المسيحية الصهيونية وإعلان ترامب
رواد الغزوات الثقافية كانت إرساليات المستشرقين والإنغليكانيين. ولكن الغريب أنه في وقت كانت أميركا تعارض هذا الغزو الديني في محاولة منها للتأكيد على مفهوم البعد الحضاري للشعوب، غير أنه في القرن العشرين، أصبحت أميركا جزءاً من هذا الغزو الديني وأصبح الصراع مع الإسلام فيه صراع مع أميركا والغرب. وهذا الأمر يتناسب وقرار الرئيس الأميركي ويلسون إهمال نتائج لجنة كنغ كرين في العام 1919 في لبنان، التي استفتت اللبنانيين حول الانفصال عن سوريا وأهملت النتائج التي جاءت من الجنوب والشمال وبيروت والبقاع، والتي طالبت بالانضمام للدولة العربية في دمشق، ووقف وعد بلفور.
ليس المستغرب إعلان ترامب، رئيس أميركا، أنّ القدس عاصمة إسرائيل، ولكن المستغرب أن مايك بينس نائب الرئيس كان معه حين تم التصريح، بحسب البروفسور بول روجر من جامعة برادفورد من قسم دراسات السلام في الولايات المتحدة الأميريكية في مقال كتبه بعنوان: ترامب، بينس، القدس. ونشره على صفحة "opendemocracy.net". واليوم فإن الحديث عن وعد جاء بناء على عقيدة مكرسة ما بين الأميركيين المسيحيين المتصهينين ليس كلاماً جزافاً بل هو موثّق في كتاباتهم التي تتحدث عن أرض الميعاد، والوعد المرتبط بقيامة المسيح الثانية التي تؤدي إلى إبادة اليهود وتجلب معها الخلاص.
يقول روجر أن الرئيس الأميركي كان قد وعد بنقل السفارة وإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني كي يصل إلى سدة الرئاسة. ويذهب روجر ليسأل أكثر عن السبب وعما وراء وعد كهذا! فالجواب هو في "بينس" الإيرلندي الأصل والكاثوليكي الذي اعتنق المذهب الأنغليكاني كما يقول، وهو ليس الوحيد، إذ أن هناك حوالي 100 مليون أميركي هم من أتباع هذه الكنيسة الذين يعتنقون فكرة المسيحية الصهيونية. وأول من أعطى الأمل لهؤلاء كان الرئيس رونالد ريغان.
وفي مقال نشرته هآرتس بعد الإعلان بعنوان "إعلان ترامب حول القدس يصب في جوهر الصهيونية". يوضح صاحب المقال عوفري إيلاي أن القرار جاء لصالح الدبلوماسية الإسرائيلية. غير أن الصهيونية ليست فقط حركة يهودية، بل هي إيديولوجية عالمية يعتنقها ويمولها مسيحيون. ويتابع إيلاي أن الإنجاز يعترف به لصالح الكنيسة الإنغليكانية في الولايات المتحدة بقدر ما كان هدية لإسرائيل. وهو قمة أهداف رسالة كنيسة بروتستانية من أجل تحقيق رؤية العودة إلى صهيون بمساعدة اليهود. ويكمل إيلاي أنه اليوم وبعد خمسمئة عام على تأسيس الكنيسة الأنغليكانية التي تتطلع إلى القيامة الثانية للمسيح، فإن ترامب الذي فاز بأصوات الناخبين المتدينين في الجنوب والوسط الغربي لأميركا من أتباع هذه الكنيسة، فقد جلب ترامب دعم هذه الكنيسة إلى واشنطن.
ويوضح إيلاي أن هذا الأمر لا ينطبق على كل من العقيدة الكاثوليكية والأرثوذكسية. وبناء عليه يأتي كلام إيلاي ليؤكد أنه عندما احتل "اللنبي" القدس منذ مئة عام، احتفلت بعض جرائد لندن بإنجاز الإمبراطورية العظيم منذ سقوط مملكة الصليبيين في القدس. وسميت حملة اللنبي "بالحملة الصليبية الأخيرة"، أو "الصليبيين بالكاكي".
فروّاد الغزوات الثقافية كانت إرساليات المستشرقين والإنغليكانيين. ولكن الغريب أنه في وقت كانت أميركا تعارض هذا الغزو الديني في محاولة منها للتأكيد على مفهوم البعد الحضاري للشعوب، غير أنه في القرن العشرين، أصبحت أميركا جزءاً من هذا الغزو الديني وأصبح الصراع مع الإسلام فيه صراع مع أميركا والغرب. وهذا الأمر يتناسب وقرار الرئيس الأميركي ويلسون إهمال نتائج لجنة كنغ كرين في العام 1919 في لبنان، التي استفتت اللبنانيين حول الانفصال عن سوريا وأهملت النتائج التي جاءت من الجنوب والشمال وبيروت والبقاع، والتي طالبت بالانضمام للدولة العربية في دمشق، ووقف وعد بلفور.
وأكثر من ذلك، ففي مقال نشر لنيثان فين في christianitytoday.com تحت عنوان " القضية بالنسبة للمسيحية الصهيونية الجديدة". وهي قراءة حول ما كتبه جيرالد ماكديرموت في كتابه "إسرائيل تهمّنا" وذلك في 22 حزيران/ يونيو 2017، أي حوالي ستة أشهر قبل إعلان ترامب. يقول ماكديرموت، يبدو أن الإسرائيليين لا يمكن أن يقوموا بأي عمل خاطئ حتى ولو كان العالم يراقب جرائمهم بحق الفلسطينيين، لأنهم مباركون بحد ذاتهم ولأنهم شعب الله المختار. كما أنه لا يمكن اعتبار إسرائيل مخالفة للقوانين الدولية في احتلالها فلسطين أو حتى في طريقة تعاطيها مع الفلسطينيين من تهجير وقتل. ماكديرموت، الذي يوصف بأنه أحد النخبويين في الحركة المسيحية الصهيونية الحديثة، يذهب في كلامه إلى أكثر من ذلك حيث يرى أن من واجبه التبشير بأن إسرائيل ليست فقط قصة في الإنجيل ولكن هي نقطة أساسية في مستقبل الإيمان. وأن المسيح يهودي مؤمن وكذلك كان تلامذته ولم يكن ليؤسس لدين جديد. وأن المسيحية هي على تماس قوي من أجل تحقيق نبوءة الله المقدسة التي سيعطيها لإسرائيل. واليوم وبحسب القراءات فإن المسيحيين الصهاينة يعتقدون بأن الوقت قد حان لظهور المسيح الثاني التي تبدأ مع نهاية هذا العام، ويستشفه أتباع هذا المعتقد، أن الرومان الجدد هم العالم الغربي الذي يبارك نشأة دولة إسرائيل ويدعمها في كل المحافل الدولية.