أزمة في الأردن
منذ بدايات سنة 2000 م والوضع في الأردن سياسياً واقتصادياً في تراجُع مخيف، تصاعُد الجريمة والانحلال في الشارع وتسيّب الأمن، وفي الوقت ذاته تطوّر حجم النفوذ والسلطة لأصحاب القرار بدءاً من رئيس الوزراء الحالي هاني الملقي، ومروراً بالوزراء والبرلمانيين ورؤساء المؤسّسات والدوائر والمخابرات العامة والجيش بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة. فتجد رئيس الوزراء يخرج بموكب شبيه بموكب الملك، من الموظفين والمنافقين، حتى آل الأمر إلى مراسم لا يجوز تجاوزها.
ربما لا تدرك الحكومة الأردنية ردود الفعل في الشارع الأردني جرّاء إقرار مجلس الوزراء قانون التعديل الضريبي؟ وهل تعي حجم الأزمة التي سببّتها في رفع الأسعار وأهمها الخبز وكثير من السلع الغذائية؟ وهل أخذت معدّل دخل الفرد بعين الاعتبار قبل زيادة ضريبة المحروقات بمجملها؟
منذ بدايات سنة 2000 م والوضع في الأردن سياسياً واقتصادياً في تراجُع مخيف، تصاعُد الجريمة والانحلال في الشارع وتسيّب الأمن، وفي الوقت ذاته تطوّر حجم النفوذ والسلطة لأصحاب القرار بدءاً من رئيس الوزراء الحالي هاني الملقي، ومروراً بالوزراء والبرلمانيين ورؤساء المؤسّسات والدوائر والمخابرات العامة والجيش بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة. فتجد رئيس الوزراء يخرج بموكب شبيه بموكب الملك، من الموظفين والمنافقين، حتى آل الأمر إلى مراسم لا يجوز تجاوزها.
أمّا البرلمانيون المكسورون الذين يلعبون دور الدُمى الخشبية، بدل ممارسة صلاحياتهم، وما أقوى وقعها لو استُخدِمت مِمَن هم أهلٌ لها، والمذكرورن آنفاً فحالهم لا تخلتف كثيراً، فذات الموكب يرافقهم في حّلهم وترحالهم، غير أن هؤلاء غير مدفوعي الأجرة، فهم مكتفين "بالتمسّح" وتقديم الإطراء، هذا إذا أتيح لهم الرياء أيضاً.
في عام 2008 م وصل حجم التضخّم في الأردن إلى ما يُقارب ℅ 14 وفي العام الماضي بنسبة ℅ 3،33 حسب إحصائية المكتب الفدرالي الألماني للإحصاء في الشهر السالف، قد يبدو للقارئ للوهلة الأولى تحسّن الأوضاع الاقتصادية. نعم، في الدول المتقدّمة يلعب هذا المؤشّر دوراً رئيساً في تحسّن حجم الرفاهية في بلدٍ أو انخفاضه، غير أن الأمر قد يختلف اختلافاً جذرياً في الأردن.
فلو قارنا مؤشّر التضخّم في دول مثل تونس والمغرب قد تتشابهان مع الأردن من حيث البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لوجدنا النسبة في تونس لم تتجاوز الـ ℅5 رغم الظروف التي عصفت بها من انقلاب وثورة عارمة كادت أن تطيح برمّة الدولة، غير أن وعي الشعب حال رغم ما يحاك للوطن العربي وتفادى أحلك الأزمات. أما المغرب فمنذ عام 2009 بقي يتأرجح بين الأصفار وأعلاها ℅3.
انخفاض معدل التضخّم في الأردن من 14 إلى 3،33 خلال عشر سنوات لم يكن تحسّناً فعلياً، هذا لأن النسبة الأخيرة بحد ذاتها هي مؤشرٌ على تدهور الحال، فالتغيير ما هو إلاّ من مشكلة معضلة إلى معضلة. استبداد أصحاب القرار والسرقات المغطاة بشرعية الحكومة أو بمساعدات صريحة لتوغّل المتنفّذين في أموال الشعب، تارة بيع أراضي الوطن لمستثمرين أجانب بشكلٍ صريحٍ وأخرى سرقات مستثمرات وطنية بغطاء "الخصخصة" وغلاء الأسعار ورفع دعم الحكومة على معظم السلع كالوقود والكهرباء والتبغ وكثير السلع الغذائية وأهمها الخبز الذي وصل ارتفاعة إلى ℅ 100.
في نفس الوقت زاد احتياط البنك المركزي الأردني بنسبة قد تصل لثلاثة بالمئة، والمواطن بدل أن تتشابه حاله ببنك بلاده من الفائض الاحتياطي، يبدأ بالاقتراض من بداية الشهر.نحن الآن نتحدّث عن السواد الأعظم من الشعب، من الموظفين والعسكريين والشُرَط وأصحاب المصالح الصغيرة، لا عن المتنفّذين في الدولة الخونة الذين تتزايد أرصدتهم داخل الأردن وخارجه، ويشاركهم السهم كثيرٌ من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة المشتركين مع الحكومة بالقرار والسرقة.
"نحمد الله على نعمة الأمن والأمان" عبارة نردّدها دائماً ونتداولها، عبارة قد يكون المعنى منها الأمن من إسرائيل؟ من داعش؟ أو من بعض دول الجوار؟ أم من بعضنا البعض؟ هل يقترن الجوع بالأمان؟ نحن نتحدّث اليوم عن فقرٍ في الأردن، فالموظف فقير، والجيش والشُرَط وأصحاب المهن فقراء، أما العامل، فحدّث ولا حرَج من حاجة وإهمال صحي وتربوي وتعليمي وتهميش مجتمعي لا ذنب للحكومة به، بل قلّة الفهم والرجعية التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم.
أقرّ مجلس الوزراء الأردني مشروع القانون المعدّل لضريبة الدخل رقم 34 لسنة 2014م بتاريخ21/05/2018، والذي يتضمّن رفْع الضريبة على الأفراد والمؤسّسات بنِسَبٍ متفاوتة حسب الدخل، بالنسبة للأفراد فبلغ الارتفاع إلى ℅ 25 من أصل ℅22.
أما المؤسّسات، فقد خصّ القانون بعض قطاعات من دون غيرها كالبنوك والتجارة والصناعة والزراعة فارتفعت إلى ℅ 40 من ℅ 30.
وفقاً للتعديلات الحكومية المقترحة عزمها إلزام كل المواطنين ما فوق الثامنة عشر بقرار "الرقم الضريبي" وتبعاته. هذه بداية التقدّم والنهج نحو الدول المتقدّمة في جميع المجالات كالدول الأوروبية وشبيهاتها في العالم مثل اليابان، كندا، أستراليا وأمييكا. أنا أحيّي هذا القرار لما فيه منفعة للمواطن والوطن، فالرقم الضريبي يعني بالضرورة حصْر كل نِسَب الدخل عند الأفراد والمؤسّسات والتي تستوجب نسبة ضريبية تختلف بين فرد ومؤسسة ودخل وآخر، هذا مع وجود نِسَب ضرائبية ثابتة، فتخلتف النسبة عند المتزوّج مع أطفال عن الأعزب، ومن له أكثر من وظيفة في آن واحد، فتراعي الحكومة الأُسَر بنِسَبٍ أقل من الأفراد والمؤسسات، فضلاً عن تبنيّ الحكومة للأطفال منذ ولادتهم حتى تقديمهم لسوق العمل، من دراسة مجانية، ضمان اجتماعي وتأمين صحي يشترك به رئيس الدولة وعامل النظافة الكريم، فكلهم يُقدَّم لهم ذات العلاج والرعاية في "مركز الحسين للسرطان" - هذا فقط على سبيل الطرح - فالرقم الضريبي يساويه بالمقابل تأمين كامل شامل لصاحبه من الحضانة مروراً بالمدرسة وما يترتّب عليها، ودراسة جامعية مجانية وراتب يكفيه للعيش الكريم مع المسكن حتى يتمكّن من العطاء للوطن من خلال الوظيفة أو ما يُشابهها من وسائل العيش.
النهج نحو دول متقدّمة كما تفعل الأردن الآن بدءها بتنفيذ الرقم الضرائبي يتطلّب تطبيق تبعاته من حصْرٍ للعاطلين عن العمل والعَجَزة وذوي الاحتيجات الخاصة وأصحاب الدخل المتدنيّ لصرف راتب ثابت شهري لهم، وتقديم كل ما يُحصر من المبالغ الناتجة من الرقم الضريبي من جميع أفراد الوطن العاملين والمؤسّسات القائمة على تطبيق النظام الذي يكفل أمن المواطن صحياً وتعليمياً وتثقيفياً واجتماعياً ، من دخل راتب ومسكن حتى تضمن المؤسّسة والحكومة بغدٍ أفضل وليتمكّن جيلٌ بالنهوض بآخر، وليس لتغطية عجز الحكومة والمساهمة في دفع المديونية. فهل أصدرتم مع قرار رفع الضريبة والرقم الضريبي لجميع أفراد الوطن كل ما يترتّب عليه من التزامات؟
هذا إن كنتم دولة عدل تيمّماً بالدول الحرّة الآمنة المأكل والمأوى والكلمة الحرة، أم مرجعية هذا القرار من تأمين مليارات لا ذنب للمواطن بسرقتها؟ فهي في جيوب أصحاب القرار والقائمين عليه.
وهل مبلغ المئة دينار "الخَاوه" أقصد المخالفة المترتّبة على مَن لا يقدّم الكشف الضرائبي السنوي أيضاً تيمّماً بالدول الديمقراطية الناجحة اقتصادياً؟ أم هي جباية وسطوٌ ظالمٌ منكم أصحاب القرار على خبزة المواطن؟ الحكومة تفرض نسبة ضرائبية تجاوزت حد التصوّر لشعبٍ جلّه فقير والأكثر جرماً المخالفات المترتّبة عليه. إنها الوسيلة الأخيرة لجباية الأموال، ألا وهي رفع الحكومة المفلسة للضريبة، فهذا خيارها الأخير، بعد سلسلة من رفْع الأسعار ووضع رسوم على سلع مختلفة حتى لا يشعر المواطن بالضرر قريباً منه.
البلد الآن في تراجع أمني لا نظير له، وإني أرى أن الحكومة ومن أشار عليها بتوفير العجز على هذه الشاكلة فهو إما أنه يعي الشرارة التي قد تشعل الشارع وتلحق كل القائمين على هذه البلد حتى انهياره فتعمدها، أو جهلٌ مُستفحلٌ وعنجهية واستخدام هياكل همّها المصلحة الخاصة والجري لغايات لا تتجاوز مصلحة أفراد.