لماذا تتعثر مفاوضات المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل؟

منذ سنة ونيف تتفاوض حكومة إسرائيل مع البيت الأبيض على شروط الاتفاق القادم للمساعدات العسكرية، التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل، للسنوات العشر القادمة، ولم يصل الطرفان إلى الاتفاق بعد. في الأول من آب/ أغسطس سافر يعقوب نجال، القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل إلى الولايات المتحدة لاستكمال التفاوض الخاص بذلك، ومرة أخرى لم يوقّع الاتفاق بعد. وزارة المالية تضغط على نتنياهو عشية إقرار الميزانية للسنتين القادمتين، ولكنه يعتقد أنه يستطيع الحصول على المزيد وتحسين شروط الاتفاقية بعد انتهاء فترة أوباما.

الولايات المتحدة تقدم مساعدة عسكرية سنوية ومتواصلة لإسرائيل
يُذكر أن الولايات المتحدة تقدم مساعدة عسكرية سنوية ومتواصلة لإسرائيل منذ عام 1962، وقد بلغت خلال السنوات الأخيرة أكثر من 3.2 مليارد دولار سنوياً، يضاف إليها ما يقرّه الكونغرس بين الحين والآخر لتعويض مخازن الجيش بعد كل حملة عسكرية أو حرب تخوضها إسرائيل، أو لدعم مشروع تطوير صناعة عسكرية جديدة، ويصل هذا إلى مئات ملايين الدولارات سنوياً.

يذكر أن الكونغرس تقدم قبل أشهر مطلب وقع عليه 100 سيناتور أميركي، لإقرار مساعدة إضافية لإسرائيل بمبلغ  600 مليون دولار لعام 2017 بهدف تطوير برامج الصواريخ في إسرائيل وأمور أخرى، مما أزعج البيت الأبيض وأوباما بشكل خاص.

تنتهي الاتفاقية الحالية عام 2018، بموجبها تستطيع إسرائيل تحويل أكثر من ربع المبلغ المتفق عليه (26.3%)، أي ما يساوي أكثر من 3 مليارد شاكل سنوياً، لتشتري به أجهزة وعتاداً عسكرياً من انتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية وتطوير خطوط انتاج إسرائيلية ضمن المشاريع المشتركة. وهكذا يسهم دافع الضرائب الأميركي في تطوير شركات الصناعة العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى المساهمة في ميزانية الدولة بشكل عام.

 

علام الخلاف؟

يؤجل بيبي نتانياهو، مرة بعد أخرى، توقيع الاتفاق لأنه يرفض الشروط الأميركية الجديدة، بل ويشترط من جهته زيادة مبلغ المساعدات السنوية ليصل إلى ما يقارب 5 مليارد دولار(شحّاد وبيشرط). يدعي نتاياهو أن ايران ستزيد من قدراتها التكنولوجية والعسكرية في السنوات القادمة مع استعادة أموالها المحتجزة، بموجب الاتفاق النووي، وأن الدول السنية التي تشتري أسلحة متطورة من أميركا وفرنسا وتراكم قوتها العسكرية مقابل إيران، ستحول هذه الأسلحة، في المدى البعيد، ضد إسرائيل، وعليه يتوجب على أميركا، وفق نتانياهو، زيادة المبلغ المخصص لإسرائيل سنوياً، ومعه زيادة الحصة التي يستطيع تحويلها إلى الشاكل ليشتري بها أجهزة وعتاداً عسكرياً من الصناعات الإسرائيلية ويطور خطوط انتاج خاصة بالصناعات العسكرية الإسرائيلية.

بالمقابل، قبل البيت الأبيض رفع المبلغ السنوي إلى ما بين 4.4-3.8  للسنوات العشر القادمة على بشرطين أساسيين، الأول أن يتضمن هذا المبلغ كل المساعدات الإضافية التي يقرّها الكونغرس بين الحين والأخر، وبذلك يقطع البيت الأبيض على حكومة إسرائيل إمكانية الاستعانة بالكونغرس ضده كما حصل في السنوات الأخيرة مما زاد من توتير العلاقة بين نتانياهو وأوباما. والشرط الثاني هو خفض الحصة التي يمكن تحويلها إلى شواكل لشراء عتاد عسكري من الصناعة الإسرائيلي، تدريجياً، إلى الصفر. هذان الشرطان يزعجان بيبي نتانياهو إلى أقصى حد وخاصة الشرط الثاني، باعتبار أن مثل هذا الاجراء سيؤدي إلى تراجع الصناعة العسكرية الإسرائيلية وفقدان ألاف العاملين فيها وظائفهم، بالإضافة إلى تراجع الطموح الإسرائيلي بتطوير تكنولوجيا عسكرية بعيدا عن الهيمنة الاميركية. وفي حين أن بيبي نتانياهو يطمح لتحويل إسرائيل إلى شريك مساوٍ للولايات المتحدة ، يصرّ أوباما  والبيت الأبيض أن يحدد العلاقة بين طرفين غير متساويين وأن يوضح لإسرائيل أن "العين لا تعلو على الحاجب" وأن أميركا هي صاحبة القرار الأخير تماماً كما فعل أوباما عند توقيع الاتفاق النووي مع ايران. لا شك أن البيت الأبيض قد اكتوى بنار الكونغرس خلال المفاوضات مع ايران ويريد لهذه النار أن تشتعل مجدداً، وأن البيت الأبيض يخشى من محاولات إسرائيل وطموحها لتكون بديلاً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أو في أي مكان في العالم من خلال تطوير صناعات عسكرية بعيدة عن العين الأميركية، وعلى حساب الصناعة العسكرية الأميركية والعاملين فيها، وعليه يؤكد أوباما التزامه بأمن إسرائيل وتفوقها العسكري في الشرق الأوسط، وهذا ما ردده وفعله كل الرؤساء السابقين ويردده المرشحون للرئاسة أيضاً، أما الالتزام بالتفوق التكنولوجي فيبقى للولايات المتحدة مهما بلغت التزاماتها بأمن إسرائيل، وهذا ما أوضحه أوباما لنتانياهو خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل في آذار/ مارس 2013.

النظر بعمق إلى مضمون هذه الأزمة والمفاوضات الجارية للتغلب عيها يمكنه استنتاج ما يلي: أولاً، ازدياد الحذر لدى البيت الأبيض من العلاقات التي تنسجها حكومة إسرائيل، وخاصة بيبي نتانياهو، مع الكونغرس للتأثير على قرارات الرئيس، وأنه لا بدّ من وضع حد لذلك. ثانياً، إن الصناعات العسكرية الأميركية والعاملين فيها أولى من نظيراتها الإسرائيلية، أي أن مصلحة أميركا أولاً. وثالثاً، الموقف الأميركي الواضح بضرورة وضع حد للطموحات الإسرائيلية بتطوير تكنولوجيا عسكرية بعيدة عن العين الأميركية، وإبقاء إسرائيل وقدراتها العسكرية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسة والمصالح الأميركية الدولية أولاً.