الخطاب الإعلامي الغربي ضد الصين.. لنعد إلى نقطة الصفر
ما هي الحِجَج التي يسوّقها الإعلام الغربي، والتي يستند إليها في اعتبار الصين طرفاً متّهماً؟
لم تنبثق تسمية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفيروس كورونا ب "الفيروس الصيني" من فراغ، وإنما انبثقت من أهدافٍ سياسيةٍ عالميةٍ جادّة، تحاول وضع الصين في خانة الغريب والعدو والمُتّهم أمام الرأي العام العالمي، ومن ذلك الحديث عن مُحاسبة للصين باعتبارها سبباً للضَرَر العالمي الكبير الذي أحدثه فيروس كورونا.
ولكن ما هي الحِجَج التي يسوّقها الإعلام الغربي، والتي يستند إليها في اعتبار الصين طرفاً متّهماً؟
يمكن تلخيص ذلك في ثلاث نقاط رئيسة:
أولاً: إثارة الشكّ حول تسرّب الفيروس من المُختبر البيولوجي في ووهان.
ثانياً: الهجوم على النمط الغذائي للصينيين، باعتباره نمطاً شاذّاً وخارجاً عن المألوف، الأمر الذي يضع سكان العالم أجمع في دائرة الخطر.
ثالثاً: تدبير ظروف مؤاتية تخدم الاقتصاد الصيني، ومن ذلك ما تم تناقله بكثافةِ على شبكات التواصُل الاجتماعي عن شراء أسهم لشركات غربية تعمل في الصين بأسعارٍ مُنخفِضة.
تعتبر مجلة "لانسيت" أن مواصفات ومقاييس الأمان في مختبر ووهان من الأعلى في العالم، كما أن التقارير البحثية لا تُشير إلى تجارب في المختبر على فيروسات مُبكرة من نسخة كوفيد19 أو نسخة الفيروس نفسه، كما أن منظمة الصحة العالمية صرَّحت في استبعاد احتمال تسرّب الفيروس على هذه الشاكِلة، الأمر الذي سبَّب خلافاً مباشراً مع إدارة ترامب، التي ترغب في مُساندة المنظمّات الدولية لإلحاق التهمة بالصين، ما يرفع عن الإدارات السياسية التي فشلت في احتواء الأزمة أعباء الانتقادات الشديدة التي تتعرَّض لها. (الحِجّة الأولى).
من الواضح أن نمط غذاء الصينيين أصبح مادّة للتندّر والنكتة في صفحات التواصُل الاجتماعي، وهو على كل حال هدف سياسي حقيقي مُتمثّل في محاولة خلق سيكولوجيا جمعية تجعل من المجتمع الصيني كائناً غريباً، لا بدّ من تجنّبه والابتعاد عنه. ينعكس ذلك في نهاية المطاف على التعامُلات الاقتصادية والاجتماعية مع مؤسّسات الصين، التي تتمثّل في نهاية المطاف على هيئة أفراد، لا بدّ من التواصُل معهم. إن أكل الخفافيش ليس عادة صينية مُنتشرة، وهي عادة تُمارَسها أقليّة من المجتمع الصيني، كما أن انتقال الفيروس – حسب ما أشار الكثير من التقارير العلمية- ليس مُرتبطاً بالغذاء، حيث أن الفيروس يموت في عُصارة المعدة، وإنما مرتبط بأشكال اشتباك أخرى مع البيئة.
إن حال التندّر ضد النمط الغذائي الصيني، والتي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة النسبة الأعلى للوفيات في العالم بسبب السُمنة، لا تستند إلى أسسٍ علمية، وإنما تنضوي تحت أجندة سياسية مُتكامِلة.
نحن لم نشهد حالات تندّر مُشابهة في ظروف فيروسات أخرى كإنفلونزا الطيور، أو جنون البقر، والتي لم تكن الصين المحطة الأولى في التعرّض لها (مع الانتباه إلى أن الصين هي أول مَن كشفت عن حالات فيروس كوفيد19، ولكن تعقّب الحال الفردية الأولى في العالم ليس بالأمر القابل للحسم بسهولة).
إننا حتى لا نتندّر على مقولات شعبية تتحدّث عن نجاعة بَول الإبل في مُعالجة السرطان، ولم نتحدَّث عن الفيروسات التي انتقلت من الإبل إلينا، ولحُسن الحظ لم تنتقل بين البشر. ولا نتندّر على أكل أهل الجزائر للحم الخيول. في كل الأحوال، نحن نعيش في طبيعةٍ تخضع لنظام الكل المفتوح، إننا جزء من هذه الطبيعة، ونتفاعل مع جميع مكوّناتها، والكائنات الحيّة الأخرى، وليس من الصواب في أية حال من الأحوال تحميل المسؤولية لنمطٍ غذائي هنا ، أو هناك. (الحِجّة الثانية)
قبل التعرّض للظروف الصعبة التي أنتجها فيروس كورونا، كانت مؤشّرات العَولَمة الاقتصادية والسياسية تشير إلى تقدّم الصين. فصادرتها وصلت إلى 2.4 تريلين دولار، في حين توقّفت صادرات الولايات المتحدة عند حاجز ال 1.6 تريليون دولار. وفي سباق شبكات الجيل الخامس، كانت الصين تنتظر قرارات هيئات الاتصالات الدولية لبدء المشاريع المتعلّقة بها، وقد أرجأت أزمة كورونا بدء التطبيق هذا إلى إشعارٍ آخر، بدلاً من مارس/آذار الماضي.
إن الارتداد المؤقّت عن العولَمة، أو الاستراحة من مشروع العَولَمة، كانت فرصة أميركية وأوروبية، وعلى العكس بالنسبة إلى الصين التي عطّلت أزمة كورونا تقدّمها الاقتصادي، وأعطت فرصة زمنية لباقي الأطراف كي تلحق، وتستكمل إنتاج ما يلزم من معدّات الجيل الخامس للشبكات.
نحن نشهد إنزياحاً في مركز العَولَمة من الولايات المتحدة باتجاه الشرق، إلى الصين. وهذه القيادة الجديدة لا ترتبط فقط بنسبة الصادرات وشبكات الجيل الخامس، وإنما ترتبط بمُشاهدات الأفراد في كل العالم لكيفيّة إدارة الأزمة في الصين، وكيفيّة الإدارة الغربية لها. لقد فشلت منظومة "الديمقراطية الغربية" في حماية الأرواح، وأظهرت بشكلٍ غير مسبوق تغليب الاقتصاد عليها. إن الثقافة الكونفوشية التي لا تغلب الفرد على المجتمع، أظهرت نجاعتها في مُحاصرة الأزمة، وأشعرت العالم بأنها قادرة على تقديم الدعم والمُساندة، وتشكيل نموذج لدولة رعاية (الحِجّة الثالثة).
من المُستهْجَن أن تطالب الدول الغربية بمُحاسبة الصين، أو دفع تعويضات، وكأنها تنسى أن ثمة فواتير عالِقة قيّدت على كل الدول التي استعمرتها، وراكمت الديون عليها بغير حق (55 تريليون دولار ديون الدول "النامية")، وما زالت تلوي ذراعها بديونٍ مُتراكمة (حتى الحرب التي خاضتها لتأمين مصالحها باسم الحرية والديمقراطية كانت لها فواتيرها على قائمة الديون). وتنسى أنها عبر استحكامها بأنظمة المصارف والتبادُلات التجارية، حجزت أكثر من 5 مليارات دولار للحكومة الفنزويلية، وسرقت ما يُقارب 100 مليار من إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها.
قد تفتح أزمة كورونا الباب للحديث عن محاسبة وعن الأزمة الحقيقية، وعلى طريقة فيديل كاسترو: الديون مقابل جرائم الاستعمار، واحدة بواحدة، ولنعد إلى نقطة الصفر!