الإمارات في مأزق الحُديدة
اقتحام المدينة عسكرياً يرسِّخ وجود الإمارات هناك، والظّفر بموطئ قدم لقوات العميد طارق - المُلتحِق بصفوفها مؤخّراً - وتمكينه من معقل وعاصمة سياسية مهمة بحجم الحُــديدة، على غِرار مدينة مأرب معقل حزب الإصلاح، خصوصاً وأن لديها "الإمارات" قوّة ضخمة على الأرض من اليمنيين شماليين وجنوبيين.
حين توجّهتْ دولة الإمارات - التي تخوض حرباً مريرة في اليمن بالتعاون مع المملكة العربية السعودية تحت عنوان إعادة الرئيس هادي إلى الحُكم في صنعاء منذ أكثر من ثلاثة أعوام - بقوّاتها العسكرية إلى محافظة" المهرة" أقصى شرق اليمن على الحدود العُمانية، كانت بحاجةٍ لمُبرّرٍ، لذلك الوجود العسكري الضخم، سيّما وهي محافظة بعيدة جداً عن ساحة العمليات القتالية وخالية من أية قوات عسكرية للحركة الحوثية يمكن أن تكون ذريعة مقبولة لذلك الانتشار العسكري الكثيف، الذي ما زال يتضاعف يوماً إثر يوم، فكان مُبرّر تهريب الصواريخ البالستية للحوثيين عبر سلطنة عُمان هو الذي ساقته أبوظبي لإنجاح تلك العملية - التي أنجزتها بنجاحٍ تام- مع أن السلطنة تنفي ذلك نفياً قاطِعاً، فضلاً عن أنه مُبرّر لا يمكن تصديقه ببساطةٍ وفقاً للمنطق العسكري وللطبيعة الجغرافية، حيث أن المسافة التي ستقطعها عملية التهريب "الافتراضية"من الحدود العُمانية إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين هي مسافة طويلة جداً قرابة 2000 كم يمكن كشفها بسهولةٍ في محافظات حضرموت المُترامية الأطراف ذات الطبيعة الصحراوية الشاسعة، والمُسيطرة عليها أصلاً قوات الشرعية الموالية للتحالف والإمارات، ومحافظة شبوة المُحاذية لمحافظة مأرب معقل "حزب الإصلاح" الموالي للتحالف، ناهيك عن استحالة أن تقدِم سلطنة عُمان المعروفة بانتهاج سياسة معتدلة ومتوازنة حيال الجميع في المنطقة وحيال جميع الأطراف المُتصارِعة في اليمن، وتتحلّى بسياسة تخلو من المُغامرات المُتهوّرة.
ومع ذلك، استطاعت الإمارات إرسال قوّاتها إلى " المهرة" والانتشار فيها وفي موانئها البحرية على بحر العرب، تلى ذلك التغلغل في المجتمع المحلي "المهري" من بوابة استمالة شخصيات قبلية وسياسية بارزة، ومن نافذة المساعدات الإنسانية، "الهلال الأحمر الإماراتي"، قبل أن تحذو حذوها المملكة السعودية التي استشعرت تجاوز الطموحات الإمارتية حدّها بالتمدّد والتسيّد على الأرض، خصوصاً وأن الإمارات كانت بوقتٍ سابقٍ قد أرسلت قوّة كبيرة أيضاً إلى جزيرة سوقطرة الاستراتيجية في بحر العرب في خطوة غير مفهومة، ليس فقط للمملكة بل لكثيرٍ من القوى اليمنية وبالذات حزب الإصلاح "إخوان اليمن"، الذي تُناصبه الإمارات العداء اللدود برغم اصطفافهما بجبهةٍ حربٍ واحدة، ويرتاب بشدّة من التحرّكات الإمارتية النشطة، التي يصفها كثير من رموزه بتصرّفات احتلال.
ومن حينها انتهى الحديث عن شيء إسمه تهريب صواريخ بالستية إيرانية في المهرة، وبقيتْ تلك القوات الهائلة في تلك المحافظة وموانئها، لتشكّل امتداداً للحضور العسكري الإماراتي على طول الشريط الساحلي اليمني حتى البحر الأحمر مروراً بعدن، التوازي مع تطلّعاتها التوسعيّة الطموحة على الضفة الأخرى - بحر العرب والبحر الأحمر والقرن الأفريقي.
اليوم الإمارات التي تحشد لعلميةٍ عسكريةٍ ضخمةٍ صوب مدينة الحُديدة الساحلية ومينائها الحيوي، جُلّها قوات يمنية شمالية من القوات المحسوبة على الرئيس السابق صالح، وجنوبية معظمها من الجماعات الجهادية السلفية المُتشدّدة وقوات تتبع الحراك الجنوبي" الثورة الجنوبية الداعية لاستعادة دول الجنوب ما قبل وحدة 90م"، تسوّق"الإمارات" ذات المُبرّر "منع تهريب الصواريخ البالستية الإيرانية للحوثيين" عبر ميناء المدينة الذي تعتبره الأمم المتحدة الشريان المُتبقّي لإيصال الغذاء لملايين اليمنيين في الشمال!
اقتحام المدينة عسكرياً يرسِّخ وجود الإمارات هناك، والظّفر بموطئ قدم لقوات العميد طارق - المُلتحِق بصفوفها مؤخّراً - وتمكينه من معقل وعاصمة سياسية مهمة بحجم الحُــديدة، على غِرار مدينة مأرب معقل حزب الإصلاح، خصوصاً وأن لديها "الإمارات" قوّة ضخمة على الأرض من اليمنيين شماليين وجنوبيين، وهي القوّة التي استطاعت أبوظبي أن تستميلها بالإغراءات المالية، والوعود السياسية، والعَزْف على الوتر الفكري الطائفي- وطيران وبحرية ضاربتين وتأييد سياسي ودعم لوجستي أميركي غربي بريطاني- إن لم تحدث هنالك مفاجأة عسكرية من قِبَل الطرف الآخر" الحوثيين" تكبح به هذه العلمية. وحيث سيكون الطرف الجنوبي - كما درجت العادة في هذه الحرب - هو الخاسِر الأكبر في هذه المعركة خصوصاً وقد وضعته الإمارات رأس حربة .. الخسارة الجنوبية ستأخذ عدّة أشكال أولها البشرية حيث أن الأشهر الماضية أثبتت أن القوّة الجنوبية هي المخزون البشري النازِف، وستمضي بها هذه العملية على ذات المنوال. ثانياً الخسارة السياسية الجنوبية التي ستكون حاضرة بقوّة، فالرِهان الجنوبي على دعم التحالف للقضية الجنوبية ومساندته بالظّفر بطموحاته السياسية التي من بينها هدف استعادة دولته السابقة، حيث سيكون التحالف في حال إن تمكّن من المضيّ صوب العُمق الشمالي قد أدار ظهره إلى حدٍ كبيرٍ بوجهِ الجنوبيين، حيث نتحدّث هنا عن القوّة الجنوبية المحسوبة على الحراك الجنوبي التحرّري" الثورة الجنوبية" المشاركة في هذه العملية، خلافاً للقوّة الجنوبية الجهادية السلفية التي لا تعترف أصلاً بالقضية الجنوبية بل وتُناصبها العداء من الزاوية الدينية البحتة.