المقاومة ..الوجه الصلب للتغيير

أمّة شريفة تحكمها نخبة فاسدة لا يهمّها من القرار السياسي غير ما يحفظ تواجدها على هرم السلطة.. نخبة تجني من عظام شعوبها التي تسحقها الآليات الاستعمارية الجديدة، وآليات الفقر التي وضعت فيه، حاكم مصر لا يهمّه إلا نصب المشانق لمعارضيه وهو الأولى بها ، والأهم في المساحة الجغرافية المصرية .

عذاب الضمير ربما لا يقتل لكن جرحه لا يلتئم، ومنطق الأحداث هو منطق سجل التاريخ، والذين يتخلّفون عن هذا المنطق إما غير مدركين لهذا التشابك بين التاريخ والأحداث، وإما متطفلون على السياسة وبمنطق استغراقي في الأوهام.. الذين يتصوّرون أن بناء المجد على الركام البشري، وتحت مناديل الدموع طمعاً في بسط السيادة على ما هم عليه واقفون عليه، ليسوا مخطئين فحسب، بل متورّطون في صنع الأحلام بمواقف لا تحتاج إلا إلى المواجهة بصنع القرار الخالد.

المقاومة تأخذ دوماً من نزيفها، من نزيف أخطاء المؤيّدين لها ظاهرياً والمتواطئين عليها في الخفايا، تأخذ من ذلك طريقها نحو النصر، تاريخ البشرية منذ البداية صنعته المقاومة حتى حين كان الإنسان يعيش البدائية، ألم يكن يقاوم من أجل البقاء، بأدوات خشبية ثم حجرية ، ثم برونزية..؟ إن الذين ادّعوا زوراً أنهم صنّاع القرار الإقليمي، - مصر، السعودية ،بالتواطؤ مع إسرائيل - لم يفهموا بعد أن التاريخ لا تصنعه السياسة المجرّدة من نقاط الدم ومن قوّة المواجهة.. لم تكن السعودية ومصر في الأحداث الأخيرة إلا مسماراً صدئاً في وجه المقاومة، وفي وجه التاريخ، فذهبتا بأوهامها بعيداً في الأسر التاريخي، متهمة حزب الله اتهاماً لم يكن له سنده إلا ما دار في أذهانهم، مع أن التيار بقوّته يجرفهم إلى مؤخرة الأحداث. نعم...عالم يحكمه اللصوص، في وقت يدّعي فيه حكّامه، شرقاً، وغرباً، بأن أفعالهم نتاج السياسة والمنظور الفعلي للمستقبل، والحقيقة، أنهم أسوأ من أصحاب النِعال الممزّقة في بلدانهم، إنه من الصعب تصديق أيّ حاكم منهم اليوم-إلا القليل منهم- فيما يخاطبون به شعوبهم، و يرفعون أيديهم للموافقة عليه. الولايات المتحدة يحكمها متطرّفون "المحافظون الجُدد" والطاغية "دولاند ترامب" تجاوز إجرامهم، إجرام المافيا، بل إن المافيا أشرف منهم لأنها تغتال من أجل مواجهة الرأسمالية المتوحّشة، وسوء التوزيع للمناصب والأموال في مجتمعاتها. لقد فعلت إسرائيل أخطر الجرائم على الإطلاق، ومارستها على مدى سبعين سنة ولا أحد من حكّام هذا العالم نظر إلى هذه الجرائم على أنها آتية بموافقتها، ومساندتها ومساعدتها، بالقرارات الدولية التي لا تقبل التطبيق ضدها لإسرائيل..

وبالتغطية عن جرائمها إعلامياً وسياسياً، حين واجهت فرنسا الغزو الألماني لها، بالمقاومة، اتفق العالم وقتها، على أن هذه المقاومة شرعية وسعت لتأييدها بكل ما أوتيت من قوّة، بل إن الولايات المتحدة أبادت شعباً بكامله، ولم ينطق التاريخ وأصحابه بتدويل هذه الإبادة، وإظهارها سنوياً، الذين يقودون العالم من خلف الستار هم أكثر دموية من إسرائيل، ذلك أنهم يحلمون بتواجدهم دائماً في صدارة الأحداث وأن خيرات العالم يجب أن تصب في جيوبهم، وجزء منهم أمن في مجتمعاتهم، رغم كل هذا، لم يلتفت الحكام العرب في البلدان العربية إلى هذه الحقائق ويقرأونها قراءة تاريخية واعية، بل إن أغلبهم يكون قد سقط في لعبة الدم، التي تمارسها إسرائيل بخلفيات أميركية وأوروبية ، بوعي أو بغير وعي منهم ، بل إن البعض منهم صار جلاداً ضد شعبه من أجل استمرار إسرائيل في جرائمها، واستمرار أميركا في خرابها للدول العربية والإسلامية. وحال السعودية مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية لا تحتاج إلى شرح ولا إلى توضيح ولا حتى إلى قراءة في سياستها.. حكام إن نهضوا.. نهضوا بعد فوات الأوان، فماذا تفيد اجتماعات الجامعة العربية وهي عارية من الحقيقة ومملوكة لدويلات الخليج بالرشاوى لأمنائها العامين..؟ ماذا تفيد ، وقنابل "الفوسفور" أحرقت الأرض والشجر والحجر فضلاً عن الإنسان في غزّة واليمن؟ !! أن الذين رفضوا حقدها –- في بداية الحرب على غزّة كانوا على عِلم مسبق بها وبموافقتهم، وقد أكّدت هذه الحقيقة وزيرة الكيان الصهيوني" تسيبي ليفني" وقتها كما أكّده لاحقاً رئيس الصهاينة عدّة مرات... لقد رفض محمود عباس رفع دعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل ، في الوقت الذي تطالب فيه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان بذلك، لقد تآمر منذ تولّيه السلطة في الضفة ضد الفائزين في الانتخابات من حركة حماس بل إن وثيقة سرّبها ويكيليس ثؤكد بأن"...

أبو لبدة(وزير العمل والرعاية الاجتماعية آنذاك؛) طالب الرئيس الأميركي (حينها) جورج بوش الإبن بـ"القدوم لمحاربة الإرهاب هنا في فلسطين" بل وأكثر من هذا وفي وثيقة أخرى لويكيليكس، يعود تاريخها إلى الفترة التي تلت سيطرة حماس على قطاع غزّة عام 2007، طلب قادة في حركة فتح من إسرائيل مهاجمة الحركة، بحسب ما تنقله الوثيقة عن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، حينها، "يوفال ديسكن".
وذهب أبعد من هذا، حيث حوّل الأجهزة الأمنية الفلسطينية لخدمة إسرائيل، وضد شعبه وامّته. إذن، أمّة شريفة تحكمها نخبة فاسدة لا يهمّها من القرار السياسي غير ما يحفظ تواجدها على هرم السلطة.. نخبة تجني من عظام شعوبها التي تسحقها الآليات الاستعمارية الجديدة، وآليات الفقر التي وضعت فيه، حاكم مصر لا يهمّه إلا نصب المشانق لمعارضيه وهو الأولى بها ، والأهم في المساحة الجغرافية المصرية . ولكن ماذا حدث..؟ بعد تدمير العراق وتمزيقه ...؟ أغلب الظن أنهم فرحوا لذلك لأنه يخلي سبيلهم للهيمنة المفترضة على العالم العربي كما يتوهّمون، فقد جعلت السعودية نفسها الدولة الإقليمية الوحيدة في المنطقة !! وهذا هو الخطأ القاتل الذي تعيشه اليوم مهزومة إقليمياً وداخلياً، وما أرادت أن تخرج به بمواقفها ضد المقاومة وتدمير قطاع غزّة، وتصنيف حزب الله في خانة الإرهاب جاء عكس ما أرادت وربما بما هو أسوأ مبارك في زمن رئأسته ذهب إلى السعودية القطب الثاني في التوأم ضد غزّة لسبب بسيط، هو أن مصر دخلت ساحة الاعتراف بالجرائم الإسرائيلية من البداية من بوابة السعودية باعتبارها الدولة التي تحتضن الحروب الفاشلة والاقتصاديات الفاشلة.

لقد جرت السعودية مصر وقتها بمئات الملايين من الدولارات في حرب الخليج ضد العراق، واليوم "السيسي" ذهب ليستلم شيكاً آخر على مواقفه المؤيّدة لقتل حماس وبعدها سلّم أرض مصر لآل سعود، انطلاقاً من نظرية الإثم السياسي السعودي الذي به تمارس السعودية دورها التخريبي والفتاوى الملعونة للسياسة الرسمية، ثم للسياسة الأميركية في إطار ديني منحرف جاهز بسم الوهّابية. إن مصر لم تخطئ فقط في حساباتها السياسية والأخلاقية والإنسانية حين ارتمت في أحضان السياسة السعودية المبنية على الفوضى الخلاّقة والتكفير الديني، بل دخلت فعلاً ضمن المتورّطين في تدمير المنطقة العربية. وأن السعودية قد دخلت أيضاً في منطق التخلّف المطلق سياسياً ودينياً، وحلّت محلّها إيران، إيران بمواقفها السياسية المتحوّلة بسرعة تجاه الأحداث فضلا ًعن الموقف المتصلّب منها تجاه أميركا والغرب إذا أخذت الأبعاد الأميركية الاستراتيجية أمامها تصبّ في الافتراض الخاطئ ، بَيْد أن تركيا دخلت بدموع المتظاهرين في الشارع التركي في تحالف سيّئ الذكر مع إسرائيل لا أقول عذاب الضمير ولكن بأسوأ غياب له ، في حين إيران برؤيتها السياسية المتجدّدة والمواقف التاريخية لها، مواقف أدخلتها فعلاً المنطق التاريخي بالمفهوم الإقليمي كدولة لا يمكن تجاوزها في أية تسوية للنزاع الإسرائيلي الأميركي ضد المنطقة أو النزاعات المتلاحقة في المنطقة.. مؤكّد أن الذرائع التي تراهن بها مصر مع السعودية والأردن المقاومة ومن أجل صفقة القرن هي بالتأكيد عائدة عليهم جميعهم بالسوء طالما أن المقاومة لا يمكن هزيمتها، حتى وإن خسرت المعركة، هذه هي حقائق التاريخ وحقائق المقاومة عبر العصور، وحتى منظمة فتح التي راهنت على هذا المنطق هي في النهاية على هامش أي عمل مستقبلي يدفع إلى ترتيب البيت الفلسطيني.