وأخيراً.. ماذا تريد السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟
حين تخاطب السعودية الوهم ولسنوات - وتدّعي المصداقية - ضد الدولة السورية واليمنية ولبنان تحت مُسمّى محاربة الانتشار الإيراني في المنطقة !! هي إذن تعتقد أن هذه الدول هي مجرد ولايات أو إمارات تابعة لها بل أنها هدّدت قطر إن اشترت س400 بالحرب ، وقد نقل الصحافي الفرنسي البارز"مالبرونوت" عن مصدر فرنسي لم يسمّه "أن الملك سلمان طلب من زعماء أميركا، وفرنسا ،وبريطانيا التدخّل لإقناع قطر بالعدول عن شراء منظومة الصواريخ الروسية «إس-400».
في قصة "عجلة الماء" الطفل"جوبا" راعي البقر الذي أخبره أبوه أن اسمه هو ذات اسم الملك الشاب الذي كان يحكم مدينة "يول" التي يراها جوبا خلف الحقول، والتي تحوّلت إلى مدينة تسكنها الأرواح بدلاً من البشر، تلك هي أماني السعودية من إسرائيل ومن أميركا.
فإذا كانت السعودية تريد إسقاط حزب الله وإيران قصد الوصول إلى محور المقاومة كلّه فهي هنا أشبه بالطفل" جوبا"، وبالتأكيد هي بأدواتها وأفكارها ليست قصة "البحث عن النور الحقيقي الذي يتمثل بالصدق والنقاء" كما في قصة حيّ بن يقظان، وليست صوت الحكمة بأثرٍ رجعي لكونها جارة الحرمين الشريفين كما تعتقد، وبالتالي فإنه لا شك في منطق العقل الديني أنها تمارس – باسم الدين - الوهم بجنون. أما إن كانت تريد - وكما تدّعي - قيادة العالم الإسلامي فإنها ترتكب أكبر الأخطاء تلو الأخطاء من اليمن إلى سوريا فلبنان وعلى مدار سبعين عاماً، إنها على المستوى السياسي غير مستقلة حتى في قرارها السيادي، وإلا لما وصفها العنصري دولاند ترامب، بـ" البقرة الحلوب"، وإن كانت على المستوى الديني فإنها برفضها للرأي الآخر خارج "المذهب الوهابي" ، تُلغي أو تهدُم أسس الحوار في القرآن الكريم وتؤسّس لمذهب ديني لا علاقة له بالإسلام خارج بعض الطقوس التي تمارس باسمه، ووفقاً لرؤى تجاوزتها الأحداث هي أيضاً.
وقد تبيّن للكل أنه مذهب خارج الواقع الإسلامي ومناهض لكل تجديد يتماشى وطبيعة العصر، وقائم على مبدأ التكفير بحق أو بغير حق .. إن إسرائيل التي تحاول السعودية احتواءها بالموقف البليد من إيران لا تعلم أن إسرائيل لا صديق حتى من أولئك الذين أنشأوها، وقد تفطّن لها الآن العالم كله وإن جاء متأخراً.. مثقفون فرنسيون، بينهم مخرجون ومنتجون سينمائيون وأطباء وأساتذة جامعيون، نشروا عريضة الأسبوع الماضي في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، أعربوا فيها عن شعورهم بـ"الرعب" من القمع الدموي الإسرائيلي الأخير، في حق المتظاهرين الفلسطينيين العُزّل" وصدمتهم من ردود الفعل الدولية حيال الأحداث الأخيرة في غزّة. بينما نشرت صحيفة "لومانيتيه" الفرنسية على غلاف صفحتها الأولى"لا سجاد أحمر لمجرم الحرب، نتنياهو"، وهذا التوصيف ظلّ من المُحرّم النطق به في فرنسا لسنين عدّة "، وإلا تهمة معاداة السامية جاهزة وقاسية. وحتى في أميركا هناك رأي مهم يسير في هذا الاتجاه، والأبرز في هذه المواقف هو إلغاء المقابلة الرياضية بين فريقي الأرجنتين وإسرائيل تضامناً مع سكان غزّة، ويمثل ضربة قاسية لها ول:" دولاند ترامب" ، في مقابل هذا التحوّل في وجه الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل تقوم السعودية بالتطبيع معها وبـ "صفقة القرن" وهي الصفقة الأسوأ في التاريخ البشري لأنها تبيع ما لا تملك لمن لا يملك، ولأشرف مكان صلّى به الأنبياء جميعهم، في هذه الرؤية المقلوبة والمقبحة خاصة من أميركا التي ستهزّئ بها رئيسها ويوصفها بـ"البقرة الحلوب"..
أميركا كما يقول الكاتب بلوم" لم تكن ضد الإرهاب بالمطلق، بل كانت ضد أولئك الذين ليسوا حلفاء للإمبراطورية، وخير مثال كوبا والزعيم فيديل كاسترو"..هناك إذن، أسئلة حادة يطرحها اليوم وبقسّوة كل الفئات العربية عن غاية التطبيع الذي تقوم به السعودية والبحرين والإمارات وما المقصود منه، حتى إن هناك فزعاً في التواصل الاجتماعي للشباب السعودي من الإرهاب الذي يمارسه "محمّد بن سلمان" ضد الناشطين فيه، نقلت فايننشال تايمز البريطانية عن أحد النشطاء قوله "إن الوضع سيّئ للغاية، وإن الخوف يتملّك الجميع، إلى الحد الذي امتنعوا فيه عن التواصل مع بعضهم البعض، مضيفاً أنهم يقولون لمن لديه صلة بهم إنهم أعدوا حقائب سفرهم استعداداً لمغادرة المملكة في أي وقت" وإذا الحال داخل المملكة بهذا المستوى من الخوف فكيف هي الحال لدى الدول التي تمارس المملكة الإجرام ضدها وبشكل ربما لم يحدث في التاريخ "النموذج اليمن".
ثم إن هناك سؤالاً مطروحاً من مدة، ومتداولاً بين العامة والخاصة، هو هل السعودية دولة تحترم إمكانياتها الأخلاقية، والثقافية، والسياسية، والدينية، حتى تدّعي الوصاية على العالم العربي وبالتحديد على العالم السنّي كما تصرّح باستمرار وفي لغط غير واضح المعنى والمقصد، طالما ظلت توجّه سهام الخطايا إلى إيران أو سوريا وحتى إلى بلدي الجزائر، وطالما ظل سيف فتاوى التكفير بيد علماء هم أتباع السلطان ولو في الحرام البين، ومقولة الشيخ علي الهراوي أحد العلماء الكبار (إذا رأيتم العالم يتردّد على بيت السلطان فاتهموه في دينه)، وهي بكل أسف تمارس دور المحرّض على الفتن وتتولّى بصدق المعصية تمزيق الدول بالحروب بالوكالة، إما لأجل أميركا وإما لأجل إسرائيل، وقد طافت وفود سعودية أكثر من بلد أوروبي لأجل قرع طبول الحرب ضد إيران، أما ضد سوريا فقد قدّمت أكثر من 200 مليار دولار لأجل سداد فاتورة الحرب عليها، حتى أن المتوفى سعود الفيصل انزعج وكاد يلعن نفسه لما سمع أن"باراك أوباما" قرر عدم شنّ عدوان عسكري على سوريا، بل إن البحرين وهي العمود الجغرافي المثقوب للسعودية في المنطقة استقبلت وفوداً صهيونية، كما سافرت وفود بحرينية إلى تل أبيب، هم ليسوا ضد السياسة بمفهوم غوربتشوف" السياسة هي فن الممكن" هم ضد أنفسهم خوفاً من زوال الجواري من قصورهم وموائد الترف، إنهم يرون في تقشّف وبساطة العيش لدى حكّام إيران واليمن مصيبة نازلة عليهم، ولكن الاعتقاد الذي يراود أحلامهم بأن إسرائيل تحضّر للقيام بحربٍ بالوكالة عنهم ضد إيران لحسابهم وعلى حسابهم أيضاً مخطئون ..
إسرائيل تمارس الابتزاز السياسي والمالي لأكثر من سبعين عاماً هذا معلوم لدى كل دول العالم وربما ما تبتزه السعودية من أموال الحجاج والمعتمرين والرافضين لسياستها إن كانت لديها سياسة، ووضع العراقيل في وجه حجّاج بيت الله الحرام هو أيضاً ابتزاز ولكن بسم الدين النموذج "اليمن وسوريا و قطر .
حين تخاطب السعودية الوهم ولسنوات - وتدّعي المصداقية - ضد الدولة السورية واليمنية ولبنان تحت مُسمّى محاربة الانتشار الإيراني في المنطقة !! هي إذن تعتقد أن هذه الدول هي مجرد ولايات أو إمارات تابعة لها بل أنها هدّدت قطر إن اشترت س400 بالحرب ، وقد نقل الصحافي الفرنسي البارز"مالبرونوت" عن مصدر فرنسي لم يسمّه "أن الملك سلمان طلب من زعماء أميركا، وفرنسا ،وبريطانيا التدخّل لإقناع قطر بالعدول عن شراء منظومة الصواريخ الروسية «إس-400» فيما ذهب محمّد بن سلمان إلى تهديده بتدخل عسكري مباشر.
وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية " السعودية تهدّد بعمل عسكري ضد قطر إذا امتلكت س - 400 " ما دفع بروسيا إلى الرد على السعودية.. وتهدّد الأردن إن لم يمش معها في صفقة القرن. يقول الملك الأردني صراحة وأمام عدد من المسؤولين علناً عن الابتزاز الذي تتعرّض له بلاده حيث قد قالوا له (امشوا معنا في موضوع القدس وسنخفّف عن الأردن الأعباء الاقتصادية التي يواجهها)، وتقول مصادر أخرى إن الأردن دُعي سراً للقبول بالصيغة المطروحة (صفقة القرن) سواء أميركياً أو سعودياً، مقابل حصة مناسبة له من مشروع "نيوم"السعودي .. وتؤكد أيضاً صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، إن السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل وأميركا كان لهم دور كبير في تصاعد الأحداث والاحتجاجات التي تعمّ الأردن حالياً.. وتلك هي مأساة الفكر السياسي في السعودية.