أفارقة أميركا.. هل يمكن لفيروس كورونا أن يكون عُنصرياً؟

استناداً إلى تدني نسبة الإصابات بالفيروس في القارة السمراء، وبين أفارقة أميركا اللاتينية، يبدو أن العامل الجيني مُستبعد لتفسير ارتفاع إصابات الأفارقة في أميركا، الأمر الذي يقود إلى البحث في عناصر أخرى.

  • أفارقة أميركا.. هل يمكن لفيروس كورونا أن يكون عُنصرياً؟
    يعاني الأفارِقة في الولايات المتحدة من مستوياتٍ مُتدنيةٍ من العناية الصحية

"إن أصابة أيّ شخص في العالم بفيروس كورونا هي مسألة مُحتَمَلة، إن فيروس كورونا عادل عظيم (great equalizer)".

كان ذلك تعبير رئيس ولاية نيويورك حول الإصابات في الولايات المتحدة، ولكن للإحصائيات والتقارير رأي آخر، فثمة نِسَب عالية من الأفارِقة في أميركا هم الأكثر عُرضة للإصابة أو للموت بسبب الإصابة (يمثّل الأفارِقة الأميركان ما نسبته 13.4% من مجموع السكان في الولايات المتحدة، ومع ذلك حازوا على نسبة 42% من مُجمَل الوفيات)، فهل حقّاً يمكن للفيروس أن يكون عُنصرياً بسهولةٍ إلى هذا الحد؟

تُثير نِسَب الإصابة والوفيات في صفوف الأفارِقة الأميركان غرابة لا تتناسب مع نسبتهم من مُجمل السكان، فحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان في نفس السياق، فإن شيكاغو التي يمثّل فيها الأفارِقة 30% من مُجمل السكان، حازوا على نسبة 70% من الإصابات، و50% من حالات الوفاة في الولاية. وحسب دراسة لمركز إدارة ومَنْع الوباء الأميركي على 14 ولاية، فإن 33% من الإصابات كانت من نصيب الأفارِقة على الرغم من تمثيلهم 18% فقط من السكان في تلك الولايات.

استناداً إلى الأرقام الدولية، التي عبَّرت عن نِسَبٍ أدنى من الإصابات في القارة السمراء، وكذلك أفارقة أميركا اللاتينية، مُقارنة بأوروبا وأميركا، يبدو أن العامل الجيني مُستبعد بشدّة، الأمر الذي يقود إلى البحث في عناصر أخرى، وربما من الأنسب أن تنطلق مُغامرة البحث من المُسبّبات الرئيسة للإصابة والموت حسب التجربة العملية لجميع الدول التي واجهت الفيروس، وهي مستويات التباعُد الاجتماعي، والحال الصحية للمُصاب.

مع ظروف فيروس كورونا، أعلنت الولايات المتحدة، وإنْ مُتأخّرة، عن القوانين اللازِمة للتباعُد الاجتماعي، والبقاء في المنازل. لا تسمح شروط العمل في عددٍ كبيرٍ من القطاعات بالعمل من المنزل، ومن ذلك أعمال النظافة، والمزارع الضخمة، والمواصلات العامة، وعدد كبير من المهمّات التي يشغلها في الأغلب الأفارِقة، ومن هنا فقدت هذه الشريحة شرط التباعُد الاجتماعي. 20% من مُجمل الأفارقة (في أكثر الإحصائيات تفاؤلاً)، تمكّنت من العمل من المنازل.

ومن الجدير بالذِكر، أن شرط التباعُد الاجتماعي لا يمكن أن يتحقَّق من دون الحد الأدنى من الادّخارات في ظل اقتطاعات ووقف الرواتب.

إن معدّل الادّخار عند الأفارِقة في أميركا لا يتجاوز عُشر ما تدخّره عائلات البيض، ويعود ذلك بالأساس إلى أن الأفارِقة محرومون من تقاضي رواتب مُماثلة للبيض، حتى لو امتلكوا مستوى مُطابقاً من التعليم والخبرة العملية، ويشمل ذلك أيضاً أية تعويضات للتأمين الصحّي. إن العائلة الإفريقية مُضطرة لدفع خُمس دخلها السنوي لصالح الضمانات الصحية. إن الأفارِقة عاجزون عن تأمين شرط التباعُد الاجتماعي المُتمثّل في ادّخار كافٍ لانتظار لحظة الانفراج، ما يعني أنه حتى الفئات التي تمكَّنت من العمل من المنزل، مُضطرّة للبحث عن مزيدٍ من ساعات العمل خارجه لتأمين احتياجاتها، أو الاعتماد على وسائل أخرى، تتطلَّب الحد الأدنى من التواصُل المباشر.

إن الأحياء الإفريقية في الولايات المتحدة مُصمَّمة على شاكلة تزيد من نسبة التقارُب الاجتماعي، فرفاهية البيوت المستقلة التي تسكنها نسبة أوسع من البيض، غير متوافرة للأفارِقة. إن أفارِقة أميركا لم يُراكموا ثروة كافية تسمح لهم بالبقاء في المنازل، ولم يمتلكوا بيوتاً مستقلّة تجنّبهم التلامُس المشترك لجدران المباني والمصاعد. 

ومع الإشارة إلى عوامل أخرى، دينية واجتماعية (حجم الأسرة، العلاقات الاجتماعية، الإصرار على أداء الطقوس الدينية)، تزيد من تقارُب الأفارِقة أكثر من البيض، إلا أن العامِل الحاسِم الذي خلقته الفجوة الطبقية أجبر الأفارِقة- قبل أيّ شيء- على خرق شرط التباعُد الاجتماعي قَسْراً!

يعاني الأفارِقة في الولايات المتحدة من مستوياتٍ مُتدنيةٍ من العناية الصحية في أماكن سكنهم (نقص كبير في أعداد المراكز والمستشفيات، وجودة أقل بكثير من ناحية الرعاية الصحية)، وعندما يترافق ذلك مع نِسَب فقرٍ حادَّة، وتلوّث استثنائي في أماكن سكنهم، فإن نِسَب إصابتهم على اختلاف مستويات الأعمار بالأمراض المُزمِنة هي الأعلى في الولايات المتحدة (40% من الأفارِقة يعانون من ارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى أمراضٍ أخرى مُرتبطة بالقلب والسكري). إن معدّل فُقدانهم للتأمين الصحّي هو ضعف المُعدّل عند نظرائهم من البيض، واحتمالية وفاة المرأة الحامِل في صفوفهم ثلاثة أضعاف نظيرتها البيضاء، ونسبة الوفيات بين الأطفال هي الضعف، وأكثر من الضعف في حالات الوفاة بسبب السرطان. 

تضافر تلك الظروف لم تهيّىء لفيروس كورونا، كائناً مُعتّلاً فقط، وإنما طال ذلك آليات الفحص للإصابة بفيروس كورونا.  يقول ديفيد باون، الذي يشغل منصباً اعتبارياً في ولايته والذي أصيب بفيروس كورونا، إنه بعد أن أبلغ السلطات مُخالطته لثلاثة أشخاص، قامت بفحص واحدٍ منهم فقط.

وصل فيروس كورونا إلى الولايات على هذه الحال، وهو لا يمتلك آلة بالزمن قادِرة على إعادة العَجَلَة إلى الوراء.

إن الفيروس مُضطر للعنصرية بالضرورة، فعنصرية الماضي تدفّقت إلى الحاضر، الذي يشكّل الفيروس جزءاً منه. لقد صادف الفيروس في الولايات المتحدة، قَدْراً لا محيد عنه؛ المُهمّشون في دائرة الخطر نفسها! 

 

 

 

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.