هذا هو كيان الاحتلال.. أيّ رهان بعد؟
قد نكون أمام تطورات عاصفة ربما تتجاوز "صفقة القرن"، وذلك بعد الانتخابات الأميركية التي تشير الاستطلاعات فيها إلى حظوظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولاية ثانية.
-
تكثيف العمل لتطبيق "صفقة القرن" سيتواصل بقوة وفعالية على الأرض
مرّت ساعات حاسمة قبل أن تُعلن نتائج انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين، التي خالفت كلّ القراءات والتوقعات بخروج بنيامين نتنياهو من الحياة السياسية، فقد تقدّم الأخير على تحالف "أزرق - أبيض" بقيادة بيني غانتس، الذي حصل على 33 مقعداً مقابل 36 مقعداً لحزب "الليكود"، ما يعيد إنتاج حكومة "الليكود" مرة أخرى، إن تمكّن رئيس الوزراء المؤقت من تأمين 3 مقاعد لتشكيلها، وهي تحتاج إلى 61 مقعداً يتوفر منها 58 مقعداً بعد ضم الأحزب اليمينية والحريدية ("شاس" و"يهدوت هتوارة" و"يمينا").
من المؤكد أن نتنياهو سيقاتل كي يشكّل الحكومة التي تنقذ رأسه من المحاكمة، وسيعمل على تقديم الإغراءات للأحزاب الصغيرة، وسيحاول مع رئيس "الدولة" رؤوفين ريفلين تذليل كلّ العقبات حتى لا يذهب إلى دوامة انتخابات رابعة، وهو الذي يراهن على أن يقدّم تحالف "أزرق - أبيض" تنازلات موجعة ليكون شريكاً في حكومة وحدة وطنية، بحسب تصريح نتنياهو لصحيفة "إسرائيل هايوم"، إذ قال: "الباب مشرع أمام بيني غانتس إن أراد الانضمام إلى الحكومة، لكن يجب ملاحظة أن نسبة الاقتراع كانت تصبّ لمصلحتنا".
ووفق التقديرات، إنَّ تصريحات نتنياهو الأخيرة حول ضمّ تحالف "أزرق - أبيض" إلى الحكومة لا تخرج من دائرة القنابل الدخانية، وهي رسائل موجّهة إلى الأحزاب الحريدية واليمينية كي تجذّر مواقفها ولا تفكر في الانفصال عن التحالف، وموجّهة أيضاً إلى أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، لحسم خياراته إن أراد الانضمام إلى الحكومة القادمة، ولكن من دون شروط، والتخلّي عن مطلبه حول خدمة "الحريديين" في الجيش.
وعلى الرغم من أن بنيامين نتنياهو أعلن "انتصاره"، لكن المشهد مشوب بالكثير من المطبات قبل الوصول إلى تشكيل الحكومة.
ويعتبر رئيس الوزراء المؤقت أن مشروعه هو الأكثر نضجاً ووضوحاً في ما يتعلق بالمشهد الداخلي الإسرائيلي والاستحقاقات القادمة لتطبيق "صفقة القرن" وشروط "الليكود" حول العلاقة المستقبلية مع السلطة في رام الله، "التي يجب أن ترضخ لتنفيذ الصفقة من دون تباطؤ"، وهو في ذلك يحاول أن يظهر أنه الأكثر راديكالية في مهرجان مزايدة على تحالف "أزرق - أبيض" الذي يحمل التوجهات ذاتها.
وقد وافقت حكومته على بناء 2500 وحدة سكنية في الضفة الغربية وضواحي القدس المحتلتين، للتأكيد أن مشروع الاستيطان مستمر ولم توقفه الحملة الانتخابية. ويبدو أنَّ نشوة "الانتصار" فتحت شهية نتنياهو على المزيد من التصريحات حول العلاقة مع بعض الأنظمة الرسمية العربية الشريكة في "صفقة القرن"، ليؤكد مجدداً أن العلاقات تسير كما أعدَّ لها، وسيتم إظهارها بشكل رسمي قريباً.
من الواضح أنَّ الدعم الذي تلقاه نتنياهو من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي واكبت الانتخابات الإسرائيلية هيأ له أرضيات "شعبوية"، وخصوصاً بعد تصريحات جاريد كوشنير بأنّ ضم الأغوار وشمال البحر الميت سيبدآن بعد الانتخابات، أي بعد "فوز" نتنياهو، كما كان مأمولاً.
ويستطيع من يراقب المشهد أن يقرأ حالة الاستنفار في حركة كوشنير والاتصالات الساخنة مع وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر، الَّذي أكَّد في أكثر من اتصال مع نتنياهو أن واشنطن تراقب الأحداث في المنطقة وتطوراتها، وستبقى تدافع عن أمن "إسرائيل".
هذه الرسائل المتبادلة لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن الغارات الجويّة التي تعرَّض لها قطاع غزة وسوريا في الآونة الأخيرة، والتي تقول إنَّ أي تبدل في موازين القوى لن يسمح به الأميركي ومعه كيان الاحتلال.
أما على ضفة السلطة الفلسطينية في رام الله، المسوّرة بالحرائق السياسية بعد أن قالت الانتخابات ما قالته، فهل من رهان على مفاوضات قادمة؟
لا يحتاج المشهد إلى استفاضة في تبيان إحداثياته السياسية، وخصوصاً أنَّ واشنطن اعتبرت فوز حزب الليكود بـ36 مقعداً تأكيداً على أن المجتمع الإسرائيلي يسير وراء الخيارات التي انتهجها "الليكود" في 3 دورات سابقة.
لم يكن ثمة فرص ضائعة في وهم "سلام" مع كيان الاحتلال. كل التجارب السابقة التي أنتجها اتفاق أوسلو شكلت مدخلاً للمزيد من الاستيطان وإحراق الأرض الفلسطينية، والرد على خطاب السيد محمود عباس في مجلس الأمن تكفَّل به التجمّع الإسرائيلي الذي يفتح بوابات النار والحرب اليومية على الشعب الفلسطيني وحقوقه. وبالتالي، نحن أمام صورة ثلاثية الأبعاد لما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة، تقول إن تكثيف العمل لتطبيق "صفقة القرن" سيتواصل بقوة وفعالية على الأرض.
قد نكون أمام تطورات عاصفة ربما تتجاوز "صفقة القرن"، وذلك بعد الانتخابات الأميركية التي تشير الاستطلاعات فيها إلى حظوظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولاية ثانية. وهنا أتحدّث عن عمليات "ترانسفير" من الضفة الغربية المحتلة إلى المملكة الأردنية، والدفع باتجاه رضوخ الأردن لمشروع توطين الفلسطينيين، كذلك عمليات تهجير بالقوة من "المثلث - الجليل" إلى الضفة الغربية المحتلة، وفتح أبواب الهجرة إلى الدول الأوروبية بتمويل عربي، والأهم "ترويض" غزة ونزع سلاح المقاومة.
إنَّ مشروع تصفية القضية الفلسطينية لم يكن في الأدراج، كما يتمّ التّداول في بعض القراءات السياسيّة، بل لم يبرح مربع المراهنة على الخيارات الأميركية التي تبنّاها الكثيرون في الأنظمة العربية الرسمية، وبثّوها في خطابهم السياسي بعد التّقاطر لعقد اتفاقيات ثنائية مع كيان الاحتلال.
وقد شكَّلت منصّات القمم العربيّة جبل الجليد الّذي تضخّم لينتج مبادرة "السلام العربية" لتصفية قضية فلسطين، ولم تزل السلطة في رام الله تباركها. أما مبادرة الحقّ والقوة، فتتمثل في ما تركه لنا الشهيد باسل الأعرج، و"أجوبته" تكمن في استمرار المقاومة والرهان على شعبها.