في خطابه الأخير، تساءل المحامي الشاب، ونتساءل نحن معه "متى ينتهي هذا الكابوس؟"
طارق حسين، من مواليد 15 أغسطس 1993، متخرّج في كلية
الحقوق، ويعمل في المركز المصري للحقوق السياسية والاقتصادية، كما هو واضح من إسم
المركز، فإنه يُعنى بحقوق المواطنين السياسية والاقتصادية، لكن في الظرف الحالي،
فإن المركز لا يُعنى إلا بالركض خلف المعتقلين الذين يدخلون السجون أفواجاً بسبب
منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بسبب مرورهم في أحد الطرقات التي قضى حظهم
العاثر أن يكون بها بعض القلاقل أو أحد الضبّاط الذي قد تعكّر مزاجه لأيّ سبب من
الأسباب.
لم يعمل طارق حسين في هذا المركز كمحامٍ سوى عام واحد،
وفي ظرف سنة واحدة نجح في كسب ثقة الموكلين، الذين يسألون عنه الآن بالإسم وهو
محتجز بشكل غير قانوني.
يبدو أن الاحتجاز بشكل غير قانوني أو دستوري هو قدر هذه
العائلة.
فمنذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، ألقي القبض على محمود محمّد
حسين، شقيق طارق حسين، لأنه يرتدي سترة كتب عليها "وطن بلا تعذيب"، وظلّ
قيد الحبس الاحتياطي لمدة تتجاوز المدة التي ينصّ عليها الدستور المصري. لم يُعرَض
على محكمة ولم توجّه إليه أية اتّهامات، مرّ بأهوال وتم تعذيبه حتى خرج من محبسه
على عكّاز وهو في مقتبل عمره، قُبض عليه
وهو في الثامنة عشرة، غضّ بضّ، وخرج وهو في الواحد والعشرين من عمره، على عكّاز،
وقد خطّت التجربة على وجهه أعواماً كثيرة لم يجتزها بعد. طوال فترة الحبس غير
القانوني لمحمود لم يهدأ طارق سعياً خلف حق أخيه بالقانون، وها هو محمود يسعى خلف
حق أخيه بالقانون.
ما حدث مع طارق حسين بالضبط هو الآتي:
تم القبض على طارق حسين من منزله، من دون إبداء أسباب،
فجر 17 يونيو 2017، تم احتجازه في قسم الخانكة، في صبيحة اليوم التالي الأحد 18 يونيو،
اقتيد طارق حسين للعرض على النيابة، كان محمود في انتظار طارق الذي ما أن وقعت
عينه على أخيه حتى قال له: أنا اتضربت.
قضت النيابة بإخلاء سبيل طارق حسين بكفالة 2000 جنيه
مصري، وقام طارق بدفع الكفالة، وأعيد طارق إلى قسم الخانكة كي يبدأ في إجراءات
إخلاء السبيل.
لكن بعض الضبّاط الذين كانوا اعتدوا على طارق حسين
بالضرب أثناء احتجازه، قالوا له نصاً "مش حنخليك تعيّد مع أمّك وابقى خلّي
نقابة المحامين تنفعك يا*****."
وقد كان لهم ما أرادوا.
حين عاد طارق إلى قسم الخانكة، وجد أن ضبّاط الأمن
الوطني قد أعدّوا له قائمة بالقضايا اعتماداً على تشابه اسمه مع أسماء بعض المتّهمين
في قضايا أخرى. لم يسعفهم الوقت إلا لإعداد ثلاث قضايا فقط، فتم تحويل طارق
للنيابة مرة أخرى، حيث قام المحامون بتقديم شهادة ميلاد طارق حسين، وإثبات أن
الثلاث قضايا لأشخاص آخرين، في تلك الأثناء، كان ضبّاط الأمن الوطني يقومون بإعداد
قائمة طويلة من قضايا تشابُه الأسماء لطارق، ما إن وصل قسم الخانكة مرة أخرى حتى
أخرج الضبّاط قائمة بـ11 قضية في مختلف الأحياء والمحافظات، منها قضايا تبديد
منقولات زوجية في عام 2008 وقت أن كان طارق يبلغ من العمر 15 سنة، ومنها قضايا حكم
فيها في العام 1999 وقت أن كان طارق في الخامسة من عمره، وقضية سرقة في مرسى
مطروح، وسرقة تيّار كهربائي في الإسكندرية، ومشاجرة في حيّ الظاهر، ومخالفة مبانٍ
في حيّ المرج، إلى جانب خمس قضايا تبديد منقولات زوجية في أحياء مختلفة. ده لو خط
الصعيد مش حيعمل ده كله.
من المؤكّد أن هذه القضايا لأشخاص آخرين، لإن طارق لا
يمكنه الالتحاق بنقابة المحامين قبل تقديم صحيفة سوابقه للنقابة وهي موجودة
ومحفوظة في نقابة المحامين وعليها بصماته.
حتى الآن لم يصل محام يمثّل نقابة المحامين التي قال له
أحد الضبّاط "ابقى خلّي النقابة تنفعك!".
علمنا أن النقابة يمكن أن تضمن طارق ويتم إطلاق سراحه،
لكن حتى الآن لم تتحرّك النقابة. فما الذي يعلمه ضابط الأمن الوطني عن نقابة
المحامين حتى يؤكّد بجزم أن النقابة لن "تنفعه" ثم يثبت ببيان الحال صحّة
كلامه.
في أثناء كتابة هذه السطور، يقيم طارق حسين المحامي
الحقوقي، في سيارة الترحيلات، تجوب به أقسام مصر، في أول يومين من احتجازه غير
القانوني تقيّأ دماً، لكنه أصرّ على استكمال صيامه، ولم يفطر يوماً واحداً، وقضى
العيد في سيارة الترحيلات، لا يُسمح لذويه برؤيته إلا دقيقة واحدة، لم تره والدته
منذ اعتقاله حتى الآن، قابل أخاه وسأله "متى ينتهي هذا الكابوس؟".
ببراءة وحُسن طويّة يطلب طارق من أخيه أن يتّصل بنقابة
المحامين، ويرسل معه خطابات يوجّهها للنقيب، ويتّصل أصدقاؤه بكل من له شأن في
الدولة ليعلم لماذا يتم انتهاك حياة طارق بهذا الشكل، لكن أحداً لا يُجيب.
لم نعلم حتى لماذا يشعر ضابط الأمن الوطني، الذي يسري
انتهاكه للقانون على رقاب كل من بالدولة، بكل هذه الضغينة حيال طارق حسين؟
سألني أخوه "كلّمتي فلان؟"
أجبته "ما بيردّوش في العيد.. بس ربنا بيردّ في
العيد وفي كل وقت".
ما نخشاه ويخشاه طارق أن يكون نفس الضابط جالساً في مكتبه
الآن يبحث عن قضايا باسم أي طارق حسين في الخمسة وتسعون مليون مواطن بمصر ليستقبل
المحامي طارق حسين بها بعد أن ينتهي من الـ11 قضية التي يجوب مصر عبثاً ليثبت أنه
ليس الشخص المقصود.
لطارق حسين كلمة مأثورة: الله غالب.
الله غالب يا طارق.