الكباش الإيراني الأميركي و"طوفان الأقصى"
المسؤولون الأميركيون يقولون إن إيران متواطئة بسبب الدعم الذي تقدمه لحماس، لكن ليس لديهم أدلة تشير إلى أنها أدت دوراً مباشراً في التخطيط.
-
إيران ترى أن عملية "طوفان الأقصى" هي إحدى أكثر الهزائم الاستثنائية لـ "إٍسرائيل".
ترى إيران أن عملية "طوفان الأقصى" هي إحدى أكثر الهزائم الاستثنائية للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، وأن ما حدث في محيط غزة ووثقته حركة حماس كان بلا شك أكبر عملية إذلال علنية تتعرض لها قوّة عسكرية مسلحة بأقوى أنواع الأسلحة وأدقها، فضلاً عن كونها القوة النووية المسلحة الوحيدة في محيطها، فالنكسة الإسرائيلية لن ينساها العرب قبل الإسرائيليين، وما قامت به حركة حماس يعتبر ضرباً خارج قواعد اللعبة ومساحة الاشتباك الأصلية.
ولأنه كذلك، فإن "إسرائيل" استعدت لخرق قواعد اللعبة والضرب خارج مساحة الاشتباك، ولكن الأمر ليس منوطاً بها فقط، بل بأميركا في الدرجة الأولى وبعض حلفائها الغربيين والعرب، كما أن الاتهامات وصلت إلى إيران باعتبارها تقف خلف الهجوم.
مع بداية القصف الدموي على غزة، وجهت إيران خطابها التحذيري نحو الولايات المتحدة، باعتبارها "شريكة" في القصف الإسرائيلي، واتهم المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي واشنطن "بإدارة جرائم النظام الصهيوني" في خطاب ألقاه في طهران الأسبوع الماضي.
جاء رد الرئيس الأميركي جو بايدن في مؤتمر صحافي بتحذيره الزعيم الإيراني من أن "عليه أن يكون مستعداً" إذا استمرت طهران في التحرك ضد القوات الأميركية، في إشارة إلى حزب الله وحلفائها في العراق وسوريا واليمن.
لا شك في أن عملية "طوفان الأقصى" اعتُبرت مكسباً استراتيجياً على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك على صعيد المقاومة، إلا أن طهران ترى أن دخول الولايات المتحدة الحرب يعني جرّ محور المقاومة نحو هذه الحرب. لذلك، بذلت قصارى جهدها للحفاظ على الوضع الحالي.
يقول المسؤولون الأميركيون إن إيران متواطئة بسبب الدعم الذي تقدمه لحماس، لكن ليس لديهم أدلة تشير إلى أنها أدت دوراً مباشراً في التخطيط، إلا أن وزارة الخزانة الأميركية تؤكد الدور الحاسم الذي تؤديه إيران في تقديم الدعم المالي واللوجستي والعملياتي لحماس.
وفي هذا الإطار، تسعى الولايات المتحدة لمنع نشر إيران الصواريخ والطائرات من دون طيار بعد انتهاء الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على أنشطتها المتعلقة بالصواريخ، فيما يواصل البنتاغون إرسال قواته إلى المنطقة لمنع تحركات المقاومة في الإقليم من أجل مساندة غزة.
لكن المقاومة الإسلامية في العراق أعلنت عن هجمات إضافية بطائرات من دون طيار استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية الأميركية في العراق يوم الأحد، إضافة إلى قاعدة أميركية في المالكية، وقاعدة التنف في سوريا يوم الاثنين. وجاءت هذه الهجمات في أعقاب سلسلة من الهجمات أواخر الأسبوع الماضي.
حاول البنتاغون العمل على عدم ربط الهجمات بما يحصل في غزة، لكنه وجّه المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأميركية إلى منطقة الخليج مع بطاريات الدفاع الصاروخي باتريوت ونظام "ثاد" لحماية القوات الأميركية في القواعد الجوية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وحذر وزير الدفاع الأميركي من أن الجيش سيتخذ الإجراءات المناسبة إذا تعرضت قواته للاعتداء في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن عرض القوة لم يوقف هذه الهجمات من طائرات من دون طيار على القواعد الأميركية في الشدادي والقرية الخضراء، فاعتبرت القوات الأميركية أن هناك حاجة إلى إجراءات حماية إضافية للقوة، لكن المقاومة من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن أصدرت تهديدات علنية ضد القوات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط بعد تعزيز واشنطن دعمها للحرب الإسرائيلية في غزة.
إيران ورسائل الحرب
وجّه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تحذيراً إلى الولايات المتحدة و"إسرائيل" من أن كل شيء يمكن أن يخرج عن السيطرة في أي لحظة إذا لم يوقفوا الجريمة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة. وُجهت رسائل حرب عبر وسطاء إقليميين إلى واشنطن و"تل أبيب" منذ الأسبوع الثاني من الصراع، تفيد بأنّ أي دخول بري سيؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.
من ناحية أخرى، وفي التوقيت نفسه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لقطر، تمّ إرسال رسالة أيضاً من واشنطن إلى طهران عبر الدوحة، مفادها بأنّ دخول أيّ طرف ثالث في صراع غزة سيقابل بردّ فعل أميركي.
وكان كبار الضباط العسكريين الأميركيين قد أكدوا أنهم لا يشاركون في الحرب، بل إنهم يقدمون المشورة للجيش الإسرائيلي. يأتي ذلك في إطار تزايد الشكوك بين كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين حول قدرة الجيش الإسرائيلي على إطلاق ومواصلة غزو بري ناجح لغزة للقضاء على حماس، وهذا مشروع كبير لا قدرة لـ"إسرائيل" على إنجازه. رأت إيران أن الضوء الأخضر الأميركي أعطي من أجل قيادة الغزو البري، لا المساهمة فيه.
ورغم تجاوز عدد الشهداء في غزة أكثر من 9000 شهيد فلسطيني، نصفهم أو أكثر من النساء والأطفال، فضلاً عن الجرحى والمفقودين، فقد شدد البنتاغون على أنه لن تكون هناك شروط على الأسلحة الأميركية المسلّمة لـ"إسرائيل".
العدوان على غزة يفضح التطرف الغربي
فضح القصف الدموي طبيعة المتطرّفين العنصريين الدموية في "إسرائيل" أمام العالم، وهو أكبر إنجاز لحركة "حماس"، الأمر الذي تجلّى بشكل كبير في التجمّعات والمسيرات الشعبية في العديد من البلدان بعد 7 تشرين الأوّل/أكتوبر والقصف العشوائي الذي طال المدنيين.
تخوض الولايات المتحدة حرب "إسرائيل" كأنها حربها، فالمشاريع التي كانت ستحصل من خلال التطبيع مع الدول الخليجية وعمليات استخراج الغاز وإنشاء القنوات البحرية لتصدير النفط وإنشاء قواعد بحرية ورسم خريطة للتحالفات والشراكات واستبعاد الغاز الروسي ووضع اليد على غاز غزة وتهميش قناة السويس، جميعها تضع مصالح الغرب في كفة، والحرب في غزة في كفة أخرى، وهم حاضرون لتحميل حماس المسؤولية واتهامها بأنها "تستخدم المدنيين دروعاً بشرية".
اطمأنت "إسرائيل" إلى الدعم غير المسبوق لها، وعملت على ذبح الشعب الفلسطيني وتحميل مصر مسؤولية عدم فتح معبر رفح لكي يلجأوا إلى سيناء.
يصرح المسؤولون الغربيون بضرورة القضاء على حماس ويشبّهونها بـ"داعش". لم يستطع النفاق الغربي الاختفاء خلف جرائم الحرب هذه. معظم الدول الغربية تشجع على التطهير العرقي، بل الإبادة الفلسطينية، للوصول إلى مآربها ومصالحها السياسية والاقتصادية.
وجد المتطرّفون الإسرائيليون أنّ الوضع مناسب لتدمير فكرة حلّ الدولتين، فيما ترغب الإدارة الأميركية في استئناف التطبيع وبناء الأمن الإقليمي الذي يربط بين إسرائيل والسعوديين، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك بشكل سريع في ظل الحرب الإسرائيلية وعدم قدرتها على إبادة حركة حماس، أي فكرة تحرير فلسطين التي أعادتها عملية "طوفان الأقصى" إلى أجندة الساحة الدولية؟
خلق تدخّل أنصار الله من اليمن مفاجآت عطّلت التصورات الاستراتيجية للطرف الآخر، إذ استخدمت الحركة صواريخ يصل مداها إلى 2000 كلم، برأس حربي يزن طنّاً، وطائرات مسيّرة تحمل قنابل وزنها 40 كلغ، في استهداف جنوب "إسرائيل". هذه الهجمات أوصلت الرسالة اللازمة بأنَّ أنصار الله جاهزة للمشاركة في العمليّات، وذلك رغم أن الجيش الأميركي اعترضها.
إيران تستدعي الدول العربية والإسلامية للضغط على الأميركي
بذلت إيران جهوداً كبيرة في دعم حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الفصائل الفلسطينية، وهي تعتبره واجبها تجاه فلسطين، بحسب الرئيس إبراهيم رئيسي.
وكانت طهران مصمّمة على مدى عقود على إخراج القوات الأميركية من الشرق الأوسط، فيما كانت واشنطن حتى قبل حرب غزة الجارية تسعى للبقاء في المنطقة تحت مسميات مختلفة. كانت الولايات المتحدة وإيران منخرطتين في "حرب منخفضة الحدة".
عبر الحشد الشعبي وحزب الله العراق كان الهدف هو دفع ثمن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة من دون التصعيد إلى حرب واسعة النطاق، وهو توازن دقيق للغاية. لذلك، تتخذ واشنطن ردوداً محدودة. الولايات المتحدة وإيران لا تريدان التصعيد والحرب الشاملة. لذلك، لا يوجد إجماع تحليلي ولا أدلة عامة ثابتة تؤكد الادعاءات الإسرائيلية بأن إيران خططت لعملية "طوفان الأقصى" بالنسبة إلى الأميركي.
تشترك إيران مع حركة حماس في العداء لـ"إسرائيل"، وتكرر واشنطن أنها لا تسعى إلى الدخول في صراع مع إيران، وليس لديها نية أو رغبة في الانخراط في مزيد من الأعمال العدائية، إلا أنها تتهم إيران بتسهيل شؤون المقاومة التي تستهدف قواتها في المنطقة. وقد أعلنت يوم الجمعة عن جولة جديدة من العقوبات تستهدف شبكات تمويل حماس ومصادر دعمها في إيران.
وفي ظل التصعيد العسكري، دعا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الدول الإسلامية أمس الأربعاء إلى وقف التجارة مع "إسرائيل"، بما في ذلك صادرات النفط، رداً على قصفها غزة، وانتقد الحكومات الغربية التي "وقفت ضد فلسطين"، وذكر بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وأن "على العالم الإسلامي ألا ينسى من يمارس الضغوط على سكان غزة. الأمر لا يتعلق فقط بالنظام الصهيوني".
وفيما تهدد الحرب في غزة بإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، تعطي إيران الأولوية للقاءات مع دول المنطقة للتحدث إلى بعضها بعضاً، فهي تدير التصعيد بعناية. لقد كانت لدى إيران وتركيا محادثات وعلاقات وثيقة بشكل مستمر، إذ دعا وزير الخارجية التركي جميع الأطراف الفاعلة داخل المنطقة وخارجها إلى تعزيز السلام الدائم والعادل، كما انتقد العواصم الغربية لفشلها في إصدار دعوة واضحة لوقف إطلاق النار وسط تزايد الخسائر الإنسانية في غزة، قائلاً: "في هذه المرحلة، فقد الغرب تفوقه الأخلاقي تماماً".
وكان أمير عبد اللهيان قد التقى الثلاثاء في الدوحة نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وقد أدت قطر دوراً مركزياً في المفاوضات بين "إسرائيل" وحماس بشأن إطلاق سراح الرهائن.
يؤدي القادة الإيرانيون دوراً دبلوماسياً جديداً إلى جانب دورهم العسكري التقليدي، وينظرون إلى تركيا وقطر "كشركاء محتملين"، ما يمثّل تحولاً نوعياً في نهج إيران تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.