الخليج يخاطر بأمنه بالتطبيع مع "إسرائيل"
تكمن الخطورة في أن يفتح أمن الخليج على مصارعيه في خضم المواجهة مع إيران، فهل يستطيع الخليجيون تحمّل ما قد تحمله هذه المواجهة من تداعيات؟
حلَّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضيفاً على المنامة، ومنها توجه إلى أبو ظبي، ومن ثم مسقط، بعد أسبوعين من إعلان أبو ظبي تطبيع العلاقة مع "إسرائيل"، إذ بات جلياً أن الوقت يهرول دافعاً ترامب إلى استعجال تسجيل الإنجازات في ملفّه الانتخابي، في ظلّ ترجيح كفّة منافسه جو بايدن للانتخابات الرئاسيّة. يأتي "الكاوبوي" الأميركي رغبة في رسم مسارات المرحلة المقبلة؛ مرحلة التطبيع مع "إسرائيل" وما بعده.
3 ملفات يضعها الأميركي على طاولة القادة الخليجيين ضمن أولوياته: مواجهة إيران، والمصالحة الخليجية، والتطبيع مع "إسرائيل". قالها بومبيو من قلب المنامة: "نحتاج إلى وحدة الخليج أكثر من أي وقت مضى". إنها الحاجة الأميركية التي تحرك ملف المصالحة الخليجية، وذلك "لمواجهة إيران وبناء سلام وازدهار دائمين"، كما يقول وزير الخارجية الأميركي.
جسر السلام والازدهار الأميركي هذا يبدأ بالتطبيع مع "إسرائيل" وينتهي بمواجهة إيران، إذ لا يمكن الفصل بين ملفي التطبيع ومواجهة إيران، وإن قالت الإمارات إن التطبيع مع "إسرائيل" ليس هدفه تهديد أمن طهران.
على مستوى العلاقة مع "إسرائيل"، كشفت زيارة بومبيو للشرق الأوسط محطات التطبيع القادمة، وهي الخرطوم والمنامة ومسقط، فالبحرين كانت قد استضافت "إسرائيل" مرتين العام المنصرم ضمن مؤتمرات دولية أقيمت فيها، إضافة إلى تصريحات وزير خارجيتها السابق الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة المتكررة، والتي كان يؤيد فيها التطبيع لحماية أمن الخليج ضد ما أسماها "الدول المارقة"، وليس مستبعداً مطلقاً أن تكون البحرين الدولة الثانية بعد الإمارات، وخصوصاً في ظل الترويج الإعلامي الكبير على المستوى الرسمي لأهمية التطبيع وخدمته للقضية الفلسطينية، بحجة أن الخيارات السابقة جميعها فشلت، ولا بد من طرح خيارات أخرى لحل هذه القضية.
يقول الإعلام أيضاً إن الفلسطينيين فشلوا في تحرير أرضهم، وإن كل سنوات الدعم السابقة للسلطة الفلسطينية، وقبلها لمنظمة التحرير، لم تؤتِ ثمارها، وإن التطبيع قد يكون بوابة الحل، غير أن الحجج جميعاً لم تستطع إقناع البحرينيين بخطوة التطبيع، بل إن الصوت الغالب هو الرفض والرفض المطلق.
أما عمان التي سارعت إلى تأييد خطوة الإمارات في التطبيع مع "إسرائيل"، فإن كل المؤشرات كانت تذهب، وما زالت، إلى أن مسألة العلاقة مع "إسرائيل" يحكمها الوقت، الذي يبدو أنه بات قريباً، وخصوصاً بعد استقبال السلطان الراحل قابوس بن سلطان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العام 2018.
اللافت أنَّ الكويت غرّدت خارج السرب الأميركي برفض التطبيع، ما دفع كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، إلى وصف موقفها بغير البنّاء، وهو الذي أكد، وبكل ثقة، أن دولاً خليجية، بما فيها السعودية، ستقدم على تطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"، وأن المسألة مسألة الوقت.
هذه هي الوحدة الخليجية التي يريدها الأميركي: وحدة التطبيع، لا وحدة الصف بين الأشقاء. أمن "إسرائيل" لا أمن الأشقاء، أو بشكل أدق ربط أمن الخليج بأمن "إسرائيل"، عبر استجلاب الأخيرة إلى الضفة الأخرى من الخليج. وهنا تكمن الخطورة، والتي تتمثل في أن يفتح أمن الخليج على مصارعيه في خضم المواجهة مع إيران، فهل يستطيع الخليجيون تحمّل ما قد تحمله هذه المواجهة من تداعيات؟ هل يضمنون سقوط طهران أو أننا سنكون أمام مواجهة أكثر شراسة غير مأمونة العواقب؟ في الحقيقة، السيناريوهات مفتوحة، وقد لا تأتي النتيجة بالضرورة لصالح الخليجيين.
على صعيد المصالحة الخليجية، يستعجل ترامب إغلاق دفتي الملف أو حلحلته بعد فشل وساطته الأخيرة، ويبدو أن وزير خارجيته يحاول من جديد خلال زيارته إلى أبو ظبي وضع النقاط على الحروف، ووضع الخصوم على سكّة الحل. أبو ظبي التي وضعت العصي في دواليب المصالحة سابقاً، كما يقول الأميركيون، مطلوب منها اليوم أن تكون أكثر مرونة لإنهاء الخصومة مع قطر، والمؤشرات والمعلومات تقول إن عمان سترعى المحادثات بين الطرفين تحت إشراف السلطان هيثم بن طارق.
إذاً، بين الوحدة والتطبيع مع "إسرائيل" مواجهة إيران، وفيها تحويل للصراع الخليجي مع طهران من الخصومة إلى المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، فما يجري هو أن واشنطن تغامر بأمن الخليج، وتدفع الخليجيين إلى أن يخاطروا بأمنهم واستقرارهم باستقدام الإسرائيلي لمحاصرة طهران، بدلاً من اللجوء إلى الحوار والتفاوض، ما من شأنه أن يحول الخليج إلى منطقة ملتهبة غير مستقرة، في ظل متغيرات كثيرة وتشابكات أكثر تعقيداً، فمن يستطيع أن يضمن النتائج؟ هذا هو السؤال المفتوح!