نحن أهل البلاد ولسنا سكاناً
لم يؤد انسحاب الأتراك من فلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى إلى استقلال فلسطين، كما حال الشعوب الأخرى التي تحررت من السيطرة التركية، على أساس المواثيق التي ربطت العرب مع بريطانيا وحلفائها.
-
فلسطين هي صلة الوصل بين مشرق الوطن العربي الكبير ومغربه.
منذ أعلنت الحركة الصهيونية عن أهدافها في فلسطين، وهي تنكر حق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه، وتؤكد أن اليهود سيعودون إلى فلسطين بعد (غياب) 2000عام بالتمام والكمال عن أرض أسلافهم، ليستأنفوا حضورهم، وكأن شيئاً لم يحدث، وهم ينطلقون مما يرونه حقهم في (العودة) إلى فلسطين، وكأن أمر عودتهم يرتبط بفلسطين وحدها معزولة عن وطنها العربي الكبير، وهي قلب الوطن العربي الكبير في بلاد الشام، أي في قلب سوريا الكبرى.
وفلسطين هي صلة الوصل بين مشرق الوطن العربي الكبير ومغربه، والحركة الصهيونية لا ترى أن الأمة العربية بجغرافيتها وتاريخها لها كل هذا الامتداد الجغرافي الواقعي والحضور التاريخي الراسخ، الذي لم تمحه الحروب الصليبية والمغولية التي لحقت بها هزائم حاسمة بعد قرابة 200عام، فرحل من رحل من الصليبيين عائدين إلى بلدانهم الأوروبيّة التي وفدوا منها، وبقي وذاب من طاب له العيش فيها فاندمج واعتنق الإسلام، وبعض أسماء العوائل يدلل على أصولهم البعيدة (الإفرنجية).
تؤمن الصهيونية بأن فلسطين لها من زمن بعيد، وأن العرب يجب أن يغادروها ويذوبوا مع غيرهم من العرب، ويا دار ما دخلك شّر!
ولكن الشر كان قد دخل مع الاحتلال البريطاني الذي ورث الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها ومعه فرنسا، وبدأت الخطة البريطانية بتسريب اليهود إلى فلسطين، وهنا لا بُدّ من أن نستذكر ذلك الوعد الذي بدأ بشطب عرب فلسطين، وكأنهم غير موجودين في وطنهم، وبتثبيت حق اليهود في فلسطين، وهو ما كشف عنه خبث النيات البريطانية.
لم يؤد انسحاب الأتراك من فلسطين أثناء الحرب العالمية الأولى إلى استقلال فلسطين، كما حال الشعوب الأخرى التي تحررت من السيطرة التركية، على أساس المواثيق التي ربطت العرب مع بريطانيا وحلفائها.
والسبب تعهد مناقض قدمته بريطانيا العظمى لليهود الصهيونيين بتاريخ 2/11/1917 في خطاب وجّهه آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا إلى لورد روتشلد الثري اليهودي، وهو22 الخطاب الذي أصبح معروفاً بـ"وعد بلفور"، مغيّراً وجه التاريخ في فلسطين وبقية الشرق الأوسط، ونصّه كالآتي: يسعدني جداً أن أُنقل إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي، تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدّموها ووافق عليها مجلس الوزراء البريطاني: إن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين. (ص23 من كتاب البروفسور الفلسطيني هنري كتن، قضية فلسطين، ترجمة الدكتور رشدي الأشهب.
بعد 2000عام، حضرت الحركة الصهيونية في زمن الاستعمار، واحتضنتها الإمبراطورية البريطانية، ووظفتها لخدمة مصالحها بعد أن أزاحت فرنسا من طريقها، وإن كان مخطط بريطانيا لم يستقر طويلاً في فلسطين، فقد خرّب بما يكفي لتمكين المشروع الصهيوني الذي اشتبك معه في نهاية الأمر، فالصهيونية تهمها أهدافها ولا صداقات دائمة مع أي طرف إلاّ إذا كان يخدم مصلحتها ومشروعها.
ومع ذلك، فإن بريطانيا ما زالت تقاتل مع المشروع الصهيوني ومع أميركا عسكرياً كما هو مفضوح في الحرب على فلسطين ممثلة بقطاع غزة، وعلى اليمن الذي انحاز في البحر الأحمر ضد السفن التي تتجه إلى الموانئ في فلسطين المحتلة، وأكّد أنه لا يتعرض للسفن المتجهة بعيداً من تلك الموانئ، وحافظت على سلامة السفن، وعدم تهديدها ما دامت تتجه بعيداً من موانئ الكيان الصهيوني الذي يحاصر قطاع غزّة ويحرمه الدواء والغذاء والوقود ويواصل قتل مواطنيه يومياً.
في نص "وعد بلفور"، ولنقرأه كلمة كلمة، حذف للشعب العربي الفلسطيني المنتمي تاريخياً وجغرافياً إلى فلسطين، وبحسب النّص، ومن بعد عمل الانتداب البريطاني على ما أسسه الكيان الصهيوني، وترسيخه لكل ما يضمن نشوء "دولة" للصهاينة، وهو ما تحقق عندما رحل الانتداب البريطاني في أيّار/مايو 1948، أمّا خبث النص ومراوغته فلم يغيّرا في جوهر "وعد بلفور" وهدفه، وهو ما يبرر ظهور الحركة الصهيونية ونجاحها في تحوّل مشروعها إلى كيان و"دولة" تمكنت من اغتصاب أرض فلسطينية، واقتلاع مئات ألوف الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، والاستحواذ عليها بكل ما فيها من ثروات.
ما زالت بريطانيا حتى يومنا تناصر الاحتلال الصهيوني لفلسطين، ولا تعترف بدولة للفلسطينيين، رغم تواضع ما طالبت به القيادات الفلسطينية، دولة تقع في حدود الرابع من حزيران/يونيو ولا تزيد على 22% من مساحة فلسطين التاريخية. ورغم كل ما فعله الاحتلال من تمدد على تلك المساحة من (أرض) الدولة المرتجاة، والتي تحوّلت إلى أشلاء محاصرة مختنقة بالمستعمرات والطرق الالتفافية التي لا يكتفي المستوطنون بها، وتواصل السلطة الشكوى. وماذا تملك غير الشكوى، والشكوى لغير الله مذلّة!.
هذه الإبادة التي يقترفها "جيش" الاحتلال، بما يتوفر له من طائرات أميركية هي الأكثر تطوراً وقدرةً على القصف التدميري، والقذائف التي تزن واحدتها طناً تسقط على الأبنية في قطاع غزة لتدميرها على رؤوس من فيها فتهرسهم مع الباطون والكتل الإسمنتية من دون اهتمام أو قلق من ردود فعل شعوب العالم التي تواصل الخروج في الشوارع غاضبةً، فأميركا ورئيسها بايدن لا يأبهان، وتنحاز إليها بريطانيا التي عدّت الفلسطينيين أصحاب البلاد (سكاناً) كما جاء وصفهم في نص "وعد بلفور" الذي صدر عام 1917 والذي وعد الصهاينة وقادتهم بوطن قومي لهم في فلسطين!.
المؤلم حقاً، والذي يصيب أي فلسطيني، وعربي حر واع بالقهر، أن يدرك حقيقة جريمة بريطانيا في فلسطين، ويعرف أيضاً أن المشروع الصهيوني الاحتلالي في فلسطين قد انتقل إلى أحضان الإمبراطورية الأميركيّة وبات شريكاً لها في حروبها على المنطقة العربية، منذ تكرسّت الإمبراطورية سيدة للغرب ووريثة لكامل حضوره.
نجحت خطة بريطانيا، بوعد بلفور، وبانحيازها إلى المشروع الصهيوني وتهيئة الأرض المناسبة لزرع "دولتهم"، ورغم استبعاد نفوذها من فلسطين، بقيت منحازة إلى "الدولة" التي أنشأتها، وورثت أميركا "الدولة" فرعتها رعاية تامة، وقدمت لها المال والسلاح والحماية الدبلوماسية حتى صارت توصف بأنها الولاية رقم 51 وأكثرت في الدلال، وتسابق حكّام أميركا دائماً لنيل رضاها.
الأمر الطبيعي ألا تثق أي قيادة فلسطينية لا ببريطانيا الغاربة المجد، ولا بأميركا المهيمنة، وأن تقود ثورة الشعب العربي الفلسطيني حتى يضطر هذا الكيان اللقيط ومن يدعمه إلى تقديم تنازلات حقيقية في الميدان، وليس الركض وراء وعود وهمية خُلبيّة من أميركا ودول الغرب الاستعمارية، وتضييع القضية، والتآكل والتلاشي إلى أن تفقد فلسطين أي حضور، وتذوي قوّة شعبها العريق ولا تبقى قوة للتفاوض معها، وفي النهاية لا يبقى للفلسطينيين سوى أن يكونوا(سُكاناً) كما وصفهم "وعد بلفور" منذ 1917!
شعبنا يقدّم الدم، وتهدم بيوته، وتمزّق أجساد أطفاله، ولكن مقاومته التي انفجرت في الفجر الصادق ليوم 7تشرين الأوّل/أكتوبر أبعدت عنّا كابوس التيه والضياع الذي أرادته أميركا وخلفها الإمبراطورية العجوز الرثّة بريطانيا، وقادة الكيان الصهيوني الذين يقترحون حلاًّ لقطاع غزّة (جزيرة عائمة في البحر)، وهم بهذا يسفرون عن مخططهم المضمر لقطاع غزّة وهو (رمي فلسطينييه في البحر)، وبهذا تفتضح أكذوبة (رمي اليهود في البحر) التي اتهم بها الفلسطينيون!
ماذا عن فلسطينيي الضفة؟
أعداء فلسطين: الولايات المتحدة الأميركية ومعها الكيان الصهيوني وبقية دول الاستعمار الغربي لا يمكن أن يعترفوا لنا كشعب عربي فلسطيني ينتمي إلى أمة عمرها ألوف السنين، لأن مصالحهم تتجسد في الهيمنة على منطقتنا العربية، والبترول العربي، وموقع أمتنا العربي في قلب العالم، ولأن يقظة العرب تشكّل كابوساً لهم، وهم يريدون أن يدوم عمر الحكام المستتبعين الذين تعد دولهم قواعد عسكرية وظفت في حقبة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وتوظف راهناً في الصراع على مستقبل العالم الذي لن يبقي أميركا كُلية الهيمنة لأنها لم تعد كليّة القوة المطلقة.
الكثير من ثروات النفط يشترى به أسلحة لا لزوم لها، ومنطقتنا العربية بفضل هؤلاء الحكّام هي منطقة خاملة متبلدة وتواصل حياتها وهي ترتعش من هول ما تراه مخيفاً منذ 7 تشرين الأول، ويتواصل بعنفوان ويبشّر بفجر عربي بعد طول ليل امتد حتى ذلك الفجر المبارك الممتد المحمول على طوفان لن يتوقف قبل أن يغرق الفساد، ويسفر عن فجر مشرق لفلسطين وشعبها العريق.
أمّا السكان الغرباء الذين دفع بهم إلى بلادنا فتسببوا بالحروب والموت والدمار، ولكنهم في نهاية عمرهم القصير سيرحلون كما رحل الصليبيون والمغول..ولهم أسوة بمئات الألوف الذين رحلوا باختيارهم عائدين إلى دول يحملون جنسياتها، حيث لا حروب، ففي فلسطين شعب ينتمي إلى أمة عريقة، وهذا الشعب يخوض ثورات، وانتفاضات، وهبات منذ وطأت قدما الجنرال البريطاني أدموند النبي أرض القدس الفلسطينية عام1917.
هذا هو الحل العملي وبه سيرتاح من هم في حالة حرب دائمة مع أصحاب البلاد الشرعيين، وليس السكّان، ونصيحتنا: جوازات سفركم من بلادكم الأصلية موجودة في جيوبكم، وجاهزة معها حقائبكم، فأنتم لن تحملوا مدن فلسطين العريقة، ولا بيّاراتها في إيابكم إلى بلاد الغرب التي حرضتكم على هذه المغامرة التي لم يُعمّر ولم يثمر فرنجة الاحتلال والذين دام احتلالهم قرابة قرنين من الزمان ثم رحلوا. هذا هو خياركم الوحيد مهما امتّد احتلالكم المدعوم أميركياً، فدولتكم ليست سوى مشروع وظيفي مهمته ودوره خدمة أطماع الإمبراطورية الأميركية التي لم تعد سيدة العالم...