كيف نهزم داعش؟
لم يعد أمام العالم سوى انتظار صوت الانفجار القادم، هو ربما عجز، أو استسلام، او حتى قَبول بأمر واقع يشبه إلى حد كبير القدر المحتوم، لكنه واقع أليس كذلك! خلال شهر واحد ضرب داعش في مصر ولبنان وتركيا وفرنسا، إلى جانب ضرباته اليومية المعتادة في سوريا والعراق.
على موقع فايسبوك، نصف الكون الحديث، جرى إرسال رسائل إلى من يقطنون في باريس تطلب منهم تأكيد أنهم بخير لتنشر مباشرة على حسابهم. هذه الخدمة سميت ب Safety Check وهي أطلقت قبل مدة عند وقوع زلزال ضخم في أفغانستان، لكن أمرا مشابها لم يحصل لأهل بيروت يوم انفجار برج البراجنة الدامي، أو لأهل سوريا والعراق كل يوم، على اعتبار أن كل يوم في هذين البلدين يستحق طمأنة العالم بأن من هم هناك بخير.
لم يكتف فايسبوك بذلك إنما طرح تعديلا لصورة الحساب الشخصي مضيفا عليها علم فرنسا وذلك لإظهار عميق التعاطف مع الشعب الفرنسي ومع أهل باريس المكلومين بأضخم هجوم إرهابي في تاريخ بلادهم الحديث. لكننا أيضا نكلم كلّ يوم، وبلادنا تستحق أن يتفاعل العالم معها كل يوم مع كلّ قطرة دم تسقط، مع كلّ بكاء طفل في حارة بمدينة في بلد يستهدفه الإرهاب.
لكن ماذا عنا؟ كيف نتفاعل حقًّا مع أخبار التفجيرات والهجمات الإرهابية التي تحصل في محيطنا، كيف يشعر اللبنانيّ تجاه تفجيرات العراق اليوميّة، والمصري هل يشعر بأنه مهموم وهو يسمع عن عشرات الذي يسقطون في سوريا واليمن وليبيا كل يوم، والجزائري والتونسي والسعودي والمغربي هل يتفاعلون حقا مع أخبار قتل إخوانهم في فلسطين كما يجب ان يتفاعلوا، أم إن الموت أضحى عادة تستوجب شعورا باردا بالأسف مع زمّ الشفاه.
الواقع أننا عندما نطلب من الآخر التعاطف معنا والشعور بأزمتنا والتفاعل مع دمائنا، نحتاج أيضا لإعادة أحياء حس الأسى بدل الأسف في قلوبنا، نحتاج، كما يحتاج العالم، لنقول أمام كل حادث إرهابي إن هذا الذي يحدث هو الاستثناء وإن الأصل والقاعدة والأساس يبقى أن نعيش بسلام، وإن الإرهاب وأهله طارئون لا أصيلون، سيرحلون يوما، مهما كان بعيدا هذا اليوم، نحتاج إلى إعادة إحياء قيمنا الأصيلة وبناء جسورنا القديمة، نحتاج إلى العودة إلى برائتنا الأولى، إلى الدمعة الساخنة التي تذرفها أمّهاتنا وجداتنا عند رؤية مشهد حزين، وإن خلف التلفاز.
هي معركة قيم وأخلاق على امتداد الكوكب، لكنها بالنسبة لنا في بلادنا معركة بقاء وعلينا أن نخوضها بكلّ ما لدينا، بالسلاح والكلمة والصورة، هي معركة القلوب والعقول قبل كلّ شيء، ومعارك كهذه تحتاج في الأصل إلى نماذج مضادّة للنموذج الذي يقدّمه للعالم داعش. هذه النماذج لا يمكن أن تنجح من دون أن تستند إلى منظومة قيم وأخلاق تشبه ذاتنا الطرية، تكون جاذبة لمن ضلّ الطريق ومثبتة لمن اختار أن يقف على هذا الطرف في هذه المعركة، والأهم ّأنه لا يمكن الاعتماد على الآخرين في مثل معركة كهذه.
الشيء بالشيء يذكر، خلال إعدادي وثائقيّ عن زعيم داعش أبو بكر البغدادي التقيت عنصرًا منشقًّا عن داعش في مكان ما بالقرب من بغداد، سألته يومها كيف السبيل برأيك إلى هزيمة داعش بشكل حاسم، أجابني هو أيضا بشكل حاسم: السبيل الوحيد لذلك أن يخفف أعداء داعش من أخطائهم.