مستقبل الخطة الأوروبية لإنهاء الصراع في السودان

تبدو الخطة الأوروبية، في أحد ملامحها، مجرد محاولة لتسجيل موقف سياسي من أجل الحضور في عمق المشهد السوداني، والانتقال من الإدانة إلى التدخل المباشر.

  • مستقبل الخطة الأوروبية لإنهاء الصراع في السودان
    مستقبل الخطة الأوروبية لإنهاء الصراع في السودان

كشف المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، في 9 آب/أغسطس الجاري، خطة أوروبية تستهدف وقف الحرب في السودان، في خضم تصاعد الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقال بوينو إن "الاتحاد الأوروبي يشعر بالفزع من الوحشية والتجاهل التام، واللذين أظهرتهما الأطراف المتحاربة تجاه المدنيين في الصراع في السودان، وبصورة خاصة الوضع في دارفور".

وحدّد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي تفاصيل الخطة والإجراءات لوقف الحرب وإنهاء تلك الأزمة الإنسانية في عدد من النقاط. أهمها أنه يجب أن يعرف الطرفان أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يحقق فعلاً في الجرائم على أرض الواقع، وسيستمر الاتحاد الأوروبي في دعمه في هذا الملف.

وأشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي إلى أن الاتحاد على استعداد للنظر في استخدام جميع الوسائل المتاحة له، بما في ذلك العقوبات، مضيفاً أن "المناقشات بشأن هذا الموضوع جارية في مجلس الاتحاد الأوروبي".

وقالت مصادر أوروبية إن "وضع النظام يجب أن يكون بمثابة رادع لقادة الحرب في السودان. إنه تحذير أخير". ووفق المصادر، فإن الهدف هو الانتهاء من إطار العمل بحلول أيلول/سبتمبر، ويمكن استخدامه بعد ذلك في إعداد قائمة بالأفراد والشركات المحظورة.

في 26 تموز/يوليو الماضي، كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية أن الاتحاد الأوروبي يضع إطار عمل مخصصاً للعقوبات في السودان، كي يستهدف في النهاية الأطراف الفاعلة والرئيسة في الحرب الدائرة هناك، عبر حظر سفر وتجميد أصول وحسابات مصرفية. ووفق المصادر، فإن الهدف هو الانتهاء من إطار العمل بحلول أيلول/سبتمبر، ويمكن استخدامه بعد ذلك في إعداد قائمة بالأفراد والشركات المحظورة.

تأتي خطة الاتحاد الأوروبي تلك، بعد ما يقرب من 4 أشهر على اندلاع الصراع في السودان، والذي راح ضحيته ما يقرب من 4 آلاف قتيل وأكثر من 6 آلاف مصاب، وما يقرب من 4 ملايين شخص فروا من القتال، بينما يحتاج أكثر من 24 مليون شخص، بينهم 14 مليون طفل، إلى مساعدات غذائية وإنسانية عاجلة. وفشلت حتى اللحظة كلّ المبادرات الإقليمية والدولية في فرض هدنة ووقف القتال الدائر بين طرفي الصراع، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن المستقبل والمصير للخطة الأوروبية المعلنة لوقف الصراع الدائر في السودان.

لم يكن الاتحاد الأوروبي في منأى عن الصراع الدائر في السودان، وكان من أُولى القوى الدولية التي نددت بالصراع. فبعد يوم واحد من اندلاع المواجهات، في 16 نيسان/أبريل الماضي، دعا الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الجيش السوداني و"الدعم السريع" إلى وقف الاقتتال بينهما، وحل الخلافات من خلال الحوار، محذّراً من عواقب أعمال العنف.

لم تتلقّف أطراف الصراع في السودان الدعوة الأوروبية، وجاء الرد عليها قاسياً ومضاداً. ففي 18 نيسان/أبريل، تعرض سفير الاتحاد الأوربي في الخرطوم، إيدان أوهارا، للاعتداء في مقر إقامته. وعلى إثر ذلك أغلق الاتحاد الأوروبي بعثته في الخرطوم، وأغلقت الدول الأوروبية سفاراتها.

لم تتوقف الجهود الأوروبية عقب إغلاق مقر بعثتها في الخرطوم. في 24 نيسان/أبريل، جدد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع في لوكسمبورغ، الدعوات إلى وقف إطلاق النار والتوجه نحو تسوية سياسية دائمة.

الملاحَظ أن الاتحاد الأوروبي اكتفى بإدانة الأعمال العدائية ودعوة أطراف الصراع إلى وقف الاقتتال واللجوء إلى الحوار، من أجل حل الأزمة سياسياً، إذ لم يكن للاتحاد الأوروبي في بدايات الأزمة مبادرة أو خطة خاصة به، واعتمد على التنسيق مع الأطراف الإقليمية المعنية والمؤثرة في المشهد السوداني، وتواصل مع مصر والسعودية والإمارات. وأبقى الباب مفتوحاً مع السودان من خلال المساعدات الإنسانية، وأنشأ في 11 أيار/مايو الماضي، جسراً جوياً لنقل 30 طناً من المواد الحيوية والأساسية لدعم الإغاثة الإنسانية في السودان. 

يبدو أن المتغيرات الأخيرة، التي شهدتها القارة الأفريقية عموماً، والسودان على وجه التحديد، والتي تؤدي تبعاتها إلى تراجع مساحات النفوذ الأوروبي في القارة الأفريقية لمصلحة أطراف دولية أخرى، كروسيا والصين، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى الانتقال من الموقف الحيادي إلى الموقف المباشر للدخول في عمق الأزمة السودانية، وهو يفسر دوافع الخطة الأوروبية المعلن عنها لإنهاء الصراع في السودان.

لا يمكن الجزم بأن البعد الإنساني وتقديم المساعدات الإغاثية هما المحدد الوحيد لتحولات الموقف الأوروبي، كما أن البحث عن موضع قدم او المحافظة على بقايا النفوذ الأوروبي هي المحدد الوحيد للموقف الأوروبي، وأفضت الأزمة السودانية القائمة إلى تشكل متغير مستجد وتحدٍّ قديم بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، هما الهجرة غير الشرعية.

وبالتالي، فإن المحدد الضابط والمفسر للتحرك الأوروبي الأخير ضمن محددات أخرى، بينها ضمان التحول الديمقراطي المدني للسلطة في السودان، وضمان عدم تمدّد الصراع إلى مناطق أخرى جديدة، هو الحرص على إبقاء الهجرة غير الشرعية في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي في أدنى مستوى لها. فبعبع الهجرة هو أحد أهم محددات الموقف الأوروبي، إذ تخشى دول الاتحاد الأوروبي موجات اللاجئين.

أعادت الأزمة السودانية ملف الهجرة غير الشرعية إلى الواجهة مرة أخرى، في ظل نزوح مئات الآلاف من السودانيين إلى دول الجوار، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحركهم نحو الشواطئ الأوروبية. وأعلنت الحكومة الإيطالية، منتصف نيسان/أبريل الماضي، حالة الطوارئ في عموم البلاد مدة 6 أشهر، لمواجهة أزمة الهجرة غير النظامية المتدفقة بازدياد إلى حدودها.

 وبالتالي، فإن استشعار الاتحاد الأوروبي أن غيابه عن الحضور في عمق المشهد السوداني ستكون له تداعيات خطيرة وكبيرة على صعيد الهجرة غير الشرعية واللجوء، دفعه إلى التقدم عملياً صوب السودان، وإعلان خطته بشأن إنهاء الصراع. فما فرص الخطة الأوروبية وحظوظها ومستقبلها؟

تبدو الخطة الأوروبية، في أحد ملامحها، مجرد محاولة لتسجيل موقف سياسي من أجل الحضور في عمق المشهد السوداني، والانتقال من الإدانة إلى التدخل المباشر، للحيلولة دون تمدد تبعات الأزمة السودانية في اتجاه دول الاتحاد. وهي خطة تواجهها جملة من التحديات والمعوّقات، التي يمكن إيجازها في التالي:

- التحرك الأوروبي المباشر تجاه السودان جاء متأخراً جداً، بعد أن مضى على الصراع الدائر ما يقرب من 4 أشهر، قُدمت خلالها مجموعة مبادرات إقليمية ودولية، كلها هدفت إلى وقف الصراع الدائر في السودان، وكلها فشلت حتى اللحظة. وبالتالي، لن يكون حظ الخطة الأوروبي المعلنة أفضل حالاً من المبادرات المقدمة السابقة.

-لا يمتلك الاتحاد الأوروبي أي أدوات ضغط مباشرة على طرفي الصراع في السودان. والتلويح بالعقوبات الاقتصادية ثبت أنه غير مُجْدٍ، وأعلنته وفرضته واشنطن من قبلُ ولم يُفضِ إلى أيّ نتائج على الأرض، إذ استمرت أطراف الصراع في الاقتتال والاشتباك.

-  في مقابل الاستدارة الأوروبية المتأخرة صوب السودان، فإن القوة والحضور لكلّ من واشنطن وموسكو في المشهد السوداني يبدوان أكبر وأكثر حضوراً من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي، فإن أيّ خطة أوروبية ستكون محكومة بمصالح ومحددات هذه القوى، التي تربطها علاقات مباشرة بطرفي الصراع بعكس الاتحاد الأوروبي.

-  يراهن الاتحاد الأوروبي على أن في إمكان المجتمع المدني السوداني أن يتقدم صوب المشهد، ويكون بديلاً للمكون العسكري. واستضاف الاتحاد الأوروبي، نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، في بروكسل، ممثلين عن أحزاب سياسية سودانية ومكونات من المجتمع المدني من أجل مناقشة الأزمة السودانية. والواقع القائم في السودان يفيد بأن الصراع آتٍ على كل المكونات المدنية. وبالتالي، فإن حظوظ المجتمع المدني السوداني على الأقل في المرحلة الحالية تبدو معدومة تماماً.

-   تناقض الموقف الأوروبي بشأن القضايا الأفريقية يقلل الفرص، ويشكك في النيّات والصدقية. ففي حين دعم الاتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا، تنفيذ خطة عملية للتدخل في النيجر من أجل انهاء الانقلاب هناك، اكتفى بالإدانة والدعوة إلى وقف الاقتتال في السودان، لأنه، بخلاف النيجر، لا توجد أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي في السودان.

- لا يمكن للخطة الأوروبية لإنهاء الصراع الدائر في السودان أن تنجح، عبر جهد أوروبي ذاتي مستقل. وبالتالي، فهي في حاجة إلى تنسيق مع مجموعة أطراف وقوى إقليمية ودولية حاضرة ومؤثرة وفعّالة في المشهد السوداني - جزء من استمرار الصراع في السودان خاضع لأجندات تلك القوى -. والملاحظ أنه حتى اللحظة لم تتوافق هذه القوى والأطراف فيما بينها على خطة معينة وواضحة لوقف الصراع في السودان، كي تقبل خطة الاتحاد الأوروبي وتدعمها، مضافاً إلى ذلك رفض أطراف الصراع في السودان أي مبادرة أو خطة خارجية أو داخلية، بما في ذلك الخطة التي قدمها مجلس السيادة السوداني في 8 آب/أغسطس الجاري، لإنهاء الحرب الدائرة في السودان.