اتفاق مراكش ما قدّم للهجرة وما أخّر
وبقدر ما حظيّ الاتفاق بالمساندة قاطعته أكثر من 40 دولة أولها الولايات المتحدة الأميركية وتشيلي التي انسحبت قبل يوم من إعلانه. كما واجه إنتقادات وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بالأكاذيب من قِبَل اليمين المتطرّف في البرازيل وإيطاليا. النمسا أيضاً أكّدت أن الاتفاق يطمس الخط الفاصِل بين الهجرة المشروعة وغير المشروعة.
لإيقاف النزيف يأتي إتفاق مراكش من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنظامية ليملأ فراغاً في مجال الهجرة على المستوى الدولي ، 160 دولة من العالم ليس بينها الولايات المتحدة شاركت بصوغ ميثاقٍ عالمي من أجل هجرة منظّمة و آمِنة، وجاء في ديباجة الورقة الأممية أن هذا الاتفاق العالمي يُعبرّ "عن التزام جماعي من أجل تحسين التعاون في مجال الهجرة الدولية ويؤكد أنها جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ وبكونها مصدراً للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة".
ومن أبرز الأهداف التي وضعها اتفاق مراكش "عدم اللجوء إلى احتجاز المهاجرين إلا كملاذٍ أخيرٍ والعمل على إيجاد بدائل وتعزيز الحماية والمساعدة على التعاون القنصلي على امتداد دورة الهجرة، بالإضافة إلى تيسير حصول المهاجرين على الخدمات الأساسية بسنّ قوانين تكفل ألا يشوب تقديم الخدمات تمييزاً ضدّهم"، كما يهدف الاتفاق إلى منع الاتّجار بالبشر إضافة إلى تقديم الدعم اللازم للمهاجرين.
ورغم ما يتضمّنه الاتفاق من فصول تُعتَبر من الأساسيات في مجال احترام حقوق الإنسان، إلا أنه يُعتَبر ميثاقاً غير مُلزِم من الناحية القانونية، أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة قال إن "هذا الاتفاق و باحترامٍ تامٍ لسيادة الدول يُحدّد إطاراً عاماً لتعاونٍ دولي و مطلوب لمواجهة التحدّي الكبير الذي تفرضه الهجرة على عالمنا الحالي".
وبقدر ما حظيّ الاتفاق بالمساندة قاطعته أكثر من 40 دولة أولها الولايات المتحدة الأميركية وتشيلي التي انسحبت قبل يوم من إعلانه. كما واجه إنتقادات وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بالأكاذيب من قِبَل اليمين المتطرّف في البرازيل وإيطاليا. النمسا أيضاً أكّدت أن الاتفاق يطمس الخط الفاصِل بين الهجرة المشروعة وغير المشروعة ، وأكّدت أستراليا أن الاتفاق يتناقض مع سياستها الصارِمة حيال الهجرة، وفي أحدث اضطراب سياسي بشأن الاتفاق، أعاد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل تشكيل حكومته يوم الأحد كحكومة أقلّية بعدما انسحب أكبر حزب في تحالفه بسبب خلاف على توقيع الاتفاق. على الجانب الآخر و دائماً في خط المعارضين أصدرت البعثة الدبلوماسية الأميركية لدى الأمم المتحدة بياناً حادّ اللجة قالت فيه إن "القرارات حول أمن الحدود في شأن مَن يتم السماح له بالإقامة قانوناً أو الحصول على الجنسية، هي بين القرارات السيادية الأكثر أهمية التي يمكن أن تتّخذها دولة ما"، مجهودات واشنطن لإجهاض الاتفاق لم تقف عند هذا الحدّ بل إنها كثّفت من تحرّكاتها في الأشهر الأخيرة للترويج لرؤيتها حول الميثاق لدى عدّة بلدان خاصة في أوروبا هذا بحسب دبلوماسيين من الأمم المتحدة.
وبسبب الفوضى التي تعيشها حدود العديد من الدول نتيجة ارتفاع نسَق تدفّق المهاجرين نتيجة الحروب والفقر و البطالة، تضطر بعض الدول إلى اعتماد سياسة الاعتقالات واستخدام القوّة لكَبْحِ جماح المهاجرين بل إن بعض الدول تُمعِن في ذلك، هذه المقاربة الأمنية أثبتت فشلها بعد عقدين من الزمن دليل ذلك ارتفاع عدد المهاجرين من 152 مليون مهاجر سنة 1990 إلى 257 مليون مهاجر سنة 2017، وتواصل سقوط الضحايا في مغامرة الهجرة غير الشرعية بمعدّل 8 مهاجرين يومياً منذ عام 2000. نظراً إلى هذا الوضع تظهر أهمية اعتماد ميثاق دولي بشأن الهجرة واللجوء في العالم، خاصة بعد الأحداث التي عصفت بشمال إفريقيا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة والتي تسبّبت في ارتفاعٍ مُطرَدٍ و كبيرٍ لأعداد المهاجرين من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث وصل عدد المهاجرين من 2010 إلى 2017 إلى أكثر من 37 مليون مهاجر. لكن الأكيد و الواضح أن تيّار اليمين المتطرّف هو مَن يقود جبهة المعارضة ، اليمين المتطرّف الذي لُقِّب بالمتطرّف لمعاداته للمهاجرين والأفارقة بدأ يشقّ طريقة في أوروبا، حيث شهدت إيطاليا تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب "الرابطة" اليميني المتطرّف وحركة "خمس نجوم" بعد تصدّرهما نتائج الانتخابات التشريعية الإيطالية. وفي هولندا، حلّ حزب "الحرية"، برئاسة خيرت فيلدرز، في المركز الثاني في الانتخابات، لحصوله على 20 مقعداً. وها هو حزب اليمين المتطرّف فوكس يفوز بـ12 مقعداً و الذي ضمِن بهذه النتيجة لليمين الأكثرية لإنهاء 30 عاماً من حُكم اليسار، كما وصلت اليمينية المتطرّفة مارين لوبان في فرنسا إلى الجولة الرئاسية الثانية العام الماضي، قبل أن تشهد أوروبا صدمة أخرى في الانتخابات التشريعية الألمانية، مع صعود تاريخي لحزب "البديل" ودخوله البوندستاغ (البرلمان الألماني) إثر تحقيق 12.6 في المئة من الأصوات. هذا اليمين أصبح يضع في سُلَّم أولوياته مقاومة المهاجرين لإيمانه بأن المهاجرين أصبحوا قوّة إقتصادية بعد الأرقام التي كشفت عنها الأمم المتحدة والتي تؤكّد وصول تحويلات المهاجرين إلى 450 مليار دولار أي 9% من الناتِج الخام العالمي.
يقول ميثاق الأمم المتحدة في فصله 13 "لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة ولكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده". فصل من فصول الميثاق الذي صادَقت عليها جميع دول العالم و في مقدّمها الولايات المتحدة ، لكن يمكن القول إن الدول التي لطالما تغنّت بحقوق الإنسان هي أول الدول التي عارضت هذه الاتفاق عملاً بفكرة أن المطالبة باحترام حقوق الإنسان لا تسري على جميع الدول ، و يمكن القول أيضاً إن أكبر تحدٍّ يواجه العالم اليوم هو الهجرة ويبدو أن اليمين المتطرّف الصاعِد لا يمتلك حلاً غير المقاربة الأمنية لمعالجته ما يجعله قنبلة موقوتة ستنفجر على الجميع في أية لحظة، بقي أن نقول إن الهجرة هي ظاهرة تُمارسها جميع الكائنات، جميع الكائنات تُهاجر وجميع الكائنات تقبل المهاجرين إلا أن الوحيد من بين جميع هذه الكائنات الذي يقاوِم الهجرة و يرفضها هو الإنسان.