خرافة داعش تتهاوى

معاني هزائم داعش المتتالية عميقة الدلالة، وفي أهمها أن داعش ليس القوة التي لا تقهر أو تلك القادرة على الاحتفاظ بمكاسبها الميدانية. في سوريا والعراق إضطر التنظيم إلى الإنكفاء بمرارة دفعته إلى تصفية المئات من عناصره بحجة عدم ثباتهم في الميدان. هذا السلوك وإن دل على وحشية إضافية إلا أنه يؤشر إلى أن مواجهة صلبة معه تؤدي حتماً إلى خلخلة بناه التنظيمية التي سعى جاهداً لإظهارها كما لو أنها حديدية لا تمس ولا يصيبها الهوان.

مسلسل داعش الذي تم تركيبه وفق معايير سينمائية بدأ يفقد بريقه ونجوميته
عندما روج الأميركيون بجميع مستويات مسؤوليهم السياسية والأمنية لنظرية أن القضاء على تنظيم داعش يحتاج إلى سنوات، وأنّ ما يقومون به مع الدول المتحالفة معهم ليس إلا إحتواءاً لداعش، كانوا يقصدون، وبرأي الكثير من المحللين الغربيين على وجه التحديد، تثبيت القناعة بأن هذا التنظيم صلب ومتجذر وقادر، وبالتالي ليس على الدول التي انتهك أمنها وسيادتها التعايش مع سرطان شرس، إلى أن تقضي المصلحة الأميركية بواقع مغاير .

بالتزامن كانت دول غربية مثل فرنسا وبريطانيا تغض نظرها عن مخاطر وتهديدات داعش وتكتفي بإرسال بضعة طائرات لمناوشته، وهي لا تزال على السياسة نفسها بالرغم من الضربات الدموية التي ألحقها انتحاريو التنظيم بها وصولاً إلى بلجيكا عاصمة أوروبا ومقر الحلف الأطلسي.
ساهم الغرب والإعلام على أنواعه، عن قصد ومن غير قصد، في نفخ داعش ونُسجت حوله الأساطير لكي يتحول إلى وهم مرضي لا تمكن مقاومته. كان التنظيم يعي هذه "الحقيقة" ويعمل على تكريسها بأساليبه الدعائية الناجحة كمثل شعاره "داعش باق ويتمدد" والتسجيلات المصورة الكثيفة التي تظهر جبروته وقدرته على تجاوز كل الحدود.

كل هذه الصورة المضخمة تحكمت بالرأي العام، وأدت إلى انتشار الرعب بين ملايين الناس ممن هم على تماس مباشر أو غير مباشر بالتنظيم الإرهابي، علاوة على أن هذا التركيب الخرافي لداعش ساهم بقوة في افتتان الآلاف باستراتيجيته وأهدافه وخوارقه في أبواب العنف والتحدي أمام القوى العالمية، ومسارعتهم إلى الانضمام إليه أو تأييده بأشكال مختلفة.

لكن مسلسل الداعش الذي تم تركيبه وفق معايير سينمائية على قدر كبير من الجودة بدأ يفقد بريقه ونجوميته مع تهاوي القلاع التي بناها في كل من سوريا والعراق.

الواقع أن نهراً من الدماء والتضحيات بدأ يثمر لوقف رواج "كتاب التوحش" الذي استند إليه منظرو التنظيم لإحكام قبضتهم على سوريا والعراق ومن بعدهما دول في المغرب العربي.

تدمر ومن بعدها القريتين وبعض مناطق حلب، وبالتزامن مناطق واسعة من العراق، تم انتزاعها بالقتال المستميت من أيدي داعش. مناطق حيوية تمثل أجزاء واسعة وحساسة أُبعد عنها مقاتلو التنظيم في معارك حقيقية حاول بعض الإعلام الخليجي والغربي تقزيمها لأسباب لم تعد مفهومة فعلاً.

معاني هزائم داعش المتتالية عميقة الدلالة، وفي أهمها أن داعش ليس القوة التي لا تقهر أو تلك القادرة على الاحتفاظ بمكاسبها الميدانية. في سوريا والعراق إضطر التنظيم إلى الإنكفاء بمرارة دفعته إلى تصفية المئات من عناصره بحجة عدم ثباتهم في الميدان. هذا السلوك وإن دل على وحشية إضافية إلا أنه يؤشر إلى أن مواجهة صلبة معه تؤدي حتماً إلى خلخلة بناه التنظيمية التي سعى جاهداً لإظهارها كما لو أنها حديدية لا تمس ولا يصيبها الهوان.

التقارير الغربية بدأت تتحدث عن فرار جماعي لأفراد من التنظيم تسببت بها سلسلة الهزائم. يتحدث باحثون عن انهيار لافت في معنويات المقاتلين كما في صفوف  الكادرات الوسطى.

الملفت في المعارك الأخيرة في غير منطقة عراقية وسورية هو تحطيم غالبية الهجمات الشرسة التي شنها داعش ضد مواقع الجيشين السوري والعراقي، ما يظهر نجاحاً محققاً لاستراتيجية الدفاع كما في الهجوم وتحول عميق في عقيدة القتال والصمود لدى المقاتلين في مواجهة حرب المفخخات والإنتحاريين، بعد تسجيل إنجازات معتبرة في إفشال عشرات الهجمات الإنتحارية التي يعتمد داعش عليها للتوغل والاختراق في مواقع سورية وعراقية.

خلاصة الأمر هي أن التحول النوعي في مسار الحرب بدأ يلوح، ما يوفر فرصة استثنائية أمام محور محاربة الإرهاب في الميدان لفتح الطريق أمام تحطيم الخرافة الداعشية.