كورونا يكشف مستور العمالة الآسيوية في الخليج
ربما تتباين الأوضاع بين الأفضل قليلاً والأسوأ قليلاً، ولكن الحقيقة أن العمالة الآسيوية في الخليج هي شكل من أشكال العبودية.
تفتح جائحة كورونا ملف العمالة الآسيوية وأوضاعها الإنسانيّة من جديد في الخليج، وهو ملف تتكشف أبعاده وتحدياته على عدة مستويات، إنسانية وأمنية واجتماعية.
ولكن البعد الإنساني الآن يفرض نفسه مع انتشار الفيروس، إذ تسجل قطر إخفاقاً إنسانياً كبيراً في التعامل مع هذا الملف، ويتفشى الفيروس بين العمال المكدسين في المنطقة الصناعية، من دون تقديم الرعاية الطبية المطلوبة، إضافة إلى أوضاعهم المتردية أصلاً، فهم ما زالوا يعملون في مواقع عملهم من دون مراعاة إجراءات الوقاية والسلامة بالدرجة المطلوبة، ما دفع منظمة العفو الدولية إلى إصدار بيان مندّد بأوضاعهم غير الإنسانية.
يتكدّس هؤلاء العمال في مبانيهم السكنيّة، ويتشارك العشرات منهم الغرف نفسها، ما يزيد الأمر سوءاً ويعرّضهم للإصابة بفيروس كورونا. وعلى اعتبار أن قطر سجّلت نسبة إصابات كبيرة خليجياً بكورونا، وخشية أن تتحول إلى بؤرة للوباء، فقد اتّخذت قرارات بتسهيل مغادرة العمال الوافدين والعودة إلى ديارهم.
من هنا، لا بد من الإشارة إلى أن ملف حقوق العمال في قطر يسجل في الأساس نقاطاً سوداء في سجل حقوق الإنسان القطري، وخصوصاً بعد استقدام آلاف العمال الآسيويين لبناء الملاعب، استعداداً لإقامة كأس العالم في الدوحة في العام 2022.
في البحرين، ظروف العمال المعيشية ليست أفضل حالاً، إلا أنها تبلي بلاء حسناً خلال مواجهة أزمة كورونا، عبر متابعة ملف العمال، ورصد الحالات المصابة، ونقل المصابين إلى الأماكن المخصصة للحجر، وتوفير الرعاية الصحية لهم، وتخصيص محجر صحي للعمال، وإجراء الفحوصات الوقائية للكشف عن حالات إصابة بينهم.
في الحقيقة، إن تكديس العمال في المباني السكنية معضلة تواجه كل دول الخليج. في الكويت، مثلاً، بات التحدي كبيراً، فبعد اكتشاف إصابة عامل هندي بالفيروس في أحد المباني التي تأوي 500 عامل، قامت وزارة الداخلية، بطلب من وزارة الصحة، بتطبيق الحجر المنزلي عليهم داخل المبنى، لمنع انتشار العدوى.
وما أثار موجة غضب كبيرة وجدلاً لافتاً هو ظهور بعض الدعوات والسلوكيات العنصرية في الكويت، إذ دعت الفنانة حياة الفهد، وهي فنانة معروفة وكبيرة خليجياً، إلى إلقائهم في الصحراء، وقالت إن النظام الصحي في الكويت لا يتحمل الضغط، فيما انتشر فيديو يبدو أنه لعاملات من الطاقم الطبي الكويتي يزدرين العمال ويصفنهم بـ"القذرين" خلال تفقدهم في المحاجر.
وقالت النائب الكويتية صفاء الهاشم على تويتر: "بعد أن وصلت الإصابات بكورونا إلى هذا العدد الكبير، والتقصي الوبائي بازدياد، فإن على الحكومة الدفع بقرار عاجل، ومن دون تردد، بترحيل كل الوافدين الذين لا يعملون ويعتبرون عمالة هامشية"، مشيرة إلى أن العمال هم أحد الأسباب الرئيسية لانتشار العدوى في بلادها.
في الإمارات، تُسجل حالات إصابة بالعشرات بين العمال من جنسيات مختلفة، إلا أن الدولة لا تعلن عن طريقة التعامل مع العمال المصابين.
وتفرض عمان شروطاً صارمة على أوضاعهم، ولكنّها ليست شروطاً إنسانية بقدر ما هي وقائية، منها توفير فريق طبي لسكن العمال، ومسافة 4 أمتار بين أسرّتهم، واستخدام العوازل في البناء لحمايتهم من الحوادث، إلا أن بعضهم ما زال يعيش في الخيام، ويعيش آخرون في المباني في منطقة يراد لها أن تكون مدينة عمالية، كما أن السعودية ليست أفضل حالاً.
ربما تتباين الأوضاع بين الأفضل قليلاً والأسوأ قليلاً، ولكن الحقيقة أن العمالة الآسيوية في الخليج هي شكل من أشكال العبودية، فالعمال يعملون في الوظائف الشاقة بأجور متدنية من دون توفير البيئة الملائمة واتباع معايير السلامة، وخصوصاً في قطاع البناء، ناهيك بتعرضهم للازدراء الاجتماعي واعتبارهم فئة أقل من غيرهم تحت عدة مسميات.
هذا وجه من أوجه هذا الملف. من زاوية أخرى، تتضخَّم العمالة الآسيوية في الخليج، لتتحوَّل إلى قنبلة موقوتة من شأن انفجارها أن يتسبَّب بكارثة، وخصوصاً أن الخليج أمام مرحلة حاسمة في مواجهة كورونا؛ هذا الوباء العالمي الذي ألقى بتبعاته على الاقتصاد العالمي.
عموماً، بلغة الأرقام، تتصدر الإمارت وقطر والكويت أعلى نسب في الوافدين، تتراوح بين 60% و80% من السكان، تليها السعودية وسلطنة عمان، إذ تقترب نسبة الوافدين إلى 50% من عدد السكان. أما البحرين، فتمثل العمالة الوافدة فيها حوالى ثلث عدد السكان.
وبمجرد أن نتخيل سيناريو انتشار فيروس كورونا بين العمال الآسيويين، في ظل ظروفهم البيئية الحالية، يمكن أن نتخيل حجم الكارثة.
من جانب آخر، لا يمكن إهمال الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية لهذا الملف. سياسياً، باتت الدول التي تعد مصدراً للعمالة تضغط على الخليجيين لمنح العمال الإقامة الدائمة، كالهند مثلاً. كما أصبح هذا الملف ورقة في يد الدول الخليجية المستفيدة من هذه العمالة، للضغط على الحلفاء، كما حصل بين السعودية وباكستان وبالعكس.
أما اجتماعياً، فلا يمكن القفز على الخلل الديموغرافي الحاصل بين نمو العمالة الأجنبية ونمو المواطنين، ما يشكّل خللاً كبيراً في شكل التركيبة السكانية لدول الخليج، وما قد يرافقه من تبعات أمنية أيضاً.
اقتصادياً، يتزايد حجم استنزاف الدول الخليجية مالياً، عبر التحويلات المالية الخارجية للمقيمين، والتي بلغت قيمتها ما يقارب 119 مليار دولار، بحسب آخر الإحصائيات.
في الواقع، تكشف جائحة كورونا مستور العمالة الآسيوية وأوضاعها غير الإنسانية في الخليج في هذه المرحلة، غير أن هذا الملف المعقّد والشائك عالق منذ عقود من دون حلول جذرية وحقيقية، على الرغم من الإجماع الخليجي على المخاطر المترتبة على بقاء الوضع على ما هو عليه، ولكن لم تتخذ خطوات جدية للحل.
هل سيتغيّر الوضع بعد كورونا؟ أشكّ في ذلك!