تدحرجت كرة الإرهاب فدخلت ملعب كازاخستان

بعد انسحاب واشنطن وحليفاتها في حلف الناتو من أفغانستان أصبح تدفق الإرهابيين إلى آسيا الوسطى مسألة وقت.

  • لم يكن أحد يتوقّع أن تأتي الضربة في كازاخستان.
    لم يكن أحد يتوقّع أن تأتي الضربة في كازاخستان.

بعد هزيمةِ "داعش" في العراق وسوريا، تحوَّل فلول الإرهابيين إلى كتلة حرجة، تدحرجت في الإقليم وخارجه، وانتقلت مرةً إلى ليبيا، وأخرى إلى مالي، وهكذا دواليك في منطقة الساحل الصحراوي. وقد لُمحت الكتلة المتنقّلة أيضاً في منطقة ما وراء القوقاز، أثناء الحرب في ناغورنو كاراباخ، كما ادّعت آنذاك السلطات الأرمينية. 

وما إن انسحبت الولايات المتحدة وحليفاتها في حلف شمال الأطلسي من أفغانستان هرباً، حتى أصبح تدفق الإرهابيين إلى آسيا الوسطى مسألة وقت لا أكثر. والسؤالان اللذان كان يطرحهما المسؤولون الأمنيون والمراقبون: متى ستتدحرج الكرة إلى آسيا الوسطى؟ وفي أيّ مكان تحديداً سيضرب الإرهاب؟

الحقُّ يقالُ، لم يكن أحد يتوقّع أن تأتي الضربة في كازاخستان. أولاً، لأنها أكثر دول آسيا الوسطى يسراً واستقراراً. وثانياً، لأنها الأبعد عن أفغانستان جغرافياً. وثالثاً، لأنَّ السّلطات نجحت إلى حدّ ما في احتواء الجماعات التكفيرية التي يمكن أن تشكّل حاضنة لأيّ نشاط راديكالي أو إرهابي.

أيضاً، إنَّ الإجراءات الاحترازية في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تحسباً للاختراقات عبر الحدود مع أفغانستان، اتُخذت بدرجة أساسية في كلٍّ من أوزبكستان وطاجيكستان. 

لكنَّ الاختراق الأمني وقع، ما سيتعيَّن على المختصين الأمنيين في البلدان المعنيّة تحديد أسبابه، وهو أيضاً ما يفسر سبب الموافقة الفورية على إرسال قوات حفظ السلام إلى كازاخستان. المسؤولية عن الاختراق جماعية، وتحمل المسؤولية عن الإخفاق فعل جماعي أيضاً.

لماذا كازاخستان؟

ساعدت جملة من العوامل على أن يستهدف الإرهاب هذا البلد. أولاً، تبلّد اليقظة وضعف عمل شبكة الوكلاء لدى الأجهزة الخاصة في كازاخستان. وما حملة التطهير التي تشهدها هذه الأجهزة على خلفيات الأحداث الأخيرة سوى شاهد على ذلك. ثانياً، تفاقم التنافس العشائري (الأسري) على المناصب والمقدّرات الاقتصادية الوطنية بين النخب السياسية. ثالثاً، تراجع الاقتصاد وتردّي الأوضاع المعيشية لدى شرائح واسعة من السكّان على خلفية تفشي جائحة كورونا.

الشرارة التي أشعلت الفتيل

في اليوم الثاني من العام الجديد، خرج المئات من سكّان مدينتي جناوزين واكتاو غربي البلاد في تظاهرات احتجاجية مطلبية تدعو إلى إرجاع أسعار الغاز المسال إلى ما كانت عليه نهاية العام الماضي.

كان مشهداً مألوفاً من قبل، حتى في كازاخستان، لكن الاحتجاجات هذه المرة انتشرت "مثل الفطر بعد المطر"، وانتقلت من منطقة إلى أخرى، لتصل إلى عاصمة كازاخستان الاقتصادية وأكبر مدنها ألما - أتا (ألماتي).

وسرعان ما تحوّلت الاحتجاجات المطلبية المحدودة إلى أعمال شغب وفوضى عارمة، من دون أن يرى أحد وجوهاً لقادة الاحتجاج أو رموزه، في حين كان التخريب يجري بشكل منظّم ومنسق، كذلك الاعتداء على المنتسبين إلى قوات النظام العام، وسرقة السلاح وحيازته، لكن محاولات محدودة ظهرت خارج حدود كازاخستان لامتطاء صهوة الاحتجاجات وإضفاء صبغة سياسية عليها. 

ولعلَّ أبرز هذه المحاولات تلك التي بذلها وزير الطاقة السابق مختار أبيازوف، الذي انتقل إلى صفوف معارضة حكومة بلاده، وغادر إلى أوكرانيا، ليدلي من كييف بين الحين والآخر بتصريحات ينتقد فيها النظام السياسي في كازاخستان.

إنَّ اختيار العاصمة الأوكرانية التي تحوّلت إلى مقر رئيسي لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إي" في الفضاء السوفياتي السابق، لتكون منبراً للمعارضة الكازاخستانية، يثير بحد ذاته تساؤلات عن دور واشنطن في ما يجري في أكبر جمهوريات آسيا الوسطى وأقرب حلفاء روسيا في المنطقة.