2022 لن يكون عاماً مريحاً لإردوغان
وضع الليرة التركية بات يهدد مستقبل حزب العدالة والتنمية وبدت نجاحات إردوغان وحزبه باهتة في ظل الأزمات المالية والاقتصادية.
-
يمكن لتركيا أن تخدم مصالحها بصورة أفضل من خلال التوازن الجيوسياسي بين مختلف مراكز القوى.
طغت مسألتان رئيستان مترابطتان على المشهد في تركيا عام 2021. الأولى استراتيجية، والثانية داخلية، لكن التفاعل بينهما يُنْبئ بأن عام 2022 لن يكون عاماً مريحاً للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في سعيه لمشروع 2023 وتجديد سلطته، بل سيكون التهديد حاضراً في كل المفاصل الداخلية والخارجية.
الغرب والتغير الاستراتيجي في إطار الضغط على تركيا
قام الناتو بتعديل استراتيجي عسكري في شرقي المتوسط والبحر الأسود، إذ إنه يعتبر أن أنقرة أعطت ميزة لموسكو على جانبها الجنوبي عندما اشترت أنظمة الصواريخ الروسية. وبناءً عليه، قامت عدة دول غربية بهيكلة اتفاقياتها الدبلوماسية والعسكرية في منطقتي البحر المتوسط والبحر الأسود، فأجرت الولايات المتحدة حواراً استراتيجياً مع اليونان في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وهو الثالث من نوعه في مجالات الاقتصاد والدفاع والمناخ ومكافحة الإرهاب. وشدّد الطرفان الأميركي واليوناني على أهمية احترام السيادة والقانون الدولي، بما في ذلك قانون البحار، الذي لم توقّع عليه أنقرة عام 1982، وهو لا يزال موضوعاً قضائياً دولياً بين تركيا واليونان.
نصَّت الاتفاقية بين أميركا واليونان على تزويد اليونان بصفقات أسلحة متنوعة، ويتمّ في المقابل إعطاء القوات الأميركية إمكان الوصول إلى البنية العسكرية اليونانية. وكانت فرنسا واليونان وقّعتا، في أيلول/سبتمبر من العام نفسه، اتفاقية شراكة استراتيجية، شملت بيع أسلحة وطائرات رافال وفرقاطات ومساعدة متبادلة في حال الحرب، الأمر الذي أثار انتقادات من وزارة الخارجية التركية.
وأبرم الجيش الأميركي، أيضاً، اتفاقية مع رومانيا من أجل نشر طائرات في قاعدة كامبيا، واستقبال قوات مع معداتها العسكرية الثقيلة وطائرات من دون طيّار، لأن قاعدة إنجرليك الجوية التركية لم يعد موثوقاً بها لدى الغرب في ظل وجود نظام الصواريخ الروسية "أس 400"، وأيضاً من أجل التعامل مع حالات الطوارئ العسكرية في منطقة البحر الأسود.
هذه التغيرات خلقت قوة جديدة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، بينما كانت أنقرة تحاول إقناع الكونغرس بنيل موافقته على شراء أربعين طائرة من طراز "أف 16" وثمانين مجموعة تحديث لها. وفي حال عدم الموافقة على هذه الطلبية، يمكن أن يفقد سلاح الجو التركي قيمته الرادعة، مع أنه يمكن لأنقرة الاستعانة بالسلاح الروسي، إلاّ أنها تريد من هذه الصفقة استعادة العلاقات الدفاعية الثنائية بالولايات المتحدة بعد خسارتها صفقة "أف 35".
وكان بعض المحللين في تركيا جادل بشأن حقّ تركيا في الاستقلال في قرارتها السياسية بعد التطورات التي شهدتها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وفي تنويع أسلحتها، وأن تكون لها سياسة مستقلة بعيداً عن الناتو، وأن يكون موقفها معتدلاً في الصراع بين الناتو وروسيا، في نظام متعدّد الأقطاب. هكذا، يمكن لتركيا أن تخدم مصالحها بصورة أفضل من خلال التوازن الجيوسياسي بين مختلف مراكز القوى. وهذا لا يعني أنها ستترك الناتو، أو تبتعد عن الولايات المتحدة، بل ستتصرّف كسائر أعضاء الحلف، من حيث حرية القرار، على نحو لا يتنافى مع انتمائها.
إلاّ أن الغرب يرى أن تقارب بوتين وإردوغان، والذي بدأ منذ عام 2016، تُوِّج في عام 2019 بتسليم تركيا نظام الصواريخ "أس 400"، ويعتبر أن روسيا دقّت إسفيناً في الهندسة الأوروبية لحلف الناتو، دفاعياً وسياسياً. من هذا المنظور الاستراتيجي الروسي، اعتبر الغرب أن روسيا سجّلت نقطتين في جانبها الجنوبي، خط الحدود على البحر الأسود بين المناطق الاقتصادية الحصرية لروسيا وجورجيا، والمنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا أولاً، وهي قضت الآن على النشر المحتمل لصواريخ باتريوت الأميركية، وهو كان خياراً منطقياً لتركيا، الدولة العضو في الناتو، أي المشاركة في بنية الصواريخ الباليستية. ونتيجة ذلك، وقفت صواريخ "أس 400" حجر عثرة في وجه إمكان نشر 125 طائرة من طراز "أف 35"، كجزء من بنية الدفاع الجوي لحلف الناتو.
أنتجت العلاقة بين روسيا وتركيا مزيجاً غير عادي من التعاون والاختلافات المحسوبة. واستعانت أنقرة بموسكو من أجل إجراء عملياتها بنجاح في جنوبيّ القوقاز وسوريا، وهي تعمل على تركيز علاقاتها بأرمينيا هذا العام. وسوف يتمّ اجتماع بين الطرفين، بناءً على رغبة إردوغان، من أجل إعادة العلاقات. وطلب الجانب الأرميني عقد الاجتماع في موسكو. كذلك، حاول إردوغان التوسط بين كييف وموسكو في الأزمة الواقعة بينهما، ويرى أن مصالح تركيا في منطقة البحر الأسود قد تكون مهدَّدة بسبب أيّ توسع في الحرب الروسية في أوكرانيا، فهو يتحدث إلى بوتين بصورة متكرّرة بشأن هذه القضية. واعتبرت موسكو أن وساطة إردوغان ستكون "موضع ترحيب" إذا أقنعت كييف بالتزام مطالب روسيا فيما يتعلق باتفاقيات مينسك.
ستبني روسيا محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية في تركيا وستشغّلها وتمتلكها، وسيتدفق الغاز الروسي إلى جنوبي شرقي أوروبا عبر "ترك ستريم"، وترى تركيا وجود مصلحة لها في هذين المشروعين، بينما يفترض الغرب أنّهما يشكّلان وسيلة روسية لدفع تركيا إلى خارج الناتو.
مشكلات الداخل تسيطر على المشهد السياسي التركي عام 2021
على الرغم من محاولات إردوغان العودة إلى تصفير المشاكل الإقليمية مع مصر ودول الخليج و"إسرائيل"، والهروب من مشكلاته المالية عبر استدراج الاستثمارات، وتراجع عسكرة السياسة التركية، والتوجُّه نحو السياسة الناعمة، فإن وضع الليرة التركية بات يهدد مستقبل حزب العدالة والتنمية، وباتت نجاحات إردوغان وحزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه، باهتة في ظل الأزمات المالية والاقتصادية وغياب الشفافية في الداخل التركي.
هل يكفي القول إن الخارج يضغط على الليرة ويتم التلاعب بها؟ اتَّهم إردوغان اللوبي اليهودي التركي باللعب بالليرة، لكنه وافق، في الوقت عينه، على اجتماع مؤتمر الحاخامات اليهود في الشرق الأوسط في تركيا، وأكد خلال استقبالهم رغبته في عودة العلاقات القوية بـ"إسرائيل"، التي تتلكّأ حتى اليوم عن الاستجابة لدعوته، بيد أن "إسرائيل" تتريّث، ليس فقط بسبب عدم ثقتها بسياسات إردوغان، بل هي سرّبت إلى المعارضة أنها غير متأكدة من أنه سيكون الرئيس المقبل لتركيا، وهذا ما يزعج إردوغان.
تراجعت فرضية مفادها أن النظام كان مقبولاً بسبب النجاحات الاقتصادية بصورة عامة، وأفادت استطلاعات الرأي بأن المعارضة تتفوّق بأشواط على إردوغان وحزبه. فهي الآن موحَّدة بقوة لمصلحة تغيير الرئيس والعودة إلى الديمقراطية البرلمانية. ويؤكد ائتلاف المعارضة تحقيق النصر في الانتخابات المقبلة عام 2023، وأن تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية سيصبح أقلية في البرلمان، وسيتقاعد إردوغان من الرئاسة، وستتغير السياسة الاقتصادية بصورة كبيرة، وسيتم الإصلاح الدستوري، ويبدأ النظام البرلماني.
وساهمت عدة أسباب في تراجع شعبية إردوغان:
- الهدر والفساد، وهما عاملان أساسيان أدّيا إلى نجاح المعارضة في الانتخابات البلدية عام 2019، بحيث عبّرت صناديق الاقتراع عن نقمة الشعب التركي وتبدُّل مزاجه تجاه حزب العدالة والتنمية وبُعده عن مشكلات الناس. تتّهم المعارضة إردوغان، الذي نمت قاعدته السياسية من خلال تحسينات واضحة في البنية التحتية - الطرق السريعة والجسور والمستشفيات ـ بهدر الأموال على مشاريع لا موارد ربحية منها سوى تنفيعات لبعض الشركات المقرَّبة منه.
- السياسة الاستهلاكية، وحتى استيراد القمح من الخارج، والاعتماد على الصناعات التحويلية، وعدم الاكتراث للسياسة الزراعية، فتحوَّلت تركيا إلى دولة مستهلكة وغير منتجة لسلع أساسية يحتاج إليها المجتمع التركي، المؤلّف من أكثر من ثمانين مليون نسمة. وتم التركيز على بيع العقارات ومشاريع البناء والسياحة.
- أدّت جائحة كورونا إلى تراجع الأعمال وتراجع السياحة التي تعوّل عليها تركيا بصورة كبيرة. وطلبت تركيا مساعدة من البنك الفيدرالي الاحتياطي الأميركي، فلم يتم احتسابها ضمن الدول التي تمت مساعدتها.
- السياسة العسكرية التوسعية لإردوغان، وتكلفتها المالية التي تتحملها الخزينة.
- ـ السيطرة على القضاء، وعدم الفصل بين السلطة السياسية وتلك القضائية، والقرارات التعسفية تجاه المعارضين، سياسيين وناشطين مدنيين، وسَجنهم من دون إثباتات كافية.
- النظام الرئاسي الذي أدّى إلى حصر كل السلطات في يد الرئيس، الذي يتدخّل في تعيين الموظفين، والذي حصر قرارات السياستين الداخلية والخارجية في يده.
- فرض إردوغان على البنك المركزي التركي اتّباع مبدأ الفائدة المنخفضة وسيلةً لخفض التضخم، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض قيمة الليرة، وقام بتغيير أربعة رؤساء للبنك المركزي وبعض نوابهم منذ عام 2019، الأمر الذي أثار رد فعل صريحاً على هذه السياسة من مجتمع الأعمال التركي.
على الرغم من أن البيانات الكلية تُعَدّ بمثابة نظرة مستقبلية مشرقة، فإنها ليست تلك التي تُقلق الناس في الشارع، بل الهروب من العملة التركية والاحتماء بالعملة الاحتياطية القوية والدولار واليورو، كإجراء احترازي ضد ارتفاع التضخم. ويكاد يكون سباقاً للعثور على مكان في قطار العملات.
انتقد البنك الدولي السياسة الاقتصادية السائدة في تركيا، واعتبر أن إحدى القضايا الرئيسة، بخلاف سياستها النقدية، هي أن الأساسيات الاقتصادية لتركيا لن تتغير في المَدَيين القصير والمتوسط، من أجل البقاء والازدهار، إذ تحتاج البلاد إلى الاقتراض، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والمحافظة على صادراتها. فهل للمشروع الجديد المقترَح من إردوغان، من أجل إنقاذ الليرة التركية، مكان في ظل المشكلات الداخلية والضغوط الخارجية، والتي لا يمكن التغافل عنها، وهي استراتيجية، واعتبار المشكلة داخلية بحتة، في ظل محاولات المعارضة الاستفادة من أخطاء إردوغان، والسباق إلى التنسيق مع الغرب؟