ماهر الأخرس يرسم الطّريق

ماهر الأخرس يرسم لنا الطّريق، ليقول لكلّ أحرار العالم إنَّ الاحتلال ضعيف وخاوٍ من داخله.

  • هذا هو ديدن الفلسطيني الذي يتعلّم المقاومة ومقارعة الاحتلال والسجّان مع النفس منذ اليوم الأول لولادته.
    هذا هو ديدن الفلسطيني الذي يتعلّم المقاومة ومقارعة الاحتلال والسجّان مع النفس منذ اليوم الأول لولادته.

في فلسطين، لا يحتاج المرء إلى أسلحة كثيرة حتى يثبت للعدوّ ضعفه وخواءه، فهنا اعتاد الفلاح العادي البطولة، واعتادت السيدة الكبيرة التحدي، واعتاد الطفل السير وسط الجنود لزيارة والده السجين، كما اعتادت ابنة الأسير ماهر الأخرس الصراخ في وجه الحارس الذي يقف على باب المستشفى، ليعدّ نبضات قلب والدها المتباطئة بحكم مرور 3 أشهر ونيف على الإضراب عن الطعام، الذي يهدف من خلال خوضه إلى أن يحضن هذه الصّغيرة فقط.

لا يريد الأخرس أكثر من ذلك، رغم أنَّ الرسالة أبلغ بآلاف المرات، فهناك شعب بأكمله يقف الموقف ذاته ويقوم بالممارسة نفسها، التي ربما تكون اعتيادية ويومية ولا يلقي لها الفلسطيني بالاً. 

هكذا هو الشعب الفلسطيني الذي اعتاد الكفاح في كل شيء، في مأكله ومشربه ودراسته، وربما في نومه أيضاً. ففي كل لحظة، لنا مع هذا الاحتلال صولات وجولات، من حقول الزيتون التي تحوّلت إلى ساحات حرب بين الفلاحين المسالمين والمستوطنين العنصريين الفاشيين و"الجيش" الذي يحميهم، إلى حواجز الاحتلال المنتشرة في طول الأرض الفلسطينيّة وعرضها، والتي كان آخر ضحاياها شاباً ذنبه الوحيد أنه خاف من الجنود المدجّجين بالسلاح، فحاول النجاة بنفسه.

الشهيد عامر صنوبر، ابن الثامنة عشر عاماً، لم يفعل شيئاً. رغم ذلك، لاحقه الجنود وأعدموه بطريقة همجية وبربرية لا تليق حتى بعصور الظلام الأوروبية. لم يطلقوا الرصاص عليه عن بعد، بل قتلوه تعذيباً من خلال الضرب المبرح بالأحذية الفولاذية وأعقاب البنادق. 

كانوا يستطيعون مساءلته، لكنّهم لا يريدون ذلك، لأنّهم اعتادوا التّسلية بالقتل. وسبقه الشّهيد إياد الحلاق الذي كان مريضاً، ولكنَّ مرضه لم يشفع له للنجاة من لعبة القتل التي يمارسها جنود الاحتلال في كلّ مكان في هذه الأرض.

ولهذا كله، لم ينتظر ماهر الأخرس أن يموت صدفةً أو تسليةً على يد جنود الاحتلال. لقد بادروا إلى خطفه من بين أحضان أسرته لذنب لم يقترفه، ولسبب ليس محدداً، فقام بحصارهم بجوعه وأمعائه الخاوية، وهذا هو ديدن الفلسطيني الذي يتعلّم المقاومة ومقارعة الاحتلال والسجّان مع النفس منذ اليوم الأول لولادته.

ماهر الأخرس يرسم لنا الطّريق، ليقول لكلّ أحرار العالم إنَّ الاحتلال ضعيف وخاوٍ من داخله، وغير قادر بكلّ جبروته وسطوته وأسلحته النووية على إجباره على الخضوع أو الاستسلام لقراراته الظالمة.

هذه هي الطريق التي علينا جميعاً، كلّ في موقعه، أن نسلكها، لكي لا يعتاد الاحتلال اتّخاذ ما يحلو له من إجراءات وقرارات عنصريّة، فإذا لم نمتلك ما يمتلكه من أسلحة، فإنّ لدينا أسلحة أقوى! لدينا أقلامنا وكلماتنا، ولدينا صورنا، ولدينا أمعاؤنا، فنحن إن جعنا أرهقنا العدو، ولو ظنَّ أنه يحقّق الانتصارات على الأمة العربية بأكملها، لكنَّه لن يستطيع فرض إرادته على الفلسطيني الجائع والمحاصر.