هل عادت أرمينيا إلى "الحضن الروسي" مجدداً؟
عندما اندلعت الحرب الأخيرة مع أذربيجان، وجدت أرمينيا نفسها بلا حليف عكس أذربيجان التي كانت مدعومةً من تركيا، العدو التاريخي لأرمينيا.
الزيارة التي قام بها قبل أيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى العاصمة الأرمينية يريفان، و تأكيده على أن القيادة الأرمينية عازمةٌ على توطيد علاقتها مع موسكو. زكتها دعوة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، إلى توثيق التعاون العسكري مع روسيا الاتحادية.
ويبدو أن هذا التوجه الجديد للقيادة الأرمينية يعود إلى سببين الأول هو اقتناع السلطان الأرمينية بأهمية الدور الروسي في المنطقة الذي لا غنى عنه، والثاني هو خيبة أملٍ بعد الموقف الباهت للغرب إزاء الحرب ضد أذربيجان. حول إقليم ناغورنو كاراباخ.
عندما قاد نيكول باشينيان، ما سُمّي بـ"الثورة المخملية" عام 2018 المدعومة من الغرب، بُنيت سياسته على إحداث تقارب بين بلاده و الغرب، والابتعاد عن روسيا، لأنها حسب وجهة نظره سبب "تخلّف بلاده"، لكن في واقع الأمر كان الغرض هو إحداث بلبلةٍ في المجال الجيوسياسي الروسي، عبر فصل أرمينيا عن روسيا، ودفعها باتجاه الغرب، عبر عقد شراكاتٍ اقتصاديةٍ وتقديم مساعداتٍ مغربةٍ مع وعودٍ بإدخال البلاد إلى "النادي الأوروبي"، رغم تطمينه لروسيا بأن ما يحدث في أرمينيا هو عملية تغييرٍ سياسيٍ و لا يهدف إلى المسّ بالأمن القومي الروسي.
لم يستوعب نيكول ياشنيان، درس أوكرانيا جيداً، حينها ثار الأوكرانيون على الرئيس السابق يانوكوفيتش، عام 2014 بدعمٍ من الغرب - لدرجة أن السفير الأميركي في كييف كان يوزع الحلوى على المتظاهرين بالعاصمة - بعد وعودٍ بتقديم مساعداتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ لإخراج أوكرانيا من الأزمة الاقتصادية، وتسهيل عملية انضمامها إلى الفضاء الأوروبي. عندها، أدرك الروس أن الأمر في غاية الخطورة إذا لم يتحركوا فوراً، فقرروا استعادة شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عبر إرسال القوات الخاصة الروسية و السيطرة عليها، وبالتالي ضمّها نهائياً إلى روسيا، كل هذا أمام مرأى و مسمعٍ من الدول الغربية، التي اكتفت بعبارات التنديد. أما العقوبات التي فرضتها على موسكو، لم يكن ليثنيها عن مواصلة إجراءاتها في القرم.
وعندما اندلعت الحرب الأخيرة مع أذربيجان، وجدت أرمينيا نفسها بلا حليف عكس أذربيجان التي كانت مدعومةً من تركيا -العدو التاريخي لأرمينيا- التي دعمتها عسكرياً و لوجيستياً، فحتى نصوص الاتفاقية العسكرية المبرمة مع روسيا ينحصر حدود تفعيلها و تطبيقها في نطاق الأراضي الأرمينية فقط، بينما لا تدخل ناغورنو كاراباخ ضمنها. فكان أن ضاع جزء من هذا الإقليم لفائدة أذربيجان.
وإذا كانت الأزمة الأوكرانية تختلف من حيث الزمان و المكان، إلا أنّ المحصّلة الواحدة هو أن الغرب لا يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه، فكم من دول راهنت على الغرب و خذلها في لحظةٍ تكون محتاجةً له، فحتى تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على الاعتراف بإقليم "أرتساخ" (ناغورنو كاراباخ) دولة، يبقى تصويتاً رمزياً، و لا يُحدث أي أثرٍ حسب المراقبين.
من هنا، يتضح أن ضياع جزءٍ من إقليم ناغورنو كاراباخ لصالح أذربيجان، كان بفعل سوء قراءة رئيس الوزراء الأرميني للوضع الإقليمي و الدولي، مثلما لم يأخذ بعين الاعتبار موازين القوة العسكرية بينه وبين أذربيجان.
وبناءً عليه، فالدعوة إلى توثيق التعاون العسكري مع روسيا سيمكّن من إعادة بناء القوات المسلحة الأرمينية وتدريب الضباط الأرمن على يد الضباط الروس، ما سيمكّن روسيا من التغلغل أكثر داخل المؤسسة العسكرية الأرميينة، مما سيجعل أرمينيا تعتمد على روسيا في هذا المجال.
القيادة الروسية تصرفت بدهاء فقد تركت أرمينيا تخوض الحرب رغم علمها بميزان القوة العسكرية المختل لصالح أذربيجان حتى تم استنزاف قواتها، وفي اللّحظة المناسبة تدخلت عبر وساطةٍ لوقف إطلاق النار و إرسال قواتٍ عسكريةٍ روسية لحفظ السلام إلى الإقليم لفصل المتحاربين. وبالتالي عزّزت وجودها في الإقليم.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول أن أرمينيا عادت الى الحضن الروسي مجدداً، و لا يمكن لها الخروج منه مرةً أخرى فالدرس القاسي الذي أخذته في إقليم ناغورنو كاراباخ سيرخي بظلاله على المدى البعيد.