الموساد الدكتور محمد همشري، ممثّل منظمة التحرير في فرنسا، عبر زرع عبوة ناسفة في هاتفه في باريس.

أمّا ممثل "فتح" في قبرص، حسين بشير أبو الخير، فقُتل مطلع عام 1973 عبر تفجير عبوة وضعت تحت سريره في فندق أولمبيا في مدينة نيقوسيا.

وشهد عام 1979 اغتيال الاحتلال علي حسن سلامة، القيادي في "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، والملقّب بالأمير الأحمر، عن طريق تفجير عبوة قُدِّرت زنتها بأكثر من 100 كيلوغرام في بيروت، قتلته مع 8 آخرين.

بدوره، مسؤول الإعلام الفلسطيني الموحَّد، ماجد أبو شرار، قُتل بواسطة عبوة ناسفة وضعها عملاء "الموساد" في غرفته في فندق في العاصمة الإيطالية روما، في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر من عام 1981.

أمّا يحيى عياش، المعروف بالمهندس، وأحد أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، فاغتاله "الموساد" عبر زرع عبوة في جهازه الخلوي في قطاع غزة، في السادس من كانون الثاني/يناير 1996.

وخلال الانتفاضة الثانية، المعروفة بانتفاضة الأقصى بين عامَي 2000 و2005، اغتال الاحتلال أسامة جوابرة، ابن كتائب شهداء الأقصى، في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2001، عبر تفجير قمرة هاتف عمومي كان على وشك استخدامه في البلدة القديمة في نابلس.

كذلك، اغتال الاحتلال القائد العام لكتائب شهداء الأقصى في فلسطين، رائد الكرمي، مطلع عام 2002، عبر تفجير عبوة ناسفة زُرعت في طريقه في مدينة طولكرم.

غابت العبوات عن المشهد الفلسطيني حتى استهداف تامر الكيلاني، ابن "كتائب أبو علي مصطفى" وأحد مؤسسي مجموعة عرين الأسود في حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس، فجر 23-10-2022.

والاغتيال، نتيجة أسباب أمنية، يتم بموافقة المستوى السياسي في "إسرائيل"، الأمر الذي يعني أن قرار تصفية الكيلاني جاء عبر قرار من أعلى المستويات، بعد أن أصبح اسم عرين الأسود مرادفاً للكابوس لدى الصهاينة. صحيح أن الاحتلال خائف من تبني اغتيال الكيلاني حتى الآن، لكن قوة العبوة وطريقة زرعها لا تشبهان العبوات المحلية الصنع التي يعدّها المقاومون في الضفة. ونشرت مجموعة عرين الأسود فيديو يُثبت أن عميلاً زرع العبوة الشديدة الانفجار، والتي يمتزج فيها مكوّنا "السي فور" و"التي أن تي" في دراجة نارية في طريق الكيلاني.

العبوات، بالنسبة إلى الاحتلال، سلاح أقل مخاطرة، ويتسبب بسقوط شهداء أكثر، كما عنونت صحيفة "هآرتس" مرةً، في سياق تناولها هذا السلاح الفتاك. ولجأ العدو إلى هذا السلاح، لأن عملية "كاسر الأمواج"، التي أطلقها في شهر آذار/مارس الماضي، فشلت، في كل المعايير، على رغم اعتقال نحو 1500 فلسطيني، وفق رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي.

فالاقتحامات الليلية والنهارية لمدن الضفة الغربية وقراها ولمخيمات اللاجئين فيها، والتي بلغت 130 اقتحاماً منذ مطلع شهر آب/أغسطس حتى الآن، لم تعد نزهة بالنسبة إلى جيش الاحتلال، إذ تتحول الاقتحامات إلى فرص في تصدي الشبّان الفلسطينيين لجنود الاحتلال، كما حدث في 70 حالة اقتحام حتى الآن.

وكل اقتحام لنابلس المحاصَرة، منذ نحو أسبوعين، يُسفر عن شهيد على الأقل في المدينة، التي انضمت، إلى جنين في شمالي الضفة الغربية، في إثارة رعب الاحتلال من مقاوميها. وشهيد يعني جنازة، أي مناسبة لتجمع الفلسطينيين وإطلاق الشعارات المنددة بالاحتلال والمطالبة بالاقتصاص منه بسبب جرائمه.

وعلى رغم إدخال الاحتلال أكثر من 14 ألف جندي من الجيش والقوات الخاصة ووحدات النخبة، استخدموا نحو 1700 آلية عسكرية من جِيبات مصفَّحة وآليات عسكرية ضخمة وناقلات جند، فإن شيئاً لم يوقف توسع حالة المقاومة المتمثّلة بكتيبة جنين، ووصولها إلى نابلس تحت مسمّى عرين الأسود، وإلى طولكرم بمسمّى وكر الصقور.

الحالة المقاوِمة تتمدّد يومياً، وانضم مزيد من الشبان إلى التشكيلات المقاتلة التي تواجه الاحتلال، إمّا مباشرةً، وإمّا عبر عمليات مقاومة بلغت 53 عملية، تراوحت بين إطلاق نار وعبوات متفجرة، منذ مطلع شهر آب/أغسطس 2022.

الاحتلال، على أبواب انتخابات داخلية تؤكد الشرذمة السياسية العمودية الحادة في مجتمعه، يختار العبوات الناسفة مجدّداً من أجل تصفية من يعدّه هدفاً خطراً، لا مجرد عضو في تنظيم مقاوم، تفادياً لاحتكاك جنوده بالفلسطينيين في الميدان، وعودة بعضهم مصابين أو قتلى، ولاسيما أن عمليات المقاومة في فلسطين سجّلت مقتل 19 جندياً، منذ مطلع عام 2022.

هي حالة جديدة في الضفة الغربية، ولاسيما جنين ونابلس، وفق آفي يسخاروف، المحلل الصهيوني في صحيفة "يديعوت أحرونوت". الرجل يقول إن "تل أبيب أمام حالة جديدة لا تشبه انتفاضة الحجارة عام 1987، ولا انتفاضة الأقصى عام 2000"؛ حالة متمثّلة بجيوب مسلّحة تطلق النار ليلياً على جيش الاحتلال، وتشتبك معه في أكثر من نقطة. 

هي حالة جديدة، لكن الاحتلال يتعامل معها بعقلية قديمة، عبر حصار واقتحامات واعتقالات واغتيالات عن بُعد، مستخدماً سلاحاً جرّبه منذ أكثر من 50 عاماً؛ أي العبوات الناسفة. صحيح أن العبوات تقتل من تستهدفه، لكنها تكرّسه أيضاً رمزاً في وجدان الشعب الفلسطيني. وكما استُشهد غسان كنفاني بعبوة ناسفة، وتحوّل إلى أيقونة لدى شعبه، سيتحول إلى أيقونة أيضاً تامر الكيلاني، ابن نابلس والأسير المحرَّر بعد 8 أعوام، والذي يعرفه مقاومو مدينته ويحبونه واستُشهد بسبب إيمانه بفكرة؛ فكرة فلسطينية خالصة، مفادها أن على المرء ألّا يموت قبل أن يكون ندّاً؛ فكرة دوّنها غسان كنفاني بدمه، وهي لا تزال حية تنبض في ضلوع الفلسطينيين حتى الآن. 

اخترنا لك