مرحلة جديدة من "طوفان الأقصى": تصعيد نوعي على الجبهة السورية
ثمة تقارير عن تلقي دمشق أيضاً وعوداً أميركية وعربية (تَبعاً) برفع الحصار وإعادة العلاقات والإعمار في مقابل موافقتها على "تسوية" تتضمن قطع علاقاتها مع فصائل المقاومة والتوقف عن ممارسة دورها المقاوم.
-
طوفان الأقصى وتصعيد نوعي على الجبهة السورية.
30 صاروخاً دفعةً واحدة كانت كفيلة بتحويل قاعدة الاحتلال الأميركي في "حقل العمر النفطي" في ريف محافظة دير الزور السورية إلى كتلٍ من اللهب المستعر صباح يوم الاثنين الفائت 8 كانون الثاني/يناير.
يبدو الحدث عادياً من حيث المبدأ، فالقاعدة تتعرّض لهجمات المقاومة المكثفة منذ أشهر، وخصوصاً منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" الملحمية في قطاع غزة داخل فلسطين المحتلة، إلا أن الهجوم يحمل دلالاته ورسائله العديدة والجديدة على أكثر من وجهٍ وصعيد.
من حيث الشكل، تشير الكثافة الصاروخية إلى ترسيخ المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا مرحلة جديدة في حربها ضد الاحتلال الأميركي، وهي مرحلة كانت قد بدأت قبل أسبوعين من الآن، إذ شرعت المقاومة بدكّ قواعد الاحتلال بعدد كبير من الصواريخ في كل هجوم، مع تزامن استهداف أكثر من قاعدة واحدة في الوقت نفسه.
وفي العمق، جاء الهجوم بعد وقتٍ قصير جداً من اعتداء بالصواريخ نفذه طيران الاحتلال على شاحنة كانت تعبر الحدود بين العراق وسوريا، وفي هذا رسالة واضحة من المقاومة، مفادها أن أي اعتداءٍ أميركي سيُقابل برد كبير ومؤلم على وجه السرعة.
كانت قوات الاحتلال الأميركي، من جهتها، قد دشنت مرحلة جديدة في المواجهة مع المقاومة في العراق وسوريا، وهي مرحلة مرتبطة تماماً بمعركة "طوفان الأقصى"، وتجري بالتنسيق الكامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وعموم جبهة العدوان في المنطقة، وتأتي بعد فشلٍ تام لقوات الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أي أهداف عسكرية أو استراتيجية مهمة ومؤثرة في وجه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أو أمام التغييرات العظيمة التي أحدثتها وتحدثها عمليات المقاومة الإسلامية (حزب الله) على الجبهة الشمالية مع جنوبي لبنان.
كذلك، تأتي بعد عجز الاحتلال الأميركي عن صد أو ردع أو وقف الهجمات المتصاعدة والمؤلمة التي تقوم بها المقاومة الإسلامية في سوريا والعراق، وهي مرحلة الاغتيالات واستهداف قيادات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا، عن طريق عمليات أمنية يُستخدم فيها الطيران المسير أو الاستهداف الصاروخي المباشر لمنزلٍ أو سيارة أو مركز قيادة، وذلك بالتعاون مع عملاء على الأرض أو بالمراقبة الكثيفة والحثيثة بأحدث الوسائل والتقنيات من الجو بالنسبة إلى قوات الاحتلال الأميركي على وجه الخصوص.
تمكّنت أجهزة استخبارات العدو من تحقيق بعض "النجاحات" على هذا الصعيد في أكثر من بلدٍ من بلدان المقاومة، وكان آخر الشهداء الذين ارتقوا من جراء استهداف أمني مباشر هو الشهيد القيادي القسامي حسن عكاشة، والشهيد القيادي في المقاومة الإسلامية اللبنانية السيد وسام الطويل (السيد جواد)، وقبلهما الشيخ الشهيد صالح العاروري القيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، والقيادي البارز في "حركة النجباء" العراقية مشتاق طالب السعيدي (أبو تقوى).
وبالنظر إلى نوعية الاستهدافات، نجد أن المرحلة الثالثة من معركة "طوفان الأقصى" تجلت وتكرّست في عموم ساحات المواجهة بين قوى محور المقاومة وقوى الاحتلال والعدوان، وأن الشهداء الذين جرى استهدافهم جميعاً تم اختيارهم بعناية فائقة، نظراً إلى دورهم المهم جداً في المعركة الجارية ضد قوى الاحتلال في فلسطين والمنطقة والمفارقة الأخرى، وأن جميع هؤلاء الشهداء القادة ارتبطوا بالجبهة السورية بشكل وثيق على قدر ارتباطهم بمعركة طوفان الأقصى.
الشهيد حسن عكاشة الذي استهدفته طائرة مسيرة تابعة لـ"جيش" كيان الاحتلال الإسرائيلي في منطقة "بيت جن" في ريف محافظة القنيطرة السورية يوم الاثنين الفائت كان أحد القياديين العاملين في غرفة المقاومة السورية المسؤولة عن تفعيل جبهة الجولان المحتل، ووصفه إعلام العدو بأنه واحد من أهم المسؤولين عن إطلاق الصواريخ من الداخل السوري على مواقع العدو ومستوطناته في الجولان السوري المحتل.
أما القائد الشهيد وسام الطويل، فقد عرفه رفاقه في الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة العاملة على الأرض السورية طوال السنوات السابقة، وتحديداً منذ معركة حلب عام 2015، وكان له ولمجموعته التي يقودها دور بارز في تحرير حلب ذاتها، كما في نشاط المقاومة الميداني امتداداً إلى ريف دير الزور والبادية السورية.
وغني عن القول إن دور الشهيد الشيخ صالح العاروري في إعادة تمتين العلاقات بين دمشق وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والتنسيق السياسي والعسكري في المعركة الحالية كان كبيراً وعظيماً ومؤثراً.
أما الشهيد مشتاق السعيدي (أبو تقوى)، فهو أحد أهم القياديين العسكريين في حركة "النجباء" الإسلامية المقاومة التي تضطلع إلى جانب أخواتها من فصائل المقاومة الإسلامية في العراق بدورٍ أساسي في دك معاقل الاحتلال الأميركي وقواعده في سوريا والعراق منذ بدء معركة طوفان الأقصى.
وإذا كانت قوى جبهة العدوان في فلسطين المحتلة والمنطقة قد انتقلت إلى هذه المرحلة الجديدة التي يُراد فيها ضرب العقول المدبرة والمخططة في غرف عمليات محور المقاومة، بهدف إضعاف قدرات المقاومة على المبادرة والعمل، وبالتالي هزيمتها في الميدان، فإن فصائل المقاومة في سوريا والعراق ولبنان، كما في فلسطين بالطبع، أثبتت من خلال ردودها الفورية والنوعية على جميع الجبهات وخطوط القتال قدرات هائلة في إيلام العدو، كما في تطوير المعركة والانتقال إلى مستويات جديدة من العمل والقتال.
في الجنوب اللبناني، استطاعت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) أنْ تحول مستوطنات الاحتلال في الشمال الفلسطيني إلى أرض خالية لا يجرؤ أي مستوطن على أن يعود إليها، وحولت مقار جيش الاحتلال ونقاطه ومركباته وآلياته إلى مقابر حقيقية لجنوده وضباطه.
ولعل في الهجوم النوعي والمذهل على قاعدة "ميرون" الاستراتيجية والهامة جداً بالنسبة إلى "جيش" العدو، الواقعة على قمة جبل الجرمق شمالي فلسطين المحتلة، والتي استخدمت فيه المقاومة الإسلامية في لبنان 62 صاروخاً من أنواع متعددة، وجاءت رداً على اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أثبت للعدو أن هذه المقاومة أقوى بكثير من أنْ يُضعفها أو يحد من قدراتها وعملياتها اغتيال شخصيات قيادية منها، وخصوصاً أن معظم تلك القيادات تقاتل في الميدان، ويدرك هؤلاء جيداً أن الجميع مشاريع شهادة في أي لحظة، والمقاومة مستعدة تماماً لمثل هذه الأحداث.
وقد اعتبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أننا أمام فرصة تاريخية لتحرير كل شبر من الأرض ومنع العدو من استباحة الحدود والأجواء، وفي هذا إشارة واضحة إلى استراتيجية المقاومة وخططها لهذه المرحلة التي لم تعد تتوقف عند الدفاع والردع أبداً.
أما في العراق وسوريا، فقد بادرت فصائل المقاومة الإسلامية إثر اعتداءين أميركيين على مقر لحركة "النجباء"، وعلى شاحنة عسكرية على الحدود السورية، إلى إمطار معظم قواعد الاحتلال في البلدين بكم هائل من الصواريخ والقذائف والهجوم بالطائرات المسيرة.
وخلال أقل من 24 ساعة فقط، شملت هجومات المقاومة قواعد الاحتلال في "عين الأسد"، و"حرير" في إربيل العراقية، وقاعدة "قسرك" في ريف مدينة الحسكة السورية، وقاعدة "الرميلان" في ريف الحسكة أيضاً، وقاعدة "حقل العمر" و"القرية الخضراء" في ريف دير الزور.
وأعلنت فصائل المقاومة الإسلامية استهداف هدف حيوي في مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة. أما مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي وقواعده في الجولان السوري المحتل، فقد تلقّت 3 هجمات بالصواريخ خلال أقل من 24 ساعة بعد اغتيال القيادي القسامي الشهيد حسن عكاشة.
وفي هذه الأثناء، كانت قوات الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة الرديفة في البادية السورية تخوض اشتباكات ضارية مع مجموعات تنظيم "داعش" الإرهابي القادمة من محيط قاعدة الاحتلال الأميركي في "التنف" وتكبدها خسائر فادحة.
وبالتزامن مع هذا التصعيد النوعي على جبهة الأعداء، كما على جبهة المقاومة، تحاول الولايات المتحدة الأميركية وكيان الاحتلال الإسرائيلي لَيّ ذراع دمشق بطرقٍ أخرى أيضاً، لثنيها عن الدور الذي تقوم به كعمقٍ استراتيجي وظهير قادرٍ وميدانٍ مؤثر في هذه الحرب، فقد سربت وكالة "رويتر" تقريراً جرى التأكد منه عن رسالة إسرائيلية وأميركية تم إيصالها إلى دمشق عن طريق مسؤولين إماراتيين، تتضمن تهديداً و"إنذاراً" قوياً من "مغبة دعم حماس" والاستمرار في عمليات المقاومة على جبهة الجولان وفي الشرق السوري، مع تهديد مباشر للقيادة السورية بسبب استمرارها في "السماح بنقل الأسلحة إلى حزب الله" وترسيخ قوة فصائل المقاومة و"النفوذ الإيراني" في البلاد.
بالتوازي، ثمة تقارير عن تلقي دمشق أيضاً وعوداً أميركية وعربية (تَبعاً) برفع الحصار وإعادة العلاقات والإعمار في مقابل موافقتها على "تسوية" تتضمن قطع علاقاتها مع فصائل المقاومة والتوقف عن ممارسة دورها المقاوم.
وبالتأكيد، وكما في رسائل سابقة مماثلة، لم تلقَ مبادرات واشنطن المشبوهة هذه سوى الرفض التام في دمشق. ولعل في حديث الرئيس بشار الأسد قبل أسبوع من الآن، خلال اللقاء مع قيادات وكوادر حزب البعث العربي الاشتراكي، ما يكشف استراتيجية دمشق للمرحلة القادمة بوضوح شديد، فقد أكد الرئيس الأسد مبادئ سوريا ومواقفها في هذه المعركة، كما من قضية فلسطين والقضايا العربية، وقرارها الأكيد والواثق بالمضي قدماً في مشروع المواجهة والمقاومة حتى استعادة كل الحقوق الوطنية في فلسطين وسوريا وعموم المنطقة.