الهدف الروسي الجديد في سوريا: إعادة دمشق إلى محيطها العربي والحظيرة الدولية

التحضير لزيارة دمشق بدأ آنذاك وترافق مع زيارة وفد سياسي اقتصادي سوداني إلى موسكو. واضح أن القوات والأجهزة الاستخبارية الروسية هيّأت الظروف وفتحت ممراً جوياً لطائرة البشير كي تتمكّن من الوصول إلى دمشق ومغادرتها بأمان وسلام.

لا شك أن الخرطوم ما كنت ستخطو هذه الخطوة من دون جسّ نبض الرياض

عندما تتكلّم المدافع يصمت الدبلوماسيون. قول مأثور كان مقياساً لوصف الحال السورية على مدى سبع سنوات خلت. لكن الواقع السوري اليوم مختلفٌ تماماً. قبل أيام مرّ عامٌ واحد على إعلان روسيا عن انتهاء عملياتها العسكرية في سوريا إيذانا بإطلاق عملية "أستانا - سوتشي" للانتقال من الحسم العسكري إلى التسوية السياسية.

وعلى الرغم من كل العراقيل التي توضع على طريق إنهاء الازمة السورية سواء من خلال الاحتلال الأميركي لأجزاء من الأراضي السورية أو المماطلة التركية في الإيفاء بتعهّداتها في إدلب، إلا أن القطار  السوري غادر محطة الحرب إلى محطة السلام بلا رجعة. فانطلاق العملية الدستورية بات قاب قوسين أو ادنى، وقبل ذلك عملت موسكو جاهدةً لتحريك ملف النازحين واللاجئين، كذلك بالنسبة لإعادة الإعمار، الذي بات واضحاً أن لروسيا ستكون حصّة الأسد.

وبذلك فإن باب التطبيع الخارجي مع سوريا، إن لم يفتح على مصراعيه فإنه مطروقٌ بكل تأكيد. الجولات المكوكية التي قام بها "رسلُ" الرئيس الروسي إلى عواصم عديدة والاتصالات المباشرة للقادة الروس مع زعماء دول ها هي تؤتي أكُلها: الاتحادُ البرلماني العربي يدعو في بيان مؤخراً إلى استعادة الحكومية السورية مقعدها في جامعة الدول العربية، وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو يقرّ بإمكانية العمل مع الحكومة السورية في حال فوز الرئيس بشّار الأسد في انتخابات ديمقراطية. واللافت أن دعوته أطلقها من الدوحة عاصمة قطر التي كانت حتى فترة وجيزة من أكرم المموّلين للمجموعات المسلّحة. لكن المفاجأة الكبرى بلا منازع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، ليصبح أول رئيس دولة، بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يزور سوريا. بالطبع هذه الزيارة ما كنت ستتم لولا التشجيع السياسي والترغيب الاقتصادي والدعم اللوجستي والأمني العسكري الذي قدّمته موسكو للخرطوم. فالزيارة تأتي بعد أن حلّ الرئيس السوداني ضيفاً على مينسك، عاصمة الحليف الروسي رقم (1) بيلاروسيا.

التحضير لزيارة دمشق بدأ آنذاك وترافق مع زيارة وفد سياسي اقتصادي سوداني إلى موسكو. واضح أن القوات والأجهزة الاستخبارية الروسية هيّأت الظروف وفتحت ممراً جوياً لطائرة البشير كي تتمكّن من الوصول إلى دمشق ومغادرتها بأمان وسلام.

السودان أصبح من السابقين، وهناك لاحقون في الطريق. ولا شك أن الخرطوم ما كنت ستخطو هذه الخطوة من دون جسّ نبض الرياض. وهنا لا بدّ من أن نشير إلى اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي بوليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان على هامش قمّة العشرين في بوينس إيريس. حرارة المصافحة التي التقطتها عدسات الكاميرات توحي بأن ثمة تطوّرات ستشهدها السياسة السعودية في المنطقة. ثمة تخمينات تتحدّث عن تهدئة إيرانية سعودية ترافقها تهدئة سوريّة سعودية، وذلك على خلفية استمرار المساعي الروسية في هذين الاتجاهين. فمن تجلّيات هذه التهدئة اتفاقات السويد بين اليمنيين التي حظيت بمباركة كل من الرياض وطهران.

موسكو تريد أن تثبت للجميع أن "الربيع العربي" انتهى وأن الوقت قد حان لإعادة ترتيب البيوت العربية المهدّمة. وهذا ما رأيناه بالأمس في العراق نراه اليوم في سوريا وغداً سنراه في كل من اليمن وليبيا.

روسيا التي أسقطت بالأمس "ثورات ملوّنة" في حدائقها الداخلية وفي البلقان، ها هي تتعاون مع حلفائها الإقليميين لإعادة الحياة إلى أجساد أنهكها "الربيع العربي".