المصالح الدولية في السودان.. كيف تتحرّك وما هي مآلاتها؟

هو السودان المختلف في نظر الغرب قبل إقليمه، فعلى غير العادة تجاه التدخّلات العسكرية، جاء الترحيب الغربي، فلم تحذّر القوى الغربية ولم تتحدّث بقوّة صارِمة وما اعترضت عليه بسبب مدّة السنتين في حُكم المجلس العسكري الرئاسي كان بسبب طول المدّة، كذلك لم تدعو إلى تشكيل حكومة مدنية على الفور للمرحلة الانتقالية كما درجت العادة.

لم يعد أمام البشير خيار آخر تحت ضغط تصاعد الاحتجاجات الشعبية

إن "انحياز القوات المسلّحة للشعب يأتي استجابة لرغباته في التغيير وتجسيداً لتطلّعات كل فئاته نحو حياة أفضل، ولا يُعدّ انقلاباً عسكرياً أو طمعاً في سلطة، وأن المجلس حظي بتأييد شعبي عريض، مع التزامه بوعده للشعب بتسليم السلطة". هكذا صرَّح مبعوث المجلس العسكري السوداني لأديس أبابا. وإن جاءت مطالب المهنيين السودانيين المعارضين "نريد حل المجلس العسكري واستبداله بمجلس مدني يضمّ ممثلين عن الجيش. وضرورة حل حزب المؤتمر الوطني الحاكِم سابقاً، ومحاسبة كل رموزه. وإقالة النائب العام وهيكلة مؤسّسات الدولة. مع مواصلة الاعتصام في محيط القيادة حتى تحقيق مطالب الشارع".

هو السودان المختلف في نظر الغرب قبل إقليمه، فعلى غير العادة تجاه التدخّلات العسكرية، جاء الترحيب الغربي، فلم تحذّر القوى الغربية ولم تتحدّث بقوّة صارِمة وما اعترضت عليه بسبب مدّة السنتين في حُكم المجلس العسكري الرئاسي كان بسبب طول المدّة، كذلك لم تدعو إلى تشكيل حكومة مدنية على الفور للمرحلة الانتقالية كما درجت العادة. فالبداية مع مستجدات الاتحاد الأفريقي الذي حضر سريعاً بإمكانية تعليق عضوية السودان، إذا لم يسلّم مجلسه العسكري السلطة للمدنيين في غضون 15يوماً. وجاء في بيانه أنه "إذا لم يسلّم المجلس العسكري الذي عزل البشير السلطة للمدنيين ضمن المهلة المحدّدة، فسيعلّق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في كافة أنشطته إلى حين عودة النظام الدستوري، فقيادة الجيش للمرحلة الانتقالية تتناقض تماماً مع تطلّعات الشعب السوداني".

"الشعب السوداني قال بوضوح إنه يُريد انتقالاً يقوده مدنيون، وهذا الأمر يجب أن يحصل في وقت أسرع بكثير من عامين" هكذا صرّحت الخارجية الأميركية. وفي المقابل عبّرت روسيا أنه يجب "إيجاد تسوية سلمية ديمقراطية للوضع في البلاد، مع تسوية المشاكل الداخلية بالوسائل السلمية والديمقراطية من خلال حوار وطني واسع النطاق"، فموسكو "تأمل أن تتصرّف جميع القوى السياسية السودانية، وكذلك الهيئات المسؤولة عن تنفيذ القانون، بمسؤولية كبيرة من أجل استقرار الوضع في أقرب وقت ممكن ومنع تصعيده".

تركيا أدلت بموقفها المُتحفّظ على رحيل البشير على لسان أردوغان، قائلاً "إن بلاده لديها علاقات مُتجذّرة مع السودان، وتريد مواصلتها، متمنياً للسودان الخروج من هذا الوضع بأجواء أخوية، وتفعيل المرحلة الديمقراطية بأسرع ما يمكن". وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني التي دعت إلى "نقل السلطة سريعاً إلى المدنيين، وحدها عملية سياسية موثوق بها وشاملة بإمكانها أن تلبّي تطلّعات الشعب وأن تؤدّي إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يحتاج إليها البلد".

الخارجية البريطانية دعت إلى "انتقال سريع لقيادة مدنية شاملة وممثلة للجميع، فمجلس عسكري يحكم لمدة عامين ليس الحل". كذلك المفوضية الأوروبية لم تشر إلى الحكم العسكري في مطالبتها الأطراف السودانية بتجنّب اللجوء إلى العنف، ودعت إلى "إطلاق سلسلة إصلاحات سياسية واقتصادية في البلاد من دون الإشارة إلى الحكم الذي سيقوم بهذه الإصلاحات التي تتطلب فترة طويلة في الحكم".

رغم ذلك فواقع السودان مرّ به ثلاثة رؤساء في أيام، فقد تولّى "البرهان" رئاسة المجلس العسكري الحاكم بعد أن تنازل "عوف"، الذي أطاح بـ"البشير"، بعد ثلاثة عقود في السلطة إثر احتجاجات حاشدة ضد ارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع معدّل البطالة وقمع الحريات. في الوسط فإن ما تكشفه شبكة "سي أن إن" الأميركية عن اللقاء الأخير بين البشير وقادة الأجهزة الأمنية، يدلّ على ما وصفه تجمّع المهنيين بأنه انقلاب على الانقلاب رضخ له البشير بقوله "على بركة الله" إذ لم يعد أمامه خيار آخر تحت ضغط تصاعد الاحتجاجات الشعبية من جهة وضغط قياداته العسكرية والأمنية، وربما أيضاً بعض السفارات الغربية والخليجية من جهة أخرى.

الواقع أن المُتغيّرات في السودان لا تقتصر على انتظار ردود الفعل من المتظاهرين والقوى السياسية وتجمّع المهنيين والتحالفات الأخرى، إنما تتعدّى ذلك إلى انتظار بروز التباينات الكبيرة بين كل من صغار الضباط وقيادات الجيش العسكرية وقيادة المخابرات والأمن. ففي مسعاه للحصول على تأييد داخلي واعتراف دولي، يمضي المجلس العسكري بإصدار قرارات تمسّ مجالات حيوية داخل البلاد. ويوفِد شخصيات إلى الخارج في مسعى لتوضيح خلفيات تحرّكاته، خطوات قوبِلت في الخرطوم وباقي الولايات بإعلان تجمّع المهنيين وباقي قوى إعلان الحرية والتغيير التمسّك بالاعتصام والتظاهر حتى رحيل هذا المجلس، وإن شدّدت بذلك عديد العواصم العالمية، على ضرورة تسريع نقل السلطة إلى حكومة مدنية تقود البلاد عبر المرحلة الانتقالية.

هنا تبقى جملة الأسئلة التي تطرح نفسها، هل حقّقت الديمقراطية آمال وطموحات السودانيين؟!، فالسودان يُعدّ من أكثر الشعوب الذي خاض تجارب الانتخابات الحرّة، وفي كل مرة صعد فيها نجم قادة الأحزاب السياسية التقليدية انتهى الأمر بنفس المرارات التي مهّدت الطريق للسطو على الديمقراطية وتولّي مقاليد السلطة!. فهل حقاً سيكون هناك مَن هو ملتزم بوعده بتسليم السلطة للشعب؟. هل هناك جهود تُبذَل لاختيار رئيس وزراء تمهيداً لتشكيل حكومة مدنية؟. هل الجيش لن يقوم بفضّ الاعتصامات بالقوّة في محيط وزارته؟. هل سيتم التفكيك الكامل لـ"الدولة العميقة" التي خلّفها البشير؟. هل ستتمّ محاكمة قادة النظام السابق؟.

حتى تأتي الإجابة على كل هذه الأسئلة، المشروعة وغيرها من وجهة نظر عديد الوجهات الدولية والإقليمية. نظل في فلك ضيّق، ما هي فُرَص التجاوب مع مطالب المعارضة؟، وما أهمية المواقف والضغوط الدولية في الدفع نحو تشكيل حكومة مدنية؟، وما هي الصيغ المُرجّحة للحوار والحل؟. عليه ستستمر المصالح الدولية في السودان.. فكيف ستتحرّك وما هي مآلاتها؟.. لننتظر قادم الأيام.