بايدن ونتنياهو... من سيغادر قبل الآخر؟
من سيغادر منصبه أولاً، نتنياهو المهزوم والمتخبط، أم بايدن الصهيوني الحاقد الذي بات دعمه المطلق لـ"إسرائيل" يهدد المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأميركية؟
توتر جديد تشهده العلاقات الأميركية -الإسرائيلية تجسد في الدعوات العلنية من جانب الرئيس بايدن إلى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى وقف الحرب في غزة وتشكيل حكومة صهيونية "أكثر اعتدالاً" وتقبلاً لمبدأ "حل الدولتين"، الذي بات من الواضح أنه الخيار الوحيد القادر ربما على وضع نهاية لهذا الصراع التاريخي، وفقاً لوجهة النظر الأميركية.
الدعوة الأميركية جاءت من منطلق الحرص على مصلحة "إسرائيل"، خاصة وأن الرئيس بايدن كان أول رئيس أميركي يزور "إسرائيل" وهي تخوض حرباً ضد الفلسطينيين.
وعلى الرغم من الدعم الأميركي المطلق لحكومة نتنياهو منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، فإن ذلك لم يشفع لبايدن، الذي تعرض لانتقاد كبير من جانب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو الذي ذكّره بما ارتكبته الولايات المتحدة من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان في كل من ألمانيا واليابان وغيرهما من الدول.
المهم في الأمر أن الخلافات الأميركية - الإسرائيلية باتت في العلن، رغم إدراك الكثير منا أنها كانت حاضرة وموجودة طوال فترة ولاية بايدن، الذي كانت علاقته بنتنياهو هي الأسوأ، ربما نتيجة سياسات نتنياهو المتطرفة وإصراره على المضي بالإصلاحات القضائية رغم الانتقادات الأميركية لها، باعتبارها تشكل تحدياً لـ "النظام الديمقراطي في إسرائيل".
الدعم الأميركي المطلق لـ"إسرائيل" بعد عملية "طوفان الأقصى" لم يكن مصلحة أميركية بقدر ما كان مصلحة انتخابية شخصية للرئيس بايدن وحزبه، لكن ذلك كان مرتبطاً بعامل الوقت، وضمان عدم توسع الحرب في المنطقة لتشمل دولاً أخرى.
هذا الدعم كان نابعاً بالضرورة من قناعة بايدن بأهمية وجود "إسرائيل" كذراع للولايات المتحدة في المنطقة، تستخدمها لتنفيذ استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط.
تلك الاستراتيجية التي قامت على ثلاثة مقومات، هي: أمن النفط، وأمن الممرات الدولية (طرق التجارة)، وأمن "إسرائيل".
أمن "إسرائيل" بات من الماضي بعد عملية "طوفان الأقصى"، وطرق التجارة باتت مهددة في ظل ما ينفذه أنصار الله في اليمن من عمليات ضد كل ما يتعلق بالكيان الصهيوني وداعميه، وبالتالي فإن أمن النفط أيضاً بات مهدداً في أي لحظة نتيجة احتمالات إغلاق تلك الممرات، وهو ما يعني الفشل الذريع لاستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ترافق ذلك مع الفشل الإسرائيلي الكبير الناتج من رفع سقف المطالب عند بداية الحرب، وهو ما جعل الحديث عن توقع نهاية قريبة للحرب ضرباً من الخيال، نظراً لما يترتب على ذلك من تكريس لهزيمة "إسرائيل"، وما سيترتب على تلك الهزيمة من مساءلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي وبقية أفراد حكومته، وبالتالي اضطراره إلى الاستمرار في تلك الحرب والسعي لمحاولة توسيعها، إذا ما استطاع ذلك.
هل سينجح بايدن في الضغط على نتنياهو
تاريخياً، كان الرؤساء الديمقراطيون هم الأكثر ميلاً إلى فكرة "حل الدولتين"، لكنهم لم يكونوا قادرين على الضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لإقناعها بتلك الرؤية.
وهذا يعود إلى اعتبارات عديدة أهمها حاجة الرؤساء الأميركيين وارتهانهم، وخاصة خلال ولايتهم الأولى، لدعم اللوبي الصهيوني (المنظم والقادر على التأثير في توجهات الناخب الأميركي)، ونظراً إلى سيطرة اليهود على المفاصل الهامة في وسائل الإعلام الأميركية، وتمويلهم للحملات الانتخابية للرؤساء الأميركيين.
صحيح أن الولايات المتحدة كانت الداعم الأكبر لـ"إسرائيل" لكنها، في الوقت نفسه، لم تكن قادرة على الضغط عليها، وهو ما تجسد خلال عدد من الإدارات.
فالرئيس كلينتون حين حاول الضغط على "إسرائيل" للقبول بفكرة "حل الدولتين"، استطاع اللوبي الصهيوني إخراجه من الحياة السياسية بفضيحة "مونيكا" التي باتت تلخص الحياة السياسية لكلينتون.
وعندما حاول أوباما الضغط على "إسرائيل"، قوبل بوقاحة كبيرة من جانب نتنياهو الذي كان حينها رئيساً للحكومة الإسرائيلية، وقام بزيارة الولايات المتحدة تلبية لدعوة من الكونغرس الأميركي حيث ألقى كلمة أمام الكونغرس، من دون أن يقوم بزيارة الرئيس أوباما.
واليوم، وفي ظل وجود حكومة صهيونية متطرفة، ومدعومة بمزاج شعبي عام داخل الكيان الصهيوني، يدعو إلى ضرورة استعادة "هيبة إسرائيل"، وسحق حركة حماس التي بات من المستحيل بالنسبة لهم، تصور إمكانية التعايش معها في المستقبل، يبدو أن قدرات الرئيس بايدن على إجبار نتنياهو على وقف الحرب باتت محدودة.
الضغط الأميركي ناجم عن إدراك خطورة الوضع في المنطقة التي تشهد عملية خلط أوراق لا يمكن توقع نتائجها.
الحديث الأميركي عن عزلة دولية باتت تعاني منها "إسرائيل" نتيجة استمرارها بارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، هو انعكاس لحجم التصويت على القرار الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الذي تقدمت به مئة دولة، والذي يطالب "إسرائيل" بوقف الحرب على غزة.
حيث صوّتت 153 دولة بالموافقة على القرار، في حين عارضته 10 دول فقط، هي: "إسرائيل" والولايات المتحدة والنمسا وتشيكيا وغواتيمالا وليبيريا وميكرونيزيا وناورو وبابوا غينيا الجديدة وباراغواي.
وبالتالي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار بأغلبية 153 عضواً ومعارضة 10 وامتناع 23 عن التصويت.
فيما حظي القرار السابق الذي ناقشته الجمعية العامة في 27 تشرين الأول/أكتوبر، بأغلبية 120 صوتاً، وهو ما يشير إلى حجم التغير في الموقف الدولي من الحرب.
أولوية "إسرائيل" بالنسبة إلى الولايات المتحدة
على الرغم من الدعم الأميركي لكل من أوكرانيا وتايوان، والذي يتوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة التي تهدف إلى احتواء كل من روسيا والصين، فإن أميركا لم ترسل الأساطيل إلى أوكرانيا لردع روسيا، ولا إلى منطقة بحر الصين الجنوبي لردع الصين عن "غزو تايوان".
لكن، عندما بات الأمر يتعلق بـ"إسرائيل"، فقد كان الوجود العسكري الأميركي هو الأكثف تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعكس الأهمية الخاصة لـ"إسرائيل" بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
استمرار الحرب وعدم توقع نهاية قريبة لها، جعل التهديدات تطال ليس الرئيس بايدن وحزبه فقط، بل طالت "السمعة الأميركية" بوصفها دولة باتت تعارض مبادئها التي لطالما شكلت الأساس لقوتها الناعمة التي جعلت من النموذج الأميركي حلماً لعدد كبير من الدول والشعوب، ولعقود عدّة مضت.
لقد بات خيار وقف الحرب هو المدخل الوحيد والحتمي للحفاظ على ما تبقى من الهيبة الأميركية.
وقف الحرب يعني هزيمة "إسرائيل"، والذهاب إلى المفاوضات مع حركة حماس التي أعلنت شروطها الواضحة والمتمثلة بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل إفراجها عن المستوطنين الصهاينة (الكل مقابل الكل).
هزيمة "إسرائيل" تعني محاسبة رئيس الوزراء نتنياهو وأركان حكومته، وهو ما يجعل احتمالية قبول نتنياهو الطلب الأميركي تبدو ضعيفة، وهو ما يعني احتمالية حدوث مواجهة، وإن كانت صامتة بين البلدين.
الحديث الأميركي عن دور نتنياهو في تخريب المجتمع الصهيوني وانقسامه، من خلال الإصلاحات القضائية التي قام بها، وتقريبه لليمين المتطرف في حكومته، وكذلك تخريبه المؤسسة العسكرية الصهيونية، وسوى ذلك من التهم التي تشي بسعي الولايات المتحدة لإطاحته كمخرج لحل المشكلة ووقف الحرب في غزة.
يبدو أن الأمر لم يعد في يد بايدن ولا أركان حكومته، فالحكومة العميقة في الولايات المتحدة لا بد لها أن تجعل المصلحة الأميركية فوق مصلحة بايدن وحزبه، وفوق مصلحة "إسرائيل"، إذا اقتضى الأمر ذلك.
ومصلحة الجميع باتت في التخلص من وجود نتنياهو في السلطة، لكن نتنياهو لن يدخر وسيلة للدفاع عن نفسه بالاعتماد على اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
فهل سينجح ذلك اللوبي في افتعال أزمة لبايدن قد تمنعه من قضاء ما تبقى من ولايته الرئاسية، خاصة وأنه لا يقف على أرضية صلبة، وهناك الكثير من الفضائح والشكوك تدور حوله وحول ابنه هانتر؟
أما التفكير في حصول بايدن على ولاية رئاسية ثانية فيبدو أنه قد بات حلماً بعيد المنال، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تفوق منافسه ترامب عليه في جميع الولايات الانتخابية الرئيسية في الولايات المتحدة.
ويبقى السؤال من سيغادر منصبه أولاً، نتنياهو المهزوم والمتخبط، أم بايدن الصهيوني الحاقد الذي بات دعمه المطلق لـ"إسرائيل" يهدد المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأميركية؟