التوغل التركي مسرحية والشعب السوري يدفع الثمن!

متى وكيف ستقرر أميركا مصير حلفائها الكرد والعرب شرق الفرات؟ وهل انتهى دورهم أم مازالوا ورقة صالحة تلوّح بها واشنطن في وجه الجميع، سوريا أولاً وتركيا ثانياً، وإيران ثالثاً؟

التوغل التركي مسرحية والشعب السوري يدفع الثمن! (أ/ف/ب)

عندما سمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنظيره التركي رجب طيب إردوغان القيام بعملياته العسكرية شرق الفرات قال له "عليك أن لا تتجاوز الخطوط الحمر هناك وإلا سأدمر اقتصادك".
كرر ترامب هذه التهديدات أكثر من مرة، وانتهى به الأمر ليلة الجمعة بالتوقيع على حزمة من العقوبات الاقتصادية التي أقرتها وزارة الخزانة بناءً على ضغوط الكونغرس، لكنه أمر بعدم تطبيقها فوراً، أي الانتظار حتى نهاية العملية العسكرية التي تهدف إلى إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كم وعلى طول الحدود السورية بطول 484 كم.
حدث ذلك من دون أن يقول لنا السيد ترامب ما الذي يخطط له بالنسبة إلى "وحدات حماية الشعب الكردية" و"قوات سوريا الديمقراطية"، مع استمرار وجود القوات الأميركية في المنطقة، أو مغادرتها لها، وفق التصريحات المتناقضة أيضاً. بقي التمثيل الرائع حديث الجميع بالتزامن مع استمرار القوات التركية في توغلها داخل الأراضي السورية من دون أي مقاومة جدية من "أعدائها" داخل سوريا وخارجها.
فقد اكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاعتراض على التوغل عبر جمل وعبارات "لطيفة" رجحت الحديث عن خطر الداعشيين بدلاً من استهداف صديقة إردوغان.
وكانت عبارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبعض زعماء دول الاتحاد الأوروبي "أكثر شدة" في حين أنهم كانوا جميعاً الحليف الأكبر لأنقرة خلال تدخلها المباشر في سوريا عند بدايات الأزمة السورية. حالهم كحال أنظمة دول الخليج المتواطئة ولسان حالها، الجامعة العربية، التي لعبت دوراً أخطر في التآمر على سوريا وتدميرها وهي الآن تتباكى من دون خجل على موقف حليفتها السابقة أنقرة التي لم تتأخر في الرد بعنف على الرياض والقاهرة، فسكتتا.
كانت المفاجئة الأكبر عندما استخدمت روسيا وأميركا حق النقض (الفيتو) ضد مسودة قرار صاغته الدول الأوروبية يدين العمليات التركية العسكرية في سوريا، من دون أن تفكر هذه الدول مجتمعة أو فرادة باتخاذ أي موقف عملي ضد أنقرة التي تستورد الأسلحة منها.
توالت المفاجآت أكبر ثم أكبر عندما منعت روسيا بمفردها بياناً لمجلس الأمن الدولي، صاغته أميركا، يدعو تركيا إلى وقف هجومها العسكري في شمال شرقي سوريا وكأن واشنطن لا تستطيع أن تمنع هذا الهجوم.
هنا تعود بنا الذاكرة إلى التوغل التركي في جرابلس في آب/أغسطس 2016 والذي جاء آنذاك برضى أميركي وموافقة روسية على إثر المصالحة بين إردوغان وبوتين. تلك الموافقة كانت كافية ليتوغل الجيش التركي ويسيطر مع عشرات الآلاف من مسلحي الفصائل المختلفة على الشريط الحدودي السوري مع تركيا من جرابلس إلى إدلب.
اكتمل الشريط مع دخول القوات التركية إلى عفرين بداية العام الماضي، وهذه المرة أيضاً بموافقة أميركية وروسية وتجاهل أوروبي. كأن الجميع متفق على فصول المسرحية الخاصة بكرد سوريا، بعد أن قدمت لهم واشنطن ما يكفي من الدعم العسكري والمالي والسياسي خلال العامين الماضيين، على الرغم من الاعتراض التركي المتكرر على اعتبار أن أنقرة ترى في وحدات حماية الشعب الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني التركي.
فصول المسرحية المثيرة هذه ما برح الشعب السوري، بكل فئاته، يدفع ثمنها منذ ثماني سنوات، والسؤال: من الذي سيسدل الستار الأحمر المخملي على نهايتها ومتى؟
من سيقنع إردوغان بالخروج من المناطق التي يسيطر عليها منذ ثلاث سنوات غرب الفرات وكيف، مع وجود عشرات الآلاف من مسلحي مختلف الفصائل ومن بينها "جبهة النصرة"، وهي مصممة للقتال ضد الرئيس بشار الأسد، الذي مازال يرى فيه إردوغان عدوه اللدود والأبدي.
من سيجبر إردوغان على سحب قواته من منطقة شرق الفرات بعد أن يتمركز فيها ويبدأ بتشييد القرى والمدن ويمدها بالخدمات التي نجح فيها غرب الفرات؟ ومع جود نحو أربعة مليون لاجئ سوري في تركيا التي لديها حساباتها العقائدية والتاريخية والاستراتيجية في سوريا.
متى وكيف ستقرر أميركا مصير حلفائها الكرد والعرب شرق الفرات؟ وهل انتهى دورهم أم مازالوا ورقة صالحة تلوّح بها واشنطن في وجه الجميع، سوريا أولاً وتركيا ثانياً، وإيران ثالثاً، ولكن عبر العراق بكل ما ينطوي عليه من معطيات خطيرة تعمل إسرائيل ومعها أميركا والسعودية للاستفادة منها بين الحين والآخر. وهذا ما شاهدناه خلال الأيام القليلة الماضية، وربما كأحد فصول المسرحية، فعسى أن تكون نهايتها سعيدة وفق مزاج كاتبها ومخرجها!
أمرٌ غريب يحدث في سوريا والمنطقة، والثمن تدفعه شعوبها المغلوب على أمرها بعد أن تحولت المسرحية إلى مسلسل أميركي من إنتاج شركات هوليوود الصهيونية.
علمنا التاريخ دائماً أن الدول والقوى الإمبريالية والصهيونية وحليفاتها الإسلامية الرجعية لم ترحم أحداً ولم تتراجع عن مؤامراتها الدموية إلا بعد تصدي المقاومين الشرفاء لها، ولولاهم لبقينا جميعاً خارج حلبة المسرح إلى الأبد!