حين يفي نصر الله بوعده

كما كان واضحاً السيد نصر الله في خطابه الأخير، لم تنطلق العملية بالضرورة من مزارع شبعا بل من حق لبنان في أي مكان من أرضه. هذا الردّ أكد على أن استهداف العمق اللبناني يقابله استهداف للعمق الإسرائيلي سواء بسواء.

حين يوفي نصر الله بوعده

وعدت المقاومة بالردّ، وأوفت بالعهد. خلاصة ما يمكن أن يقال في العملية العسكرية البطولية للسواعد المقاومة على الأراضي اللبنانية.
وفي قراءة سريعة لتوقيت وطبيعة العملية والظروف التي حفّت بها والنتائج المترتبة عليها يمكن القول:
لم يتأخر توعد المقاومة بالردّ على العدوان الاسرائيلي على لبنان ومقاوميه كما كان يظنّ كثير من الناس. كان الردّ سريعا لدرجة بدا معها وكأنه عملٌ مخططٌ له ومدروس حتى ما قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان. انجاز المقاومة العسكري اقل ما يمكن أن يقال فيه إنه استهداف مباشر ومباغت ودقيق. وقد ادى المهمة التي كُلف بها. ولو كان يريد لعمله أن يكون أوسع وأكبر لما كان عليه الأمر عسيرا. هذه اللياقة العالية في التنفيذ دلّت على جهوزية المقاومة وحرفتها الرفيعة، خاصة أنّها نُفذت، والعدو في أعلى درجات التأهب والاستعداد للعملية.
وكما كان واضحاً السيد نصر الله في خطابه الأخير، لم تنطلق العملية بالضرورة من مزارع شبعا بل من حق لبنان في أي مكان من أرضه. هذا الردّ أكد على أن استهداف العمق اللبناني يقابله استهداف للعمق الإسرائيلي سواء بسواء.
ورغم التهويل الدولي والاقليمي خارجياً، والمصحوب بمثيل له داخلياً من قبل أطراف متعددة لا ترى في حزب الله سوى ميليشيا تابعة لإيران ومتمردة على الدولة ومنتهكة لحقها في حصرية السلاح وقرار السلم والحرب، عملت المقاومة بهدوء ونفذت امرها انطلاقاً من شرعيتها.
الردّ الاسرائيلي بالقصف على المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة كان روتينيا متوقعاً كعادته. ولا يعكس رغبة اسرائيلية بالتصعيد أو المواجهة المفتوحة بقدر ما أراد منه جيش الاحتلال الاطمئنان على عدم وجود مخطط للمقاومة بعملية أوسع وأكثر تعقيداً من تلك التي حدثت، فحاول استكشاف المنطقة عبر نيرانه المكثفة خلال عملية اجلاء المصابين. وهو أمر سمحت به المقاومة كون مبادئها الاخلاقية تجيز ذلك.
موقف الدولة اللبنانية والقوى السياسية النافذة في البلد باستثناء قلة من الاصوات غير الفاعلة شعبياً، كان موحدا حول حق المقاومة في الرد. وبذلت الحكومة جهدا مقدراً للحيلولة دون أي اعتداء اسرائيلي جديد على الاراضي اللبنانية. هذا التلاحم بين المقاومة والمزاج السياسي العام في لبنان هو تقدم نوعي على سلم العلاقة السياسية بين الدولة والمقاومة بما تمثله من شريحة شعبية عريضة خاصة أن القوى الداعمة للمقاومة ترى في ممارسة العمل المقاوم حق أصيل لا يحتاج الى تفويض، وهو يجسد الثلاثية الماسية "الجيش، الشعب، المقاومة". وإذا عجزت الحكومة اللبنانية عن حماية سيادة الدولة ومواطنيها، فإن المقاومة يتوجب عليها القيام بذلك دون منّة على الدولة، ودون تجاوز على السيادة، لأن البيان الوزاري في الحكومات المتعاقبة يؤكد على شرعية المقاومة ودورها في حماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية.
الموقف الرسمي العربي غائب كعادته. وهو غالباً ما يكون خجولاً في دعم المقاومة باستثناء أصوات خليجية رسمية عزفت على وتر السيادة اللبنانية في تبرير موقفها المنحاز للرواية الإسرائيلية رغم أن العدوان الاسرائيلي على لبنان كان عدوانا مؤكدا، وفيه اعتداء واضح على الدولة والسيادة والشعب اللبناني عبر طائرات إسرائيلية مسيّرة ومفخخة حوّمت فوق بيروت والضاحية قبل أن تسقطان. إلا أن هذا التردد العربي الرسمي لم يعد يُؤسف له، ويجبر كسره الالتفاف الشعبي العربي حول حق المقاومة في النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي.
سبق للسيد حسن نصر الله أن توعّد الطائرات المسيرة الإسرائيلية في السماء اللبنانية خلال تعهده بالرد على العدوان. وبما أنه انجز وعده الأول، فلا يبدو أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية ستبقى تصول وتجول في سماء لبنان دون حذر أو مواجهة.
الأصوات الفلسطينية التي ارتفعت في المخيمات اللبنانية وفي الداخل الفلسطيني، وعبرت عنه جميع الفصائل الفلسطينية ببياناتها، والأصوات الإسلامية في دول عربية مختلفة، تؤكد على التعافي بين محور المقاومة، وإعادة اللحمة والالتفاف حول المقاومة اللبنانية وحول حزب الله باعتباره رأس حربة النضال وتاج المقاومات العربية والاسلامية في مواجهه الاحتلال رغم الاختلافات والتباينات التي وقعت بين هذه القوى في السنوات الاخيرة على خلفية الموقف من الازمة في سوريا.
في الخلاصة، أدت المقاومة دورها، واتمت واجباتها، واكدت على ثبات موقفها ومبادئها في الدفاع عن الأرض وعن المبادئ. ولم يعكر مزاجها التهويل في الداخل والخارج، ولم تخش ردّة فعل اسرائيلية ولا دولية. فقد اتكأت في عملها على الدعم الشعبي لها وعلى حقها المكفول في القانون الدولي الانساني والشرائع السماوية، وكانت شريفة في النزال والمواجهة، فلم تجرّ لبنان الى حرب ولم تتلكأ في الدفاع عنه، وقدّرت المسألة بما يحفظ الكرامة ويعيد العمل بقواعد الاشتباك مع العدو بأقل الخسائر المتوقعة.