لماذا إصرار حزب الله على توزير سنّي مُعارض للحريري؟
قد يُفهم موقف الرئيس الحريري من إصراره على لاءاته تلك أنه مؤتمن على موقع رئاسة الحكومة، وعلى نجاح حكومته، إذ كيف له أن يقود حكومة بعض أعضائها دخلوا إليها وهم معارضون لسياساته وتوجّهاته أصلاً؟!.
من السهل اتّهام حزب الله بتعطيل تشكيل الحكومة عبر المُماطلة وخلق الذرائع ووضع العراقيل التي تحول أو تؤخّر ولادة الحكومة. ومن اليسير اتّهامه بالتخطيط لإضعاف رئيس الحكومة تمهيداً لإبعاده، كونه يقف حائط صدّ أمام توسّع نفوذ الحزب داخلياً، وتمدّده خارجياً. واستلحاقاً، يَسهُل الغمز من قناة الحزب بتنفيذ أجندة إيرانية عبر العرقلة الحكومية ريثما تجد إيران مخرجاً مناسباً في صراعها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الملف النووي ودور طهران في المنطقة.
هناك عشرات السيناريوهات المُفترضة لاتّهام حزب الله بالتعطيل. وأسهل الطُرق إلى ذلك اتّهامه أنه لا يريد دولة قوية في لبنان. هذه الافتراضات المُعلّبة قد تعفينا من عمق التفكير وتساعدنا في تغذية التخندق السياسي. لكن هل ستمنحنا في المقابل فهماً أعمق لطريقة حزب الله في العمل السياسي؟.
لقد تعهّد حزب الله لحلفائه من النواب السنّة (اللقاء التشاوري المستقلّ) أنه لن يدخل الحكومة إلا بعد تمثيلهم بوزير، وتعهّد الرئيس الحريري أمام نفسه وجمهوره بالتزامه لاءات ثلاث رفعها، وهي:
1-لا اعتراف باللقاء التشاوري المستقلّ ككتلة نيابية سنّية مستقلّة عن حلفائه في قوى 8 آذار.
2-لا توزير لأي سنّي معارض من حصّة الرئيس الحريري في حكومته.
3-رفض خلق أعراف سياسية تنسخ اتفاق الطائف لجهة صلاحيات رئاسة الحكومة.
قد يُفهم موقف الرئيس الحريري من إصراره على لاءاته تلك أنه مؤتمن على موقع رئاسة الحكومة، وعلى نجاح حكومته، إذ كيف له أن يقود حكومة بعض أعضائها دخلوا إليها وهم معارضون لسياساته وتوجّهاته أصلاً؟! فماذا عن تعهّد حزب الله؟ في أيّ سياق نضع إصراره على تمثيل عدد قليل من النواب من خارج طائفته في الحكومة؟!.
في الواقع، لا يمثل موقف الحزب تجاه حلفائه مبدأ أخلاقياً وحسب، بل يأتي في سياق رؤية أعمق وأوسع دائرة من رؤية خصومه السياسيين. فالإصرار على تمثيل السنّة المعارضين لخط الرئيس الحريري في حكومة وحدة وطنية وليست حكومة أغلبية هو تطبيق أمين لنتائج الانتخابات النيابية التي تؤكّد أن ما لا يقل عن 25% من سنّة لبنان صوّتوا خارج لوائح تيار المستقبل. وانعكاساً واضحاً لتنوّع سياسي تعيشه الطائفة السنّية أسوة بغيرها من الطوائف اللبنانية التي لا تحتكر تمثيلها في البرلمان والحكومة جهة واحدة.
وليس الهدف عند حزب الله إضعاف شخص الرئيس الحريري، وهو يعلم يقيناً أن الأخير قد عدّل من سياساته الداخلية خلال السنوات القليلة الماضية، متخذاً مساراً استقلالياً عن التوصيات الخارجية الداعية لمواجهة حزب الله عسكرياً وسياسياً ومالياً، ومجترحاً سياسة برغماتية واقعية قائمة على فهم أعمق لتوازن القوى الداخلية من دون أن تتماهى مع الحزب أو تبارك توجّهاته. وهذا حقّ للحريري لا يتطلّع الحزب لمحاصرته فيه.
يدرك الحزب جيداً أن بقاء الحريري في رئاسة الحكومة هو مطلب دولي وإقليمي، ووجوده حاجة لبنانية فرضتها الظروف في ضبط النفوذ بين السعودية وإيران، وفي ضمان الاستقرار السياسي والمالي وتدفّق الاستثمارات الخارجية، ورسالة تطمين للجهات المانِحة مالياَ في المؤتمرات الدولية التي عقدت حول لبنان. ولهذا لا مصلحة لحزب الله في إقصاء الرئيس الحريري وإخراجه من اللعبة السياسية حتى وإن استطاع إلى ذلك سبيلاً. فما يرجوه الحزب هو خلق قنوات اتصال ثابتة وهادئة ومتينة ومتّسعة معه في إدارة الدولة.
في العمق يهدف حزب الله لتحويل الصراع في لبنان من عراك تمّ إخراجه إعلامياً وسياسياً على أنه اشتباك أيديولوجي مذهبي (سنّي-شيعي) إلى طبيعته السياسية كونه اختلافاً في الرؤية والمقاربة حول قيام الدولة في لبنان وحول دورها إقليمياً وفي محيطها الشرق الأوسطي. إذ أن جوهر الخلاف بين حزب الله وخصومه هو حول الخيارات الكبرى وموقع لبنان منها. ولهذا يعتقد الحزب انه بتكريس حضور وتنوّع سياسي سنّي داخل الحكومة كفيل بتخفيف الخطاب المذهبي في الحياة السياسية والحدّ من اللعب بورقة المذهبية في مواجهة القوى الدولية المعادية لحزب الله.
الحزب حريص اليوم على مخرج من المأزق الحكومي عبر تسوية سياسية قد يقود وجهتها الرئيس ميشال عون باجتراحه حلاً وسطاً يحمي ماء وجه الرئيس الحريري، ولا يحمل الحزب على نقض عهده مع حلفائه السنّة.
وإذا قدّر لهذه الحكومة أن تبصر النور خلال الأيام القليلة المقبلة، فإنها على الأرجح ستكون أمام اختبار كبير في التصدّي للمخاطر والتحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة. ولا خوف عليها من انفراط عقدها كون الأجواء الدولية والإقليمية لا توحي برغبة أميركية إيرانية لصراع عسكري بينهما، ولا بنيّة إسرائيلية لشنّ عدوان واسع على لبنان.