تصعيدٌ في الضفة بعد جولة قتالٍ في غزة.. فما المطلوب؟

تدرك فصائل المقاومة في غزة بأن الدخول في حربٍ مستمرةٍ ليس من الحكمة بمكان، وذلك نظراً إلى طبيعة الميدان وظروفه، وهذا ما يعرفه العدو الصهيوني أيضاً.

  • تصعيدٌ في الضفة بعد جولة قتالٍ في غزة.. فما المطلوب؟
    تصعيدٌ في الضفة بعد جولة قتالٍ في غزة.. فما المطلوب؟

عقب ساعاتٍ قليلةٍ فقط من دخول وقف إطلاق النار مع غزة حيز التنفيذ، باشر العدو الصهيوني هدم منازل مواطنين في الضفة الغربية، ليقوم بعدها باقتراف جريمة اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي واثنين من رفاقه في مدينة نابلس، وكان العدوان الأخير على غزة قد جاء مباشرةً عقب قيام العدو الصهيوني بأكثر من عمليةٍ محدودةٍ نسبياً في الضفة الغربية، كان آخرها اعتقال الشيخ السعدي، القيادي البارز في حركة "الجهاد الإسلامي".

وتعد هذه الأحداث شواهد على وجهة النظر القائلة بكون العدوان الأخير على غزة يستهدف الضفة الغربية في المقام الأول، فالظاهر أن هدف العدوان الصهيوني جاء ليزعزع فكرة ترابط ساحات فلسطين المحتلة بعضها ببعض، عبر إدخال غزة في تصعيدٍ عسكريٍ محسوبٍ، يصار بعدها إلى تهدئةٍ مع غزة، ليتفرغ بعد ذلك لحالة المقاومة المتصاعدة تدريجياً في الضفة الغربية، بعد أن يكون قد حيَّد بنسبةٍ مقبولةٍ ساحة غزة عما يجري في الضفة الغربية.

تدرك فصائل المقاومة في غزة بأن الدخول في حربٍ مستمرةٍ ليس من الحكمة بمكان، وذلك نظراً إلى طبيعة الميدان وظروفه، وهذا ما يعرفه العدو الصهيوني أيضاً.

بالإضافة إلى هذا، فإنه من غير المنطقي، ولا حتى من الممكن، أن يترك عبء مقاومة الاحتلال فقط على عاتق قطاع غزة المحاصر، ففصائل المقاومة المسلحة في غزة، يمكنها أن تشكِّل ظهيراً قوياً لأي حراك مقاوم في الضفة الغربية، وباقي مناطق فلسطين المحتلة، لكن لا يمكن الخروج باستراتيجيةٍ منطقيةٍ تقول بإمكانية تحرير الضفة الغربية من قطاع غزة، ولم يُسمع سابقاً عن أي طرحٍ من هذا القبيل.

لذلك، يعيد العدوان الأخير على غزة تسليط الضوء على واقع الضفة الغربية، وعلى ما قدَّمته الفصائل الفلسطينية خلال قرابة العشرين سنة الماضية لتفعيل العمل المقاوم هناك.

لا جدال بأن الضفة الغربية قد شهدت فتوراً واضحاً في العمل المقاوم خلال العقدين الأخيرين تقريباً من عمرها، صحيحٌ أن استلام محمود عباس رئاسة كلٍ من "منظمة التحرير الفلسطينية" والسلطة الفلسطينية في رام الله، وانغماسه الكامل وفريقه في التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال ضد حركات المقاومة الفلسطينية، كان من الأسباب الأساسية التي أثَّرت سلباً في الحالة الثورية للضفة الغربية، إلا أن هذا لا يعفي فصائل المقاومة الفلسطينية من مسؤوليتها عن عدم ابتكار أساليب ناجحة في تخطي عَقَبة سلطة رام الله وتعاونها الأمني مع المحتل.

ويشير تصاعد أعمال المقاومة نسبياً في الضفة الغربية خلال الأعوام القليلة الماضية، إلى تراجع فعالية قبضة سلطة رام الله الأمنية.

لقد جاء العدوان الأخير على غزة ليؤكِّد مدى أهمية الضفة الغربية في أي استراتيجية مستقبلية للمقاومة الفلسطينية، وذلك من أجل تحقيق تقدُّمٍ على طريق التحرير الكامل من النهر إلى البحر، بعد أن كانت المقاومة الفلسطينية قد أجبرت الاحتلال على الانسحاب من غزة في 2005 من دون قيدٍ أو شرطٍ.

وجاء العدوان ليؤكِّد أيضاً أن تفعيل الضفة الغربية بات أمراً حيوياً لفصائل المقاومة في غزة، فلا يجوز أن تبقى غزة وحدها. وتتحمل حركة "حماس" عبء المقاومة، ومسؤولية تطوير العمل المقاوم في الضفة الغربية بالدرجة الأولى، فهي "العمود الفقري" للمقاومة الفلسطينية وحاضنتها، لكن حتى هذه اللحظة، يمكن القول إن أداء حركة "حماس" في الضفة الغربية ما زال قاصراً.

بعد انتهاء جولة القتال الأخيرة في غزة، يرجح أن يباشر العدو الصهيوني التصعيد تدريجياً في الضفة الغربية، وذلك بهدف إنهاء الحالة المسلحة التي بدأت بالظهور هناك، وهذا يضع فصائل المقاومة في غزة، وفي طليعتها حركة "حماس"، في سباقٍ مع الزمن من أجل دعم الحالة المقاوِمة الصاعدة في الضفة الغربية وتعزيزها هناك، ومن دون ذلك يكون العدو الصهيوني قد حقق إنجازاً، يَحرم به فصائل غزة والشعب الفلسطيني عموماً من رافدٍ مهمٍ ضمن مسيرة استعادة الأراضي العربية الفلسطينية المغتصبة.