قطر الغائب الحاضر في قمّة الرياض
برغم غياب أيّ تحرّكٍ أميركيٍ فعلي لإنهاء الأزمة الخليجية، تبقى وحدة مجلس التعاون ولو شكلياً أمراً ضرورياً ومطلوباً في ظلّ صعوبة ما تنوي الولايات المتحدة تشكيله من تحالفٍ عسكري شرق أوسطي أو ما يُعرَف بـ"الناتو العربي".
لو لم يتمّ توجيه دعوة رسمية إلى أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني لحضور قمّة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لمرّت القمّة كأيّة جلسة للحكومة السعودية من دون تغطية إعلامية تُذكَر لها.
أثارت الإمارة الصغيرة تساؤلين قبل القمّة فأعطت الأخيرة الزُخم المنشود سعودياً، خصوصاً بعد قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ومواجهة المملكة ضغوطاً دولية أعادت "الحرب المنسيّة" على اليمن – كما تصفها منظمة العفو الدولية - إلى واجهة الأحداث من باب المفاوضات واحتماليّة الحل.
تمحورَ التساؤل الأول، حول إمكانية تلبية الأمير القَطَري الدعوة الخليجية إلى الرياض برغم عدم بروز ولو مؤشّرٍ إيجابي واحد حول انفراجٍ ما لناحية الأزمة الخليجية؟.
أمّا التساؤل الثاني والذي سيبقى مطروحاً طالما استمرّت الأزمة الخليجية فكان، هل ستنسحب قطر من مجلس التعاون الخليجي بعد انسحابها من منظّمة أوبك؟.
في التحليل، لن يُجادِل إثنان باستحالة ذهاب الأمير إلى الرياض كما سبق وفعل في الدورة الثامنة والثلاثين في الكويت التي تنشط على خط الوساطة، وربما كان ذلك مُمكناً لو انعقدت القمّة في سلطنة عُمان حيث كان يُفترَض أن تُعقَد لولا طلب الملك السعودي بن سلمان احتضان بلاده لها. وقتذاك حضر الأمير تميم وغاب معظم القادة الخليجيين (كالسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان).
ولا شك أن استحالة الحضور هذه لم تكن غائبة عن أذهان الطرف المقابل، فكلام وزير الخارجية البحريني خالد بن حمد قبل القمّة بأيامٍ كان واضحاً، "التمثيل القَطَري لا يهمّنا ووجوده من عدمه سيّان والأزمة مع قطر وصلت إلى نقطةٍ بعيدةٍ جداً لا تُحلّ بـ"حب الخشوم".
هذه النقطة البعيدة التي تحدَّث عنها الوزير البحريني ربما أشار الأمير الكويتي في كلمته الافتتاحية في القمّة إلى ما يؤجّجها، فتوجّه إلى الإعلام وحملاته مُتخوّفاً من تدمير كل ما تم بناؤه خليجياً.
ولكن ماذا عن البيان الخِتامي للقمّة الخليجية؟.
كانت الأزمة الخليجية التي اندلعت في حزيران يونيو 2017 الغائب الأول في "إعلان الرياض"، عدا الإشارة المُبطّنة لجهود الكويت لرأب الصَدْع الذي شاب العلاقات بين دول أعضاء المجلس. ولم تحضر بشكلٍ صريحٍ وواضحٍ إلا في كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمره الصحافي عقب القمّة، حيث شدَّد على ضرورة استجابة الدوحة لمطالب الدول الأربع التي سبق وأعلنت، في تشديدٍ على عدم التراجع قيد أنملة عن الشروط التعجيزية المطلوبة.
الغائب الثاني كان فكرة التحوّل من مرحلة التعاون إلى مرحلة "الاتحاد" المُقترحة من قِبَل الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز والتي تمّ ذكرُها في إعلان الكويت قبل عام فقط، إذ حلّت مكانها الإشادة بإنشاء مجالس التنسيق الثنائية بين كلٍ من السعودية والإمارات والسعودية والكويت.
في ما خصّ القضية الفلسطينية، أيضاً غاب كل الجدَل الحاصل عمّا يُحكى عن "صفقة القرن" وما تقوم به الولايات المتحدة من خطواتٍ بالغةِ الخطورة تمسّ جوهر القضية الفلسطينية وحلّها وما رافقها من تحرّكات فلسطينية على الأرض، تحديداً مسيرات العودة في قطاع غزّة التي لم تتوقّف ليوم جمعة واحد منذ انطلاقها في الواحد والثلاثين من آذار مارس الفائت. أما التطرّق إلى ملف الأونروا فكان من خلال الإشادة بالمساعدات "السخيّة" التي تقدّمها دول المجلس.
على صعيد سوريا، استبدل نصّ البيان الختامي لقمّة الرياض كلمة "الحلّ القائم على مبادىء جنيف1... " بعبارة "الحلّ السياسي القائم على مبادىء جنيف1..."، وكل ما ذكر تحت خانة "سوريا" يُظهِر أن دول المجلس وتحديداَ الرياض أصبحت في موقع المُراقِب والمُتابِع لما يحدثُ في سوريا من تطوّرات خصوصاً بعد هزيمة الفصائل المُسلّحة المحسوبة عليها هناك.
أمّا حول إمكانية انسحاب الدوحة من مجلس التعاون كما فعلت في أوبك. ربما العنصر الأهم هنا في دول الأمن المستورَد الإشارة إلى أن الانسحاب الأول لا بدّ وأن يحظى بترحيبٍ أميركي ولو ضمنياً ، إذ أن واشنطن تعتبر منظمة الدول المُصدّرة للنفط تكتلاً احتكارياً، وعليه يدور الحديث اليوم عن مشروع قانون أميركي تحت مُسمّى "نوبك" يهدف إلى إلغاء الحصانة السيادية لأعضاء أوبك تمهيداً لمُقاضاتهم في المحاكم الأميركية.
أما بالنسبة إلى مجلس التعاون الخليجي فالأمر مختلف كلياً. تنظر الولايات المتحدة إلى مجلس التعاون على أنه تحالفٌ له أهمية بوجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحاضر الأبرز في "بيان الرياض"، وعليه أيّ تصدّع قد يُصيبه قد يستدعي تدخّلاً أميركياً مباشراً لرأبه.
وبرغم غياب أيّ تحرّكٍ أميركيٍ فعلي لإنهاء الأزمة الخليجية، تبقى وحدة مجلس التعاون ولو شكلياً أمراً ضرورياً ومطلوباً في ظلّ صعوبة ما تنوي الولايات المتحدة تشكيله من تحالفٍ عسكري شرق أوسطي أو ما يُعرَف بـ"الناتو العربي".
في دراسةٍ صادِرةٍ عن معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يظهر الأخير توجّساً إسرائيلياً على أمن الكيان على المدى البعيد من إنشاء هكذا تكتل عسكري قد تتغيّر أولويّاته طبقاً للظروف.