تدوير الاحتلال الأميركي في العراق وفخّ الحروب الدائمة
المواطن العراقي الفقير يئنّ تحت سقوف العزلة والجوع والموت، والجموع تغني تمتمة شعبية حول عيّنة الإصلاحات المُلفّقة بكونها تحوّل الزرائب إلى شقق فاخرة ومن دون ترحيل خنازير الاحتلال الأميركي.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 6 أيار 2017 14:52
هل تصلح نظرية "فخّ ثوسيديدس" لحل مشكلات العلاقة السياسية والنفسية بين المكوّنات المُغلقة؟
منذ يوم 16 تشرين الأول – 2016 ،
والحرب على قدم وساق في الموصل. بدأت و "داعش" مازالت ، ولحد الآن،
تسيطر على مساحات مهمة منها صحراء الأنبار المُتاخِمة لسوريا وتحتل مناطق مهمة، الحويجة، في جنوب محافظة التأميم "كركوك". والحكومة القائمة تخضع كلياً لجدول
الأعمال العسكري – السياسي للاحتلال الأميركي وكأنه لم يحصل تغيير جدّي في الإدارة
المُتنفّذة في واشنطن. وقد أهمل الطرفان العراقي والأميركي بشدّة لمقولة حكيمة
للمؤرّخ اليوناني الرائد "ثوسيديدس"، في القرن الخامس قبل الميلاد ،
بأن السياسي الشجاع هو مَن لديه أوضح الرؤية لما يدور حوله. ولقد تجاوز الطرفان، وتفاقم ذلك في رئاسة ترامب الحالية، السلوك اليومي لهما وفي العلاقة مع نُخبهما،
والتي تجزم بأن ارتفاع روح المسؤولية يجب أن يكون أعلى من الاتّهامات المُتبادَلة
وهو العمود الفقري للحفاظ على وحدة الموقف اليومي.
ولا شكّ أن نظريات الواقعية
السياسية"المعتوهة" لها صدى
واسع في سلوك القوى الحاكمة في العراق، والتي تتلخّص ضمن " العملية السياسية
" المُتعثّرة ، باتجاهين : الطوائفية والعرقية، وهما طرفان مُتصارعان في عصا الاحتلال الأميركي
الواحدة . كما أن الإصطفافات الداخلية باتت جزءاً من الاستقطابات الإقليمية ،
وعمليات الوصل والفصل أصبحت ذات طابع عسكري أكثر مما هي ترسيمات نظرية أو مواقف
سياسية محضة . ففي العراق الآن عدّة أنماط من "حدود " العيش والمواجهة ،
والتصريحات الصادرة ، من قِبَل رموز ما يُدعى " بالمكوّنات " هي من
شاكلة أكيده ليس جديد وجديده ليس أكيد .
لكن المُحلّل الأميركي "هال
براندس" ، فورين بوليسي 26 نيسان 2017 ، في تحديده للسِمات العامة لسياسات
"ترامب"، وخاصة العسكرية، يؤكّد بأنه لا يلتزم باستراتيجية مُعيّنة
في مُقارباته المباشرة وهي ليست مُبهمة فقط، ولكن الرئيس يتعمّد الإخفاء للحفاظ
على عنصر المفاجأة، وقد أثبت أن الاستثناء الأميركي ليس استثناء عن قوانين الحُكم
في البيت الأبيض. وهو مارس ارتفاع بمناسيب الضغط على الأعداء التقليديين للمؤسسة
الأميركية، كوريا الشمالية وسوريا وإيران، مُدّعياً أنه أستاذ في فن المواجهة ومن دون ضرورة الحصول على النتائج التي يصبو
إليها. أما "ماكس بوت"، عميد المحافظين من دون مُنازِع، فهو يُجيب
في نفس المصدر على هذه المطالعة بأن "ترامب" يعاني من انتفاخات رجاله: "أنت لا تستطيع أن تختار والديك ولا تستطيع أن تختار شريكك"، وهو يعتبر الالتزام بالعقيدة هو نوع من الآفة
اللغوية. وأن تجربة الحُكم خلال المئة يوم المنصرمة أثبتت أن مفهوم "الحكومة" هو قبض ريح وباطل الأباطيل. وأن الغوايات المُتعدّدة، التسلّطية
الشاملة والحروب الدائمة والاستباقية والانحدار نحو الحرب الأهلية التي نوّه عنها
الرئيس "ترامب" لمجمع "بلومبيرغ" ، هي المصير المُتوقّع لفلسفة ما بعد "الحقيقة" المُتفشّية
في الإعلام الأميركي .
فخّ "ثوسيديدس"
يعتبر المؤرّخ اليوناني
"ثوسيديدس"، عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، من أهم الروّاد في ميدان
التاريخ العسكري والعلوم السياسية. ويشكّل مع "نيكولو ماكيافيللي"، في
القرن الخامس عشر، و"توماس هوبز"، في القرن السابع عشر، الثلاثي المُتماسِك
في بحوث الواقعية السياسية في الحُكم والحروب. وقد كان له دور في دراسة وتدوين
الحروب البيلوبونيزية وخاصة الحرب بين أثينا – سبارطة في " 431.- 403 "
قبل الميلاد. والحلقة المركزية في نظريته السياسية – العسكرية تكمُن في أن صعود
قوى أو كيانات أو دول جديدة في ظلّ وجود قوى متينة ومسيطرة ومستقرة، قد يعني القدرة
والاستطاعة عند الجديد والحذر وتورّم الخوف عند السائد والفعّال. ما يجعل الحرب
لامندوحة من حصولها بين القوى المستقرّة والقوى الصاعدة. إن هذه الحال هي التي تفسّر
الانخراط الغرائزي الأميركي لممارسة ألعاب
الحرب مع كوريا وإيران وسوريا، والإصرار على تحويل العراق إلى قاعدة تكتونية لهذه
الحروب المتواصلة. ولقد أطلق الأكاديمي الأميركي، غراهام أليسون، في جامعة هارفارد
على هذه النظرية "فخّ ثوسيديدس" في مقالته المهمة في مجلة أتلانتك في 24
أيلول 2015. وهو يستنتج من دراسته الميدانية التاريخية لهذه النظرية ضرورة التوصّل
إلى المفاوضات مهما كانت شاقّة من أجل تجنّب الحروب المُدمّرة لكل الأطراف.
فهل تصلح نظرية "فخّ
ثوسيديدس" لحل مشكلات العلاقة السياسية والنفسية بين المكوّنات المُغلقة
والتي مرت في مرحلة النُظم الاستبدادية السابقة، وخاصة البونابرتية العسكرية، بحال "الخوف من العبودية" وها هي تمر الآن بمرحلة "عبودية الخوف"
من أية إمكانيّة شروق أمل في صعود قوى
جديدة في العراق قادرة على التغيير الحقيقي ضدّ الاحتلال ومخطّطاته. ولذلك يبدو
أن الصراع بين ما يُسمّى المكوّنات، وكما الصراع الإقليمي والعالمي، هو السبيل
الوحيد ليس فقط لتكريس امتيازاتها في السلطة والثروة وإنما أيضاً في منع القوى
الجديدة من الظهور.
يقول المُفكّر الراحل "أدوارد سعيد" في كتابه "تغطية الإسلام": " وإذا كانت العودة إلى الحرب الباردة تتضمّن على أحد
مستوياتها، في ما يبدو، الإلحاح الجديد على القوة الذاتية، فلقد أدّت أيضاً إلى
تشجيع ما برز من خِداع النفس !! ".
أما المواطن العراقي الفقير فهو يئنّ
تحت سقوف العزلة والجوع والموت، والجموع تغني تمتمة شعبية حول عيّنة الإصلاحات
المُلفّقة بكونها تحوّل الزرائب إلى شقق فاخرة ومن دون ترحيل خنازير الاحتلال
الأميركي.