أردوغان ولعبة السقوط
تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المنضمّة لحلف الناتو وتطمح في الإلتحاق بالإتحاد الأوروبي وطلبها مرفوض حتى الآن.
منذ الخمسينيات ودوائر صنع القرار الأميركية ترى في الإسلام السياسي حليفاً محتملاً وجاءت مساندتهم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا من هذا المنطق بل إنهم فكّروا بعد انهيار حلف بغداد في إعادة الحلف وتسميته الحلف الإسلامي.
تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المنضمّة لحلف الناتو وتطمح في الإلتحاق بالإتحاد الأوروبي وطلبها مرفوض حتى الآن. وقد لعبت تركيا برئاسة عدنان مندريس دوراً لا يُستهان به لخدمة مراكز الإمبريالية في ذلك الوقت بين 1950و1960 حيث أنه أقام علاقات إستراتيجية مع "إسرائيل"، وهو الذي حاول غزو سوريا وحشد قواته ولكن التضامن المصري الناصري وقتها بالإضافة إلى دخول السوفيات على الخط غيّر له خططه العبثية.
وحين قامت ثورة تموز/يوليو 1958 ضد الاستعمار البريطاني والمتعاونين معه في العراق وأسقطت حلف بغداد تآمر عليها، وحين قامت دولة الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961) تآمر عليها مع آل سعود و"اسرائيل" حتى أسقطوا الوحدة.
في العام 1991 كانت تركيا ممَن شارك في فرض مناطق حظر الطيران على العراق بالإضافة الي الإشتراك في تدمير العراق وكانت الغاية احتلال الشمال العراقي لإقامة منطقة عازلة ولكن رفض الأميركي هذا الطلب، أما في العام 2003 ومع وصول حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان للسلطة وتقديم نفسه على أنه ذو مرجعية إسلامية وافق النواب على الإشتراك في غزو العراق.
ومع تمنّع ورفض رئاسة أركان الجيش التركي السابق، رفض الأميركي احتلال شمال العراق فكان الحل الوسط هو السماح للطيران الأميركي بضرب العراق ولاحقاً السماح بمرور القوات الأميركية لشمال العراق من تركيا.
كانت المساعدة الفورية من الولايات المتحدة 6 مليارات دولار عاجلة لتركيا مكافأة على موقفها هذا، ولكن أردوغان لم يقنع إذ أنه طالب بتعويض عن وقف النفط العراقي لميناء جيهان وأوعزت أميركا إلى آل سعود بتعوض تركيا ب مليارات الدولارات.
وفي العام 2004 ومع اتفاق أردوغان على قروض من صندوق النقد الدولي وقف جورج بوش في جامعة اسطنبول يقول أن تركيا هي نموذج للدولة الديمقراطية الإسلامية صاحبة العلاقات مع إسرائيل التي ينبغي تعميم نموذجه وبالفعل بدأ العمل على قدم وساق لتسويق النموذج التركي في الاقتصاد وطريقة الحياة وبدأ إعداد المسرح العربي لإشراك الإسلاميين في السلطة.
وكان عدوان تموز/يوليو 2006 على لبنان مشهداً من مشاهد إعداد المسرح وكانت تصريحات كوندليزا رايس تشي بأمنية وتخطيط عالمي لإعادة رسم خريطة المنطقة، ولم تمنع هزيمة "اسرائيل" مراكز التخطيط من المضي في الخطة البديلة لتعميم النموذج التركي الذي يريده الأميركي.
كان أردوغان طول الوقت الذي يطلب فيه من الاتحاد الآوروبي الموافقة على إنضمام تركيا إليه يهدّد أوروبا بالإتجاه شرقاً حيث مناطق النفوذ القديمة العربية. وتركيا من الدول مرتبكة الهوية فلا هي أوروبية بمنطق الرفض الأوروبي لها ولا هي شرقية بحُكم نفور الشرق منها. وكانت فكرة الخلافة العثمانية البائدة تسيطر على أردوغان وتستحوذ على تفكيره وهو يعتبرها قابلة للتكرار عن طريق حصان طروادة العربي (الإسلاميون العرب).
وحانت الفرصة في العام 2011 في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن حيث وصل الإسلاميون إلى السلطة في خضمّ الفوضي التي ضربت المنطقة وبمساعدة عسكرية من حلف شمال الأطلسي المُنخرطة تركيا فيه.
ومَن يتابع الخطاب السياسي لأردوغان ويعد مصطلح العثمانيين والخلافة العثمانية ومن يشاهد استعراض حرس الإنكشارية العثماني التمثيلي الذي أعدّ له وأخرجه يفهم كيف يفكّر الرجل وكيف تلاقت أوهامه مع الأطماع الغربية.
جاء الصمود السوري واليمني ليُعطّل كل الخطط وجاء مشهد 30 حزيران/يونيو في مصر ليُبدّد كل أوهام الخليفة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015 جاءت لحظة الحقيقة إذ أسقط الجيش التركي طائرة سوخوي روسية على الحدود السورية التركية.
وبدأت روسيا إجراءات لتأديب تركيا ورفض أردوغان الاعتذار ظناً منه أنه بما أنه عضو تابع في حلف الناتو سوف يقوم الحلف بحمايته.
لا معلومات تكشف لنا ماحدث بين أردوغان وحلفائه في الناتو وبين شركاء التآمر علي مقدّرات الوطن العربي، ولكن الواضح أنه تعرّض للخُذلان وربما للتوبيخ على فشله في سوريا واستفزاز الروس.
اعتذر الرئيس التركي في نهاية الأمر وناور بعلاقات مع روسيا وإيران أغضبت أميركا الذي فرض حماية جمركية جديدة على واردات الحديد والألومنيوم.
الإنتعاش الإقتصادي الذي توهّم الناس حدوثه نتيجة لتدفّق أموال إستثمارات خليجية وأوروبية وأميركية ونتيجة لبيع القطاع العام ونتيجة للقروض التي أخذها حانت لحظة الحقيقة للوقوف أمامها.
تسلّم أردوغان الحُكم هو وحزبه والديون 129 مليار دولار أصبحت اليوم 438 مليار دولار منها 102 مليار تستحق السداد في تشرين الأول/أكتوبر.
والإقتصاد التركي يقوم على صادرات بـ 157 مليار دولار في حين الإستيراد ب 234 مليار دولار.
يمثّل القطاع العقاري 8% من حجم الاستثمار في الإقتصاد والإتصالات 8% والزراعة 6% والتضخّم ارتفع إلى 15% والبطالة 9%.
ويملك 10% من سكان تركيا 77% من ثروات تركيا وفقدت الليرة التركية 49% من قيمتها ولا يخدعنا تكليف أميركا لقطر بتقديم مساعدة عاجلة لتركيا بـ 15 مليار دولار إذ أن العجز في ميزانية تركيا 117 مليار دولار.
أجاد أردوغان اللعب على كل الحبال إذ أوهم جمهوره المستهدَف في تركيا والبلاد العربية أنه الخليفة الجديد في حين تركيا أردوغان أكبر داعم لـ "إسرائيل"، كذلك أجاد اللعب على التناقضات بين محور المقاومة وحلف العدوان الذي هو جزء منه ورأس الحربة في العدوان على الوطن العربي ويحتل أراض عربية في سوريا والعراق ظناً منه أنه يحقّق أكبر استفادة ممكنة.
وأظن أن خروج تركيا من معسكر العدوان غير ممكن بل مستحيل حتى لو لوّح هو بالخروج وفي الوقت ذاته يتوسّل لإميركا ويقول أنتم تطلقون النار على أقدام شريك إستراتيجي لكم ساعدكم في أفغانستان.
بطبيعة الحال لم يذكر سوريا وليبيا والعراق حتى لا يُثير حفيظة أتباعه ومُريديه في الوطن العربي الذين يعتبرونه الخليفة المُنتظر.
وتلك المناورة بطلب "الأس 400" لن تتم فروسيا لا تعطي منظومة صواريخ حديثة كهذه لدولة في معسكر العدوان.
تلك التناقضات التي ظهرت بين الدولة المنخرطة في معسكر العدوان (بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات من ناحية أخرى) وبين تركيا وأميركا هي نتيجة لصمود محور المقاومة ورد فعل على إنتصاراته المُتلاحقة.
وأظن أن سقوطه شخصيآ هو أو حزبه هو الخيار الأرجح فيما تظل تركيا شريكاً إستراتيجياً في منظومة العدوان على الشعوب.
تركيا ينتظرها دور هام إذ أن أميركا لازالت تحتاجها في حصار إيران وفي تنفيذ مشروع إيذاء الصين باستخدام الإيجور المُنخرطين اليوم في العدوان على سوريا.