"طوفان الأقصى" ومسؤولية تحرير سوراقيا
تعدّ معركة إخراج الأميركيين من العراق وسوريا مفصلاً حقيقياً في تغيير مسار منطقة غرب آسيا بأكملها، وبشكل متكامل مع معركة "طوفان الأقصى" التي هشمت الدور الغربي الإسرائيلي، مهما كانت نتائج معركة غزة.
-
معركة إخراج الأميركيين من العراق وسوريا تعد مفصلاً في تغيير مسار منطقة غرب آسيا.
حركت معركة طوفان الأقصى المياه الراكدة في العراق بعد انطلاق المقاومة الإسلامية فيه باتجاه الالتحام في المواجهة مع الكيان الصهيوني، وبدء استهداف الأميركيين في قواعدهم المنتشرة في العراق وسوريا بأكثر من 167 عملية عسكرية، إضافة إلى استهداف موانئ أم الرشراش وحيفا في فلسطين المحتلة ومراكز عسكرية في الجولان السوري المحتل.
أفرز الاحتلال الأميركي للعراق منظومة سياسية تستند إلى دستور وضعته الولايات المتحدة، وفرضه الحاكم العسكري للعراق بول بريمر بعد احتلاله عام 2003 بعام، ليشتهر باسمه فيما بعد، وليتحول بعدها العراق إلى ساحة للصراعات السياسية الداخلية بين الإخوة الأعداء، في محاولة من كلّ طرف عراقي حتى ينال حصة أكبر من الكعكة الاقتصادية، وإلى بلد محكوم بخياراته الاقتصادية إلى درجة أن لا يسمح لشركة "سيمنس" الألمانية ببناء محطة غازية لتوليد الكهرباء على حساب الشركة الأميركية "جينيرال إلكتريك"، ليصبح بعدها في حالة العطالة الذاتية بما لا يتناسب مع دوره التاريخي الحضاري وواقع جغرافيته السياسية.
وفي الخط الموازي للعملية السياسية، تشكلت مقاومة عراقية واضحة الأهداف تستند إلى الجذور الثقافية للعراق، وتضع نصب عينيها إخراج الأميركيين منه كمرحلة أولى، وهذا ما أنجزته عام 2011، ثم تعود إلى العمل من جديد بعد عودة الاحتلال الأميركي إليه من بوابة تنظيم "داعش" الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق وسوريا.
أدركت المقاومة العراقية بعد الحرب في سوريا أن مشكلة العراق مع الأميركيين متعددة الأوجه والمستويات، فلا يمكن حصرها بقوات الاحتلال الأميركي، ولا بتنظيم "داعش" الذي يعتبر الوجه الآخر للمشروع الأميركي، بل تمتد إلى البيئة الإقليمية المحيطة بالعراق والدور الإسرائيلي الذي لا ينفصل عن المشروع الغربي، وكل ذلك هو في الجانب العسكري.
المستوى السياسي لا ينفصل عن الجانب العسكري بحكم التركيبة السياسية للعراق التي تستند إلى الواقع الإثني والطائفي. لا يتوقف الأمر على هذا المستوى، بل يذهب بعيداً في الصراعات داخل كل هوية من الهويات الجدلية، بما يلقي بظلاله على مسار عمل المقاومة العراقية ضمن بيئة متشظية غير قابلة للاجتماع ببقاء الاحتلال الأميركي واستمراره، ليس في العراق فحسب، بل في كل منطقة غرب آسيا أيضاً، وخصوصاً في سوريا.
ارتقت المقاومة العراقية إلى مستوى أعلى من المواجهة الأميركيين مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، انطلاقاً من وعيها والتزامها بوحدة الساحات، وما لعمق القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي العراقي الذي قد يختلف على كل شيء، لكنه لا يختلف على ارتباطه بفلسطين واعتبارها قضيته الأساس التي قد تنحسر في إطار الصراعات الداخلية، ولكنها سرعان ما تعود إلى الواجهة من جديد بعد أيّ عمل مقاوم ضد الكيان.
تم هذا الارتقاء بفتح جبهات متعددة ضد الأميركيين في العراق وسوريا، إضافة إلى توجيه الرسائل العسكرية الضاغطة إلى الكيان الصهيوني باستهداف حيفا وأم الرشراش (إيلات). وقد كان أهم عمل مقاوم في سوريا إدراكاً منها بارتباط مصير البلدين ببعضهما بعضاً، وهما بالأساس من بيئة حضارية تاريخيّة مشتركة ومتكاملة فرضت نفسها عليهما.
تتعاظم مسؤولية المقاومة العراقية في إخراج الاحتلال الأميركي من سوريا والعراق، بعدما أُنهكت سوريا بالحرب الطويلة عليها وبتمزقها السياسي والديمغرافي والجغرافي وما أصاب جيشها من التعب واستنزاف موارده البشرية والتسليحية، إضافة إلى انتقال عدوى ما أصاب العراق إليها، وارتداد قسم كبير من السوريين إلى هوياتهم ما قبل الوطنية وما يعني ذلك من امتدادات عابرة للحدود إثنياً وطائفياً وارتباطها بقوى متناقضة فيما بينها بالمصالح.
أصبح دور المقاومة العراقية في إنهاء الاحتلال الأميركي في سوريا يوازي دورها في العراق، وتبدو نسب نجاحها في سوريا أعلى منها في العراق، لعدم وجود مبرر قانوني شرعي بوجود القوات الأميركية سوى ذريعة محاربة الإرهاب الممثلة بتنظيم "داعش"، على عكس العراق الذي توفر حكومته وبرلمانه حجج البقاء حتى الآن، رغم كل الاتفاقيات التي تمت بين الطرفين.
هذه المهمة التي تصدت لها المقاومة العراقية لا يمكن أن تكون عبئها عليها وحدها، بل هي مهمة تكاملية مع كل قوى المقاومة في لبنان وسوريا، وهم بهذا الدور يعملون ضمن بيئة مشتركة للجغرافيا السياسية بما يمنح المناطق الثلاث القدرة على الخروج من المأزق التاريخي المديد الذي تشكل بعد الحرب العالمية الأولى وتحقيق الاستقلال الحقيقي الذي لا يمكن أن يُنجز إلا بخروج الأميركيين من إقليم غرب آسيا.
يرتبط نجاح قوى المقاومة في تحرير العراق وسوريا كمرحلة أولى بالدور الإيراني الذي تعاظم خلال الأعوام الخمسة وأربعين منذ نجاح الثورة الإسلامية، وهو دور إيجابي كبير بعد خروج مصر من الصراع وتسليم دورها الإقليمي في المنطقة العربية وأفريقيا للكيان الصهيوني. وقد استطاعت بالشراكة مع قوى اجتماعية وسياسية نسج شبكة متكاملة للمقاومة تشمل شرق المتوسط والبحر الأحمر والخليج، ما منح أركان هذه الشبكة أدواراً متعاظمة في تقرير مستقبل غرب آسيا.
تعدّ معركة إخراج الأميركيين من العراق وسوريا مفصلاً حقيقياً في تغيير مسار منطقة غرب آسيا بأكملها، وبشكل متكامل مع معركة "طوفان الأقصى" التي هشمت الدور الغربي الإسرائيلي، مهما كانت نتائج معركة غزة. ، وبشكل متكامل مع معركة "طوفان الأقصى" التي هشمت الدور الغربي الإسرائيلي، مهما كانت نتائج معركة غزة. من هنا تأتي أهمية ما تقوم به المقاومة العراقية في البلدين، فمستقبل الإقليم رهن بما سيحصل في سوريا والعراق، اللذين ستتحدّد من خلالهما الأدوار الإقليمية، فإلى أين سيسير الإقليم؟ إلى مزيد من الصراعات أم الذهاب نحو التكامل الإقليمي؟