تداعيات العدوان الإسرائيلي على البوكمال هي في الجنوب السوري
من طرفٍ خفيٍّ قد يكون أحد أهداف الغارة الإسرائيلية، ولا سيما إذا تكرّر مثلها في المستقبل، هو إرسال إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من الفصائل العسكرية المُعارِضة في المنطقة أنها على استعداد للوقوف معها ودعمها ضد الجيش السوري في أي وقت، وتأمين مظلّة لتواجدها في المنطقة سواء انسحبت القوات الأميركية أم لا.
في خطوةٍ بالغةِ الخطورة، وغير مسبوقة (في العَلَن على الأقل)، مدّ سلاحُ الجو الإسرائيلي نطاق اعتداءاته إلى أقصى نقطة في الشرق السوري على الحدود السورية العراقية. هذه الغارة اليتيمة إسرائيلياً على منطقة الهري النائية في جنوب شرق البوكمال، قد تكون هي الأمّ الشرعية للمعركة "الكُبرى" في كلٍّ من درعا والقنيطرة جنوب غرب سوريا، رغم تباعُد المسافات.
فالقذائف الإسرائيلية التي ضربت بعض نُقاط الجيش السوري وحلفائه في منطقة قريبة من طريق إيران – دمشق، لم تكن تستهدف الانخراط المباشر في الصراع المُعقّد الدائِر في الشرق السوري، بقدر ما كانت تستهدف الردّ على الإحباطِ الذي أصاب تل أبيب نتيجة إخفاقها في فرض شروطها على تسوية الوضع في "منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا". وهو ما جعلها عمليّاً تشعر بالعُري والانكشاف على الرغم من شبكة العلاقات الواسعة التي نسجتها على نوليْ واشنطن وموسكو طوال الأعوام السابقة وكانت تراهن عليها لتأمين مظلّة اقليمية ودولية تكون كفيلة بحماية مصالح أمنها القومي.
ولعلّ أكثر ما أثار مخاوِف تل أبيب وحملها على شنّ غارةٍ البوكمال هو إدراكها أن الجيش السوري بات قاب قوسين أو أدنى من إطلاق عملية عسكرية واسعة تستهدف تحرير كامل المنطقة الجنوبية شاء مَن شاء وأبى مَن أبى. فكانت الغارة بمثابةِ محاولةٍ إسرائيلية لعرقلة هذه العملية ومنعها من الانطلاق ولو من خلال خَلْطِ الأوراق في نقطةٍ نائيةٍ لم يسبق لسلاح الجو الإسرائيلي أن فكَّر باستهدافها من قبل. وقد يكون في الذهن الإسرائيلي أن توسيع الاستهدافات والوصول بها إلى ذروتها الجغرافية الممتدة من أقصى جنوب غرب سوريا إلى أقصى شمالها الشرقي، قد يُثير مخاوفَ دمشق وطهران وموسكو من الانزلاق نحو حربٍ واسعةٍ، فتتداعى هذه الأطراف أو بعضها إلى التهدئة وتبريد الموقف.
ورغم الارتباط المباشر بين فشل مفاوضات منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري، والغارة الإسرائيلية الأولى من نوعها في الشرق، فإن ذلك لا يمنع من دخولِ عوامل أخرى على الخط لتلعب دوراً في تشجيع تل أبيب على تدشين أولى غاراتها في تلك المنطقة.
وقد يكون أهم هذه العوامل على الصعيد الاستراتيجي هو عدم ثقة تل أبيب بالموقف الأميركي في ظلِّ استمرارِ الغموضِ والضبابية حول مصير القوات الأميركية المتواجدة في شمال شرق سوريا، وعمّا إذا كانت هذه القوات ستبقى هناك أم ستنسحب كما ألزم الرئيس الأميركي نفسه. لذلك تشعر تل أبيب بضرورة القيام بخطوات استباقية لفرض سياسة الأمر الواقع على بعض النقاط الحيوية بالنسبة إليها.
وفي هذا السياق تشكّل الحدود السورية العراقية من مدينة البوكمال إلى قاعدة التنف ومن ورائها منطقة الأنبار العراقية، خطاً استراتيجياً لحماية وضمان أمن العُمق الإسرائيلي، وبالتالي لا تستطيع إسرائيل تركه لمُفاجآت الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو غيره. وما قد يرفع مستوى التوتّر الإسرائيلي بالإضافة إلى ما يحدث في الجنوب السوري، هو رؤية جنود من جنسيات فرنسية وبريطانية وإيطالية تتوافد على مناطق شمال شرق سوريا في ظل احتمال أن يكون السبب هو الحلول مكان القوات الأميركية عندما يحين موعد انسحابها.
ومن طرفٍ خفيٍّ قد يكون أحد أهداف الغارة الإسرائيلية، ولا سيما إذا تكرّر مثلها في المستقبل، هو إرسال إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية وغيرها من الفصائل العسكرية المُعارِضة في المنطقة أنها على استعداد للوقوف معها ودعمها ضد الجيش السوري في أي وقت، وتأمين مظلّة لتواجدها في المنطقة سواء انسحبت القوات الأميركية أم لا.
ولم يكن خافياً أن الغارة الإسرائيلية جاءت بالتزامُن مع هجماتٍ شنّها تنظيم "داعش" وهجمات أخرى يستعد لشنّها خلال الأيام القادمة ضد الجيش السوري وحلفائه في تلك المنطقة. وهو ما يجعل تقاطُع المصالح بين داعش وإسرائيل يمتد من أقصى جنوب غرب سوريا إلى أقصى شمال الشرق ، أي بالتوازي مع امتداد المصالح الإسرائيلية نفسها. وأهم الفوائد التي يمكن أن تجنيها تل أبيب جرّاء تقاطُع المصالح هذا، هو قيام الغارات الإسرائيلية بتسهيل تحرّكات تنظيم "داعش" ومساعدته على تكثيف ضغوطه ضد مواقع الجيش في الشرق، بما يمكن أن يفضي حسب الحسابات الإسرائيلية إلى تأجيل معركة درعا والقنيطرة في الجنوب.