حصار إيران ودعم المقاومة

تواصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرسال الهدايا لصديقه الصهيوني رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي كان آخرها تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن إلغاء الإعفاء من العقوبات الذي منحته إدارة ترامب لثماني دول، في إطار مواصلة تشديد الحصار على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإرغامها على الانحناء للإدارة الأميركية.

الخطوات الأميركية تجاه إيران تخدم بصورةٍ مباشرةٍ العدو الإسرائيلي على العديد من الأصعدة، فالأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تُصنِّف إيران كتهديدٍ وجودي لكيانها، وتعتبر أن أية خطوة من شأنها الحد من قُدرات الجمهورية الإسلامية تساهم في تقليل المخاطر عليها، وأن مواصلة الضغط على إيران يعني بأن نتائجها ستنعكس على قدرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
ربما تكون لواشنطن أهداف لا تتقاطع مع دولة العدو، إلا أن الاستراتيجية الأميركية منذ نشأة الكيان الصهيوني عام 1948 هي الحفاظ على تفوّق إسرائيل في المنطقة العربية بالإضافة لإيران وتركيا من الناحية الأمنية والعسكرية، وقد حافظت الإدارات الأميركية المتعاقِبة على نفس النَهْج وعملت على تعزيزه بكافة السُبُل من دعمٍ عسكري على كافة المستويات وتطوير الأدوات القتالية والتي كان آخرها طائرات F35، ودعم المشاريع الإسرائيلية في مواجهة المقاومة كالقبّة الحديدية ومنظومة كَشْف الأنفاق وغيرها.
لكن الإدارة الحالية قد سلكت مسالك إضافية في إطار التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي وتبنّت الرؤية الإسرائيلية وعمدت إلى تطبيقها، فقد قام الرئيس الأميركي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقّع في عهد سلفه بارك أوباما، خطوة التراجُع عن الاتفاق مطلب إسرائيلي، فرئيس حكومتها نتنياهو عمل على إفشال توقيع الاتفاق، وبذل جهوداً دؤوبة في الولايات المتحدة في تحدٍ لإدارة أوباما، وقام بإلقاء خطابٍ في الكونغريس الأميركي يُحرِّض على هذا الاتفاق.
توافُق ترامب مع نتنياهو لم يتوقّف عند حدود الاتفاق النووي، بل قام ترامب بمنحه الاعتراف بالقدس موحَّدة كعاصمةٍ لإسرائيل، والاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان العربية السورية، ويعمل على منحه تفويضاً بضمّ الضفة الغربية خلال المرحلة القادمة، وقد عمل على دعم التوجّهات العربية بالتطبيع مع إسرائيل، وتحوير العَداوة في المنطقة العربية من إسرائيل لإيران.
تشديد الحصار الأميركي على إيران، ومواصلة الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، ترى أوساط قريبة من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأنها حقّقت نتائج إيجابية على الأرض من خلال التراجُع الإيراني عن بناء القواعد العسكرية في سوريا، وعدم ترميم ما يتمّ استهدافه من مواقع عسكرية وقواعد استراتيجية، كما أن ثمة إبطاء في بناء القدرات الصاروخية الدقيقة من قِبَل حزب الله في لبنان.
لكن ثمة وعي وإدراك إسرائيلي بأن ما جلبته الخطوات العقابية تجاه إيران ما هي إلا مُنجزات مرحلية، لن تغيّر في عقيدة النظام الإيراني الداِعم للمقاومة والعامِل على حصار إسرائيل من كافة الجبهات، وإعداد خطة مواجهة معها عبر دعم المقاومة الفلسطينية، وبناء قوّة عسكرية قادِرة على إيلام العدو في لبنان، وبذلها جهوداً مُضنية في بناء وتطوير مقاومة تنطلق من جبهة الجولان.
قد تكون التقديرات الإسرائيلية صحيحة في بعض الاتجاهات وخاصة في ما يتعلّق بسوريا واستهداف القواعد العسكرية هناك، إلا أنها تُدرِك بأن ما يمتلكه حزب الله في لبنان من تسليحٍ ومقدراتٍ عسكريةٍ قادرة على قلب موازين المنطقة في أية مواجهة قادمة مع العدو، كما تعي المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية بأن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسّام _الجناح العسكري لحركة حماس_ لديها من القدرة ما يمكّنها من ضرب العَصَب الأضعف لإسرائيل وهو الجبهة الداخلية.
الحصار على إيران بلا شك يؤثّر على الموارد المالية لها، ووقف الاستهداف مشروط بوقف دعم المقاومة المناوئة لإسرائيل، وعلى الرغم من التراجُع في المدخولات المالية لإيران، إلا أنها تواصل دعم المقاومة وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية، وتعمد إلى تقديمه في أحلك ظروفها، ولا أعتقد بأن الحصار مهما بلغت شدّته سيجعل الجمهورية الإسلامية تُبدِّل أولوياتها الثابتة والراسِخة منذ الثورة عام 1979.