قراءة في كتاب "الاشتراكية قِيَم لا تموت"

صدر للكاتب اليساري إسماعيل إبراهيم كتاب جديد تحت عنوان "الاشتراكية قيم لا تموت". وهو في ثنايا الكتاب الذي جاء عبارة عن تجميعات لمقولات يبدو الكاتب قد تقدّم بها إلى مؤتمرات ومحافل حول الماركسية وبعض تجارب الاشتراكية ، وخاصة في دول أميركا اللاتينية حيث عاش الرجل شطراً من حياته في كوبا ممثلاً للحزب الشيوعي اللبناني. وهناك اطلع على تجارب قوى اليسار في عدد من دول الجنوب الأميركي وصولاً إلى واقع الحرب اللبنانية ودور القوى الوطنية في مواجهة ما يسميه باليمين المسيحي في حينه.

لا فرق بين الشيوعية والاشتراكية. وإن فشلت بعض نماذجها في التطبيق، تبقى الاشتراكية بقيمها التي لا تموت. فالشيوعية نقيض الرأسمالية القائمة على استعباد الإنسان للإنسان. والعولمة النيوليبرالية هي أعلى مراحل الإمبريالية. والأخيرة لا تستطيع التعايش مع السلام. فالحرب والإرهاب يشكلان محور سياستها العالمية.
هذا ما يخلص إليه إبراهيم، حيث لا يمنعه تبنيه للشيوعية والزود عنها في تقبل النقد الموجّه لها والمساهمة فيه.
في كتابه الصادر هذا العام في بيروت عن مطبعة قبيسي في 292 صفحة من القطع المتوسط، يحاول إبراهيم الإجابة على مجموعة من الأسئلة الملحّة على شاكلة:
لماذا فشلت الشيوعية بعد سبعين عاماً من تطبيقها؟ ما الذي بقي من الشيوعية وفكرها بعد انهيار الإتحاد السوفياتي؟ وهل من تفاوت بين تجاربها المختلفة من الاتحاد السوفياتي إلى الصين إلى دول أميركا اللاتينية؟ لماذا ضمرت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي جماهيرياً؟
يرى المؤلف أنه "ليس في التاريخ فلسفه هزّت العالم كالماركسية لأنها لم تكتف كغيرها من الفلسفات بتفسير العالم بل عملت على تغييره باقتران الفعل بالعمل. لا تغيير العالم الطبيعي الذي له قوانينه التي يجعلنا فهمنا إياها قادرين على السيطرة عليها من دون تغييرها وإنما تغيير عالم الإنسان في السياسة والاقتصاد والاجتماع وما ترتب عليه في علاقات الناس من ظلم واستغلال".
ومن أوجه النقد التي وجّهها للماركسية في تطبيقاتها ذلك أن "تأميم كل أشكال الملكية وحصرها بالدولة ليس الحل الأمثل لجهة الحافز والمبادرة" وقد "بينت التجربة في كوبا أن المبالغة في المركزة لا تساعد على الإنتاجية العالية ولا على الجودة وإن ساعدت على أمساك الدولة بالكبيرة والصغيرة"
والحرب على الاشتراكية ما زالت قائمة من وجهة نظر الكاتب، "لأن الاشتراكية هي نظام النقيض والبديل للرأسمالية. والإمبريالية لم تستطع التخلص من طبيعتها العدوانية والاستغلالية ومتى تخلصت افتراضاً من هاتين الصفتين وقعت في أحضان اشتراكية ما. ففضائل الرأسمالية لا وجود لها بمعزل عن الظلم والاستغلال وعن تركيز الثروة لدى قلة من الناس وتركيز الفقر لدى الأكثرية الساحقة من الشعب".
والرأسمالية المعاصرة تدفع العالم نحو عولمة الفوضى واستباحه القوانين والأعراف الدولية وليس أقلها سعي الولايات المتحدة إلى إخراج القضية الفلسطينية من دائرة القرارات الدولية وزجّها في المفاوضات المباشرة ،حيث ميزان القوى كليّ الرجحان لصالح إسرائيل والخروج من اتفاقية باريس بشأن البيئة والاحتباس الحراري، وكذلك الخروج الانفرادي من الاتفاقية الدولية حول البرنامج النووي الإيراني ومن اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ، ومحاوله البقاء في سوريا بصورة احتلالية بعد زوال خطر داعش.
ثم إن الأنظمة الرأسمالية استفادت من الاشتراكية فقدّمت تحت ضغط نضالات الشعوب ونتائج الحرب العالمية الثانية الكثير من التقديمات والضمانات الاجتماعية للعمال وحلفائهم من الفلاحين والفقراء وسائر فئات المجتمع الفقيرة منعاً للانفجار الاجتماعي والثورة في هذا البلد أو ذاك.
عن معاناة شعوب أميركا اللاتينية من سياسيات الولايات المتحدة يرى الكاتب أن شعوب أميركا اللاتينية عانت ولا تزال أغلبيتها "تعاني من سيطرة الإمبريالية الأميركية المباشرة وغير المباشرة طيلة عدة عقود اتسمت أساساً بنهب واستغلال الثروات ودماء وجهود هذه الشعوب ، وبممارسه أبشع أنواع القهر بكافة مضامينه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، والتخريب المتعدّد الوجوه والإجرام الفردي والجماعي والتشويه الفكري والنفسي وانتهاج سياسة الإلحاق والهيمنة عبر تكثيف الوجود العسكري وتقوية دور الشركات المتعددة الجنسية مباشرة ، أو بواسطة الأدوات من الزمر العسكرية الذين تقاطعت مصالحهم الطبقية مع مصالح الإمبريالية لتشكل جميعها معالم النهج الثابت في سياسة الولايات المتحدة حيال هذه المنطقة والعالم الثالث".
ويرجع أسباب ضعف انتشار الماركسية في العالم العربي إلى عوامل عديدة منها "تبعية الأحزاب الشيوعية شبه المطلقة للسياسة السوفياتية وسيطرة الجهل والأمية على معظم سكان الأمّة العربية وتضخيم موقف الماركسية من الدين من جانب الإمبريالية وأدواتها لدى الشعوب ثقافتها السائدة ذات طابع ديني ".
ويخلص المؤلف إلى أن "الاشتراكية تتنوّع ولا تزول وهي الخيار النهائي أمام الشعوب الطامحة إلى منع استغلال الإنسان للإنسان وإقامة مجتمع العدال والسلام الاجتماعي".