ممرّ الهند-الشرق الأوسط-أوروبا يستثني تركيا ويضرّ بمصر
تسعى تركيا إلى التواصل بآسيا الوسطى عبر ممر زنغزور في القوقاز الجنوبي، وبالخليج عبر العراق، وتدعم تفعيل مشروع "قناة التنمية" الذي يخطّط العراق لإنجازه بالتعاون معها.
-
الممر الهندي.
أبدت تركيا انزعاجها من مرور المشروع الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا واستبعادها منه، وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد طرح مشروع "قرن تركيا"، آملاً في أن تصبح بلاده مركزاً تجارياً عالمياً، إلا أنها لن تستفيد من المشروع الذي سيغيّر جيو اقتصادية المنطقة.
الإعلان عن المشروع في قمة العشرين يهدف كما أشيع، إلى تحفيز التنمية الاقتصادية وتعزيز التجارة، وهو يتكوّن من ممرين منفصلين، الممر الشرقي يربط الهند بالإمارات وهو ممر بحري، والممر الشمالي وهو ممر بري، يبدأ من الإمارات مروراً بالسعودية والأردن وحتى ميناء حيفا الإسرائيلي، وبعدها يتجه إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. ويتكوّن الممر من خط ملاحي وخطوط السكك الحديدية، وإلى جوارها الأسلاك الكهربائية وكابلات الاتصالات والإنترنت، وأنابيب نقل الطاقة.
يشهد القرن الحالي تجدّد الحروب التجارية وحروب الممرات التجارية، وتتركّز المنافسة العالمية على مشروع الصين العالمي، مبادرة الحزام والطريق، في الوقت الذي أظهرت فيه جائحة كورونا أهمية سلاسل التوريد، كذلك إن حرب أوكرانيا أضاءت على أهمية طرق المواصلات البحرية.
تساءل الرئيس التركي أثناء عودته من قمة العشرين عن أسباب استثناء تركيا، وهو يرى أنها الخط الأكثر ملائمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب، وأن لدى تركيا بنية تحتية جاهزة يمكن الاستفادة منها، في حين يمكن أن تستكمل النواقص. وهناك ربط سككي موجود تنقصه عدة كيلومترات يمكن تنفيذها في أشهر. ويشير إلى أنّ البديل التركي هو الطريق الأقصر والآمن، كما أنه جسر للسلام وإزالة الاحتقان مع اليونان، حيث ستكون محطة الممر التالية بعد تركيا.
تسعى تركيا إلى التواصل بآسيا الوسطى عبر ممر زنغزور في القوقاز الجنوبي، وبالخليج عبر العراق، وتدعم تفعيل مشروع "قناة التنمية" الذي يخطّط العراق لإنجازه بالتعاون معها، ومع دول المنطقة.
مصر الخاسر الأكبر و"إسرائيل" المستفيد الأول
يفرض الممر الاقتصادي، الذي يربط الهند بأوروبا عبر 3 دول عربية، التطبيع مع "إسرائيل" بقوة المصالح الاقتصادية. الممر الهندي في الجزء الرابط بين آخر نقطة في آسيا وصولاً لأوروبا، الأردن-حيفا وصولاً إلى اليونان، هو نفسه مشروع "تل أبيب" الرابط بين الإمارات وأوروبا عبر الأردن بما سمّي قناة بن غوريون. وتُعَد مصر أكبر الخاسرين من الممر الاقتصادي الجديد، فحركة النقل في قناة السويس ستتأثر سلباً، وإلى جانب حركة البضائع التي ستغيّر اتجاهها، فهناك تغيير في خط سير كابلات الإنترنت التي تعبر من القناة وتستفيد مصر من مرورها، ومن خطوط الكهرباء وأنابيب الطاقة.
فكرة المشروع صدرت في تموز/يوليو 2022 في مقابل مشروع الحزام والطريق الصيني، وبعد توقيع اتفاقية إبراهام عام 2020 في واشنطن بين "إسرائيل" والإمارات والبحرين برعاية الرئيس الأميركي السابق ترامب.
تهدف الولايات المتحدة من خلال المشروع إلى جعل "إسرائيل" قائدة في المنطقة العربية، لكونها المحور الاقتصادي، فيما أكد نتنياهو أهمية الممر الاقتصادي بالقول: إنه "مشروع التعاون الأكبر في تاريخنا"، وأشار إلى أن "إسرائيل ستؤدي دوراً محوريّاً في مشروع دولي غير مسبوق، سيغيّر وجه الشرق الأوسط ووجه إسرائيل، وسيؤثّر في العالم بأسره".
ازدياد حركة النقل في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، سيؤدي إلى تكثيف الوجود العسكري الإسرائيلي والغربي، مما ستترتّب عليه توازنات جديدة لن تكون مريحة لمصر وتركيا، وللدول العربية في الشمال الأفريقي.
هل سيتفوّق ممر الهند-الشرق الأوسط على "الحزام والطريق"؟
لم تستبعد الصين في مشروعها "الحزام والطريق" أي دولة تقع على طريقها، أو أي مشروع إقليمي، أو أياً من مشاريع النقل الإقليمية في القارات كافة في الشمال والجنوب. بل حرّكت مشروعها كونها مركز التصنيع في العالم، ومحور حركة التجارة الدولية. ويتلاقى مشروعها مع كل مشاريع الدول التي يمر بها، كالمشروع الروسي الإيراني "شمال-جنوب"، و"الممر الأوسط" الذي يربط تركيا والدول الأعضاء في منظمة الشعوب التركية، ومشروع "طريق التنمية" التركي-العراقي الذي يبدأ من ميناء الفاو على الخليج.
كما أن الصين ضمّت طريق قناة السويس ولم تستبعدها، ومدّت الحزام إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية، وعقدت اتفاقيات تعاون مع أكثر من 150 دولة، وأكثر من 30 منظمة دولية، ورصدت ما يقرب من تريليون دولار لمساعدة الدول المشاركة في الانتهاء من البنية الأساسية، مع العلم أنها تمهّلت بسبب أزمة كورونا وما نتج عنها من تراجع في الإنتاج.
ارتفع النمو في الهند في السنوات الأخيرة، لكن لا يمكنها اللحاق بالصين، وهي بحاجة إلى وقت طويل، وهي لن تموّل المشروع بمفردها، بل ستتشارك مع الدول المستفيدة، وربما سيقع التمويل على السعودية والإمارات، كون الولايات المتحدة غير مستعدة للمشاركة المالية في زمن الأزمات والتضخّم.
تؤدي طرق التجارة دوراً حيويّاً في تغيير السياسات والتأثير في الهوية والثقافات، تبدو الدول العربية بعد "الربيع العربي" مشرذمة، تتسابق على الاستفادة الشخصية تجارياً وسياسياً واقتصادياً، وتتنافر وتتنافس من أجل الكسب المادي، والتربّع على العرش الاقتصادي من دون النظر إلى الضرر الذي تسبّبه لجيرانها من الدول "الشقيقة"، يسري الموضوع على دول المنطقة حيث يتم بناء تحالفات براغماتية ونفعية بعيداً عن القيم والمبادئ التي كانت مصدر الوحدة والقوة.
بينما تعمل "إسرائيل" والولايات المتحدة على المبادئ الأساسية التي انطلقتا منها، رغم الخلافات في شكل تسيير العلاقات المشتركة، يبقى أن الجوهر الأساسي هو المصلحة التي تجمع الطرفين، واستنفار الولايات المتحدة أدواتها لمنع الصين من إكمال مشروعها بعد انفتاح دول الخليج على بكين، والتعامل الاقتصادي والنفطي بين الطرفين، الذي أدى إلى نجاح الوساطة بين إيران والسعودية التي قادت بايدن إلى مسايرة السعودية، وإعادة ترميم العلاقة معها، واقتراح مشروع الممر بعد العمل على التناقضات الهندية الصينية لإلهاء الطرفين اللذين يعتبران من أهم أطراف البريكس بصراعات تستفيد وحدها منها.