من أين أتت الجماعات المسلّحة إلى ديارنا؟

إن ما جرى في بلادنا العربية خلال السنوات الست الماضية تحت عنوان زائف اسمه ثورات الربيع العربى، تحوّل اليوم إلى إرهاب عالمى مُنظّم، ومدمّر هدفه تفكيك البلاد الموحدة وفى مقدمها (مصر وسوريا)؛ لم يكن الهدف أبداً هو الحرية والديمقراطية والعدالة، وهى قِيَم عظيمة يتمنّاها كل مثقّف وكل إنسان؛ لقد كان الهدف هو التدمير والفوضى.

في مصر لكانت قد تحوّلت إلى ما يشبه السيناريو الليبي أو السوري، فوضى وخراب وحرب أهلية وجماعات تدّعي الجهاد والتديّن، يقاتل بعضها بعضاً
 إن ما جرى فى بلادنا العربية خلال السنوات الست الماضية تحت عنوان زائف اسمه ثورات الربيع العربى، تحول اليوم إلى إرهاب عالمى منظم، ومدمر هدفه تفكيك البلاد الموحدة وفى مقدمتها (مصر وسوريا)؛ لم يكن الهدف أبداً هو الحرية والديمقراطية والعدالة، وهى قيم عظيمة يتمناها كل مثقف، وكل إنسان؛ لقد كان الهدف، هو التدمير والفوضى، وهو عين ما جرى فى سوريا وليبيا والعراق، ولولا ثورة 30/6/2013 فى مصر لكانت قد تحولت إلى ما يشبه السيناريو الليبى أو السورى، فوضى، وخراب وحرب أهلية وجماعات تدعى الجهاد والتدين، يقاتل بعضها بعض بعد أن قاتلوا (الوطن) وخربوه، ولعل فى تأمل المشهد السورى، قبل انتصار الدولة السورية فى حلب وبدء تحريرها لكامل البلاد من هؤلاء الإرهابيين، نقول لعل فى تأمله ما يؤكد أننا كنا– ولانزال–أمام مؤامرة دولية وخليجية برعاية مخابراتية إسرائيلية وأمريكية، اُستخدم فيها جماعات إرهابية تدعى الإسلام والثورة، وفى دراسات إحصائية دولية وعربية مهمة صدرت عن مراكز أبحاث بعضها غير موثق بدقة، والبعض الآخر يقترب من الحقيقة ويتمتع بمصداقية عالية، ومن إحصائيات أخرى صادرة عن الحكومة السورية، كلها تؤكد أننا أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين دخلوا إلى سوريا خلال السنوات الست السابقة، وفى لقاءات سابقة لنا العديد من المئولين السوريين  خلال تلك السنوات إحداها مع الرئيس السورى بشار الأسد، أكد كما أكدت الدراسات السابقة فيها أن آلاف الإرهابيين قد قدموا إلى سوريا من العديد من البلاد العربية والأجنبية، وفى اللقاء لمح الرئيس وبابتسامة معبرة قائلاً : (إلا تلاحظون أن عدد العمليات الإرهابية بل وعدد الإرهابيين قد قل كثيراً خلال الحرب على سوريا فى أفغانستان والعديد من البلاد التى ابتليت به ... لماذا لأنهم جاءوا إلى بلادنا وكلما قضينا على مجموعة جاءت غيرها وإنهم بعشرات الآلاف).

 

 هذه الحقيقة التى ذكرها الرئيس السورى، تؤكدها العديد من مراكز الأبحاث والجهات المتخصصة، الدولية، والتى رجح بعضها الرقم الإجمالى لعدد الإرهابيين الذين دخلوا سوريا (360 ألف مسلح غير سورى) وأنهم قد قدموا بالأساس من البلاد التالية (السعودية والتى حازت على النسبة الأكبر والتى تقدر بما يقترب من 25 ألف مقاتل خلال ست سنوات) – الشيشان – تونس – مصر (خاصة فى زمن حكم الإخوان أى ما قبل 2013 وكانت الجماعة الأشهر هناك هى جماعة حازمون فى بلاد الشام نسبة إلى الداعية الإخوانى السلفى حازم أبوإسماعيل الموجود فى المعتقل الآن فى مصر) – ليبيا – تركيا (والتى مثلت البوابة الرئيسية لمرور الإرهابيين، ومثلت كذلك العون البشرى والتسليحى الرئيسى لهم – المخيمات الفلسطينية داخل سوريا وداخل لبنان – اليمن – الكويت – الجزائر – المغرب – الأردن – كازاخستان – أوزبكستان – وطبعاً قدم البعض من أفغانستان .

 من المؤكد لدينا أنه ليست هناك إحصائيات ووثائق دقيقة بنسبة ماءة فى المائة  حول عددهم، ولكن – كما أشرنا – فالمرجح أن هؤلاء المسلحين غير السوريين تجاوز عددهم عشرات الألوف، خلال السنوات الست الماضية.

 

 هذا ومن زاوية أخرى ووفقاً لتقرير مجلس الأمن الصادر عام 2016 قد وصل عدد المسلحين القادمين من دول أوروبية وأمريكية حوالى 30 ألف مقاتل من 100 دولة أبرزها روسيا – فرنسا – بريطانيا – بلجيكا – نيوزيلندا – السويد – فنلندا – الدانمارك – النرويج – الولايات المتحدة ودول أخرى، وهؤلاء المقاتلون ينتمون إلى 60 جنسية، ولقد تم التعرف عليهم أكثر بعد هزيمتهم فى (حلب) ومع معركة تحرير (الموصل) والعمليات الناجحة للجيش المصرى فى سيناء، حيث بالنسبة لتواجدهم فى - سيناء على سبيل المثال - تم اكتشاف عام 2016 وحده حوالى مائتى عنصر مقاتل (200) وهم من جنسيات سعودية وشيشانية وأوكرانية وفرنسية ويطلق عليهم (كتيبة الأنصار) وجاءوا بعد مبايعة تنظيم بيت المقدس فى سيناء لأبوبكر البغدادى وبعد أن أسمى نفسه بـ(داعش ولاية سيناء) ويقود هذه الكتيبة المدعو حارث الدقان وهو سعودى الجنسية، ودخلوا مصر على أربع دفعات، وبأسماء مزورة وبطريقة طبيعية حيث لم تكن توجد قاعدة بيانات عنهم، وهم يتواصلون مع عناصر التنظيم فى ليبيا، وفى سوريا والعراق، وثمة شبهات كبيرة عن علاقاتهم بأجهزة المخابرات التركية والقطرية والإسرائيلية، لأنها جميعاً الأكثر استفادة من عمليات استنزاف وتدمير الجيش المصرى، ومن قبله الجيشين السورى والعراقى.

 

 هذا وبالإضافة لما سبق من حقائق وأرقام فلقد أكدت العديد من المراكز المخابراتية البحثية الاستراتيجية الأجنبية المهتمة بظاهرة المقاتلين الأجانب على أهمية مقارنة عدد هؤلاء (المقاتلين) بعدد سكان كل دولة أتوا منها، وأنه ساعتها سنكتشف أن دولة مثل السعودية وتونس ولبنان والكويت، تأتى فى مكانة متقدمة فى رفد وتمويل الإرهاب المسلح فى سوريا وباقى دول المنطقة بالإرهابيين ونضيف أيضاً إلى هذه الخريطة ما ينتشر الآن فى دول أوروبا من خلايا نائمة لهذا الإرهاب سرعان ما تستيقظ.

 أما دلالة هذه الأرقام والحقائق السابقة فيمكن القول أن الدلالة الأولى فيها تتمثل فى أن إجمالى عدد الإرهابيين فى سوريا وحدها قد وصل خلال السنوات الست الماضية، وفقاً لتلك الأرقام والحقائق، إلى ما يزيد عن 360 ألف إرهابى من حوالى عشرين دولة (ثلاثمائة وستون ألف!!) ، وأن عدة آلاف آخرين ينتشرون الآن فى المناطق الساخنة فى المنطقة (سيناء المصرية – تونس – ليبيا – العراق – مالى – نيجيريا .. إلخ)، أما الدلالة الثانية فهى تؤكد على أن ما جرى فى سوريا، وكذلك فى سيناء (لأن نفس الجماعات المجرمة تعمل هناك) وفى ليبيا والعراق، لم يكن أبداً (ثورة) أو (إسلام) بل مؤامرة تم تجنيد إرهابيين من قرابة عشرين دولة إليها لكى يساهموا فى تفكيك سوريا، ومصر وليبيا، والعراق.. وغيرها من البلاد العربية المركزية؛ خدمة للمشروع الصهيونى والغربى، وعبر المال النفطى والدعم التركى، ولكن المؤامرة لم تنجح، وفشلت فى سوريا ومصر – تحديداً - رغم الأثمان الباهظة التى دُفعت؛ ونأمل أن يكون عام 2017 هو عام النهاية لهذه المؤامرة ولهؤلاء الإرهابيين الذين لم نجد ما ينطبق على قصتهم الطويلة الدامية مع المنطقة، طيلة السنوات الست الماضية، وعلى دورهم التخريبى والفوضوى ، أبلغ من قوله سبحانه وتعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً  الَذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) صدق الله العظيم (سورة الكهف آية: 103-104). لقد ظنوا، وظن محركيهم، أنهم يقيمون (ثورة) ويحسنون بها صنعاً؛ فإذا بهم يُنشئون خراباً ويضلون الطريق، ويخلقون الخراب حيثما حلوا، فكانوا وعن جدارة (الأخسرين أعمالاً) خلال سنوات هذا الربيع الزائف.