"داعش إسرائيل".. ووحدة الساحات
ليس هناك قرار دولي من شأنه أن يكف عبث الإسرائيليين مع أهل فلسطين وحيال رمز من رموز المسلمين في العالم، ففيتو الولايات المتحدة الأميركية حاضر.
-
"داعش إسرائيل".. ووحدة الساحات
إسماعيل هنية رئيس جمهورية لبنان. هذا ما خرج به البعض في خلاصة سمجة لتطورات حصلت منذ أيام، وهي تخلو من الواقعية، وتستند إلى قراءة سياسية تحمل الكثير من الخفة، وتقوم على إثارة الرعب والبلبلة ضد المقاومة تحديداً.
بين صلاة التراويح التي دعا إليها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في صيدا وأمّ فيها المصلين، والأحداث الأمنية المتلاحقة التي خرجت من دائرة الحدود اللبنانية، فانطلقت من عمقها نحو الأراضي المحتلة، عاد الهاجس الفلسطيني اليوم ليراود بعض الجهات في لبنان، ولا سيما أنّ هذا الدور كان قد غاب لسنوات طويلة بعدما انقطع بشكل شبه تام مع انخراط حركة حماس في الحرب السورية، ما أدى وقتها إلى قطيعة مع حزب الله؛ الجهة الوحيدة التي تمتلك قرار السلم والحرب مع العدو كمقاومة لبنانية استطاعت أن تنتصر على "إسرائيل" وفرضت قواعد اشتباك معها، وهي الداعمة لحركات المقاومة داخل الأراضي المحتلة في ظل غياب عربي تام.
بعد حرب تموز 2006، بدأت مرحلة مختلفة من الصراع مع "إسرائيل". رُسمت أطر جديدة وقرارات دولية، ولا سيما القرار 1701، ولم تحصل بعدها أي أحداث كفيلة بأن تشعل الحرب مجدداً. وعند كل خرق طارئ، كان حزب الله يفرض قواعد اشتباك تتلاءم مع الواقعة، حتى جاء الترسيم البحري الذي منح المقاومة قبضة تستطيع مدها بشكل مريح وقريب وسريع في حال نشوب أي تطور.
ما جرى منذ أيام لم يكن طبعاً قرار حرب من حزب الله، بل مجرد رسائل جدية بأن "إسرائيل" تتمادى كثيراً في ظل "حكومة داعش" التي ينتفض عليها الداخل "الليبرالي"، لأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يعد بإمكانه إلا الخضوع لتعليمات وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي يصفه زعيم المعارضة يائير لابيد بأنه "مهرج التيك توك الذي سيجر إسرائيل الى حرب داخلية قبل أن تكون مع الفلسطينيين".
خسارة نتنياهو الصراع الداخلي ستزج به في السجن على خلفية ملفات الفساد، والحكومة الحالية جانحة إلى أكثر القرارات تطرفاً، بل تسير بقرارات إقصاء وإلغاء وحرب ضد المسجد الأقصى لأسباب سياسية و"تلمودية".
ليس هناك قرار دولي من شأنه أن يكف عبث الإسرائيليين مع أهل فلسطين وحيال رمز من رموز المسلمين في العالم، ففيتو الولايات المتحدة الأميركية حاضر، لو لأنها غير متوافقة مع نتنياهو "وقلقة على الانقسام الإسرائيلي الداخلي". ووسط ما يجري، اقتضى الدفاع عن الأقصى بأجراس إنذار انطلقت من لبنان وسوريا والداخل الفلسطيني، وكادت تنجح من سيناء، لو لم يعثر الجيش المصري على الصواريخ.
الرسالة من لبنان كانت مغامرة. لا ينفي ذلك أصحاب الشأن، فالضربة كانت كبيرة في عدد الصواريخ، وفي الأهداف، بل موجعة، وربما كانت ستؤدي أيضاً إلى مغامرة إسرائيلية بجولة حرب سريعة لا تُعرف عقباها. لم ترد "إسرائيل" إلا خجلاً من مجتمعها، ولم تتخطَّ رسالة حزب الله حدودها، لكن هل كانت النتيجة مضمونة؟
بالطبع، لا يبدو ذلك، فالسباق مع الرهان على المأزق الإسرائيلي الداخلي فاز بلعبة حظ! هل كان لبنان ليتحمل حرباً في ظل الانهيار الاقتصادي الحاصل والانقسام المعهود حول المقاومة وفراغ المؤسسات؟ لا شك في أن أرضية الكل غير حاضرة بعيداً من الإمكانيات العسكرية الجاهزة.
استبعدت "إسرائيل" الرد الذي يتطلب من حزب الله الرد عليه، وذهبت إلى سوريا، عبر استهداف الجيش السوري، وهي من المرات القليلة التي يحدث فيها ذلك. رسائل الأيام الماضية لم تفتح الحرب بين لبنان و"إسرائيل"، لكنها لن تنتهي عند هذه النقطة.
من الواضح أن غرفة العمليات المشتركة بين الفصائل الفلسطينية، على رأسها حركة حماس وحزب الله، بدأت بمرحلة جديدة من التنسيق والتنظيم، من خلال البيانات التي تتضمن المفردات ذاتها، ومن خلال عدم تبني أي جهة إطلاق الصواريخ والاستعراضات. والأوضح أن العمليات التي تجري داخل فلسطين المحتلة هي عمليات مشتركة لم يقم أي فصيل محدد بتبنّيها، كما جرت العادة.
هي مرحلة جديدة في التكاتف الفلسطيني الفلسطيني ومرحلة جديدة في التنسيق المتكامل مع حزب الله من دون أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، فلا "فتح لاند" عائدة، وهي التي تكاد تكون خارج الصراع مع "إسرائيل"، ولا الكفاح المسلح له مكانه في شوارع لبنان، ما دام حزب الله يدير عقارب تلك الساعة.
أما لبنان، فلم يكن يوماً إلا ساعي بريد، ولم يحصل أي تطور ثقافي وسياسي وبنيوي ليكون في مكان الدولة المتكاملة التي تحميها المؤسسات. الجبهات مع "إسرائيل" مفتوحة، وساعة الصفر ستأتي يوماً، ولبنان هو الجبهة الرئيسية فيها.