صدور دراسة"الثعلب والقنفذ: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية"
صدر عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات في دمشق دراسة بعنوان "الثعلب والقنفذ: الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية" للباحث الدكتور عقيل سعيد محفوض.
بين
الثعلب والقنفذ ديناميات صراع مركبة، لدى أحدهما طرقٌ عديدة للاستهداف، فيما لدى
الآخر طريقة واحدة ناجعة، وهذا ما بدا أنه ينطبق على سياسة الولايات المتحدة إزاء
الأزمة السورية، وخاصة بعد حادثة/ذريعة خان شيخون والاعتداء على قاعدة الشعيرات
الجوية، ويزيد على ذلك أن الطرق العديدة مقيدة بإكراهات إقليمية ودولية تعوق عمله،
فيما لدى صاحب الطريقة الوحيدة، عوامل تعزيز واحتواء تمارس تأثيراً نشطاً في
مسارات الأمور.
اتسم
الموقفُ الأمريكيُّ من الأزمةِ السوريّةِ، بكونه متعدّدَ المستويات والأنماط، وكان
يتطور بالإضافة وليس بالإزاحة أو الإحلال. وقد رجَّحَ قرارُ الاعتداء على قاعدة
الشعيرات الجوية (7 نيسان/أبريل 2017) والتداعيات التي أعقبته، التقديرات بأن
الرئيس ترامب ربما بدأ جدياً وفعلياً بتبني خيارات تجنح نحو التطرف والعنف الفائق
في التعاطي مع العديد من ملفات السياسة الدولية، بدءاً من الأزمة السورية.
تنطلق الدراسة من فكرة أنَّ حادثةَ
الكيماويِّ في خان شيخون (4 نيسان/أبريل 2017) كانت نتيجة لقرار سابق باتخاذ
إجراءات معادية لسورية وحلفائها، وليس العكس، وأن الولايات المتحدة ربما أرادت أن
تستهدف سورية من أكثر النقاط ضعفاً (كعب أخيل) وكذلك من أكثر النقاط قوة (خيار
الإسكندر)، وأنَّ لطبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة و"الدولة
العميقة" والتحالفات والخصائص الشخصية للرئيس "ترامب" الخ، تأثيرات
ذات شأن في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية. وثمة إلى ذلك إكراهات كان لها
تأثير في مسارات الأمور.
تُقارب الدراسة موضوعَها من خلال تشكيل
منهجي أو معرفي مركب، يتضمن استعارات تفسيرية وتحليلية مختلفة، بقصد تفكيك دوافع
القرار الأمريكي بالاستهداف المباشر لقاعدة الشعيرات الجوية، والمنطق العميق الذي
صدر عنه ذلك القرار، والأنماط التكرارية في مدارك وسلوك الولايات المتحدة تجاه
الأزمة السورية.
تحاول الدراسة منهجيّاً "تجريب"
أو "اختبار" استعارات عديدة من الحكايات والأساطير الإغريقية كـ
"الثعلب والقنفذ"، و"كعب أخيل"؛ ومن الألعاب كـ
"الشطرنج"؛ ومن العلوم العسكرية مثل: "نقاط الاستهداف"،
و"نقاط القوة"، و"نقاط الضعف"؛ ومن عالم الميديا
والابستمولوجيا مثل: "الإدراك" و"الفهم" و"سوء
التقدير" وتغيير الرؤية والمدارك المسبقة أو المدارك القصدية في اختلاق واقع
افتراضي لا يلبث أن يصبح واقعاً مُتعيّناً" و"حقيقياً" أكثر من
الواقع نفسه، وغيرها.
تتألف الدراسة من مقدمة وثمانية محاور،
الأول في مقاربة الحدث، ويتضمن "تدبير الحدث"، و"الاستعارات
القاتلة"، و"أنماطاً تكرارية"؛ والثاني: سورية والولايات المتحدة:
العلاقة المستحيلة؛ والثالث: هيا نضرب كيماويّاً!؛ والرابع: عبء ترامب؛ والخامس: استهداف
نقاط القوة-نقاط الضعف، ويتضمن "كعب أخيل" و"كش ملك!"؛
والسادس: تطورات كاشفة؟؛ والسابع: العم "أبو إيفانكا"؛ والثامن: الإشارات
والتنبيهات، وأخيراً الخاتمة.
تخلص الدراسة إلى أن الاستهداف الأميركي
لقاعدة الشعيرات مَثَّلَ نقطةَ تحولٍ ضاغطة ضد سورية وحلفائها، ورفع من سقف توقعات
خصومها بشأن المزيد من التدخل، إلا أنه أدى عملياً وسريعاً إلى عكس ما هدف إليه
تقريباً، وتمثل ذلك بـ "تصليب" جبهة حلفاء سورية. وهذا يضع قرار الاعتداء و"التهليل" له، في حيز "إساءة
الحكم" أو "إساءة التقدير" من قبل إدارة "ترامب"
وحلفائها، ولو أن المعركة مفتوحة على احتمالات عديدة، ذلك أن ديناميات الصراع سوف
تستمر.
انطلق الاعتداء من مبدأ المواجهة غير المتكافئة بين
طرفين، يشعر الطرف المعتدي (الولايات المتحدة) فيها بفائض القوة وفارق الموارد
والإمكانات بينه وبين الطرف المعتدى عليه (سورية)، إلا أن منطق الاستجابة كان
مختلفاً ومفاجئاً، فقد كان الرد مكافئاً، بل إنه فاق توقعات الولايات المتحدة
نفسها، بمعنى: أنه جاء من دولة لديها فائض قوة وإرادة ونزوع للمكانة والدور وشعور
بالاستهداف، وهي روسيا، بالإضافة لتأثير فواعل حليفة أخرى.
هذا يضع
قرار الاعتداء على قاعدة الشعيرات الجوية في حيز "إساءة الحكم" أو
"إساءة التقدير" من قبل إدارة ترامب وحلفائها، ولو أن المعركة مفتوحة
على احتمالات عديدة، ولا يمكن الجزم بمسارات الأمور ومآلاتها، ذلك أن ديناميات
الصراع سوف تستمر، كما سبقت الإشارة، بالإضافة وليس بالإحلال، إذ إن الأدوات تشتغل
معاً، حتى أن عقل وسلاح ما بعد الحداثة يستخدم لدعم جماعات اللا عقل وما قبل
التاريخ، وما يتغير هو التركيز النسبي لاستخدماها وأيها الذي يحتل واجهة المشهد.
تمهيداً أو تأسيساً لقطيعة في الموقف من الأزمة، وهو ما بدا في التوتر المتزايد
بين الولايات المتحدة وروسيا منذ اعتداء الشعيرات، وخاصة خلال جلسة مجلس الأمن
الدولي (12-4-2017) والتي شهدت سجالات حادة وغير مسبوقة بين مندوبي روسيا
وبريطانيا. وهذا يعني أن حادثة "خان شيخون" هي جزء من سياسات معدة
مسبقاً كانت تنتظر اللحظة الافتتاحية المناسبة لتظهيرها ومحاولة الإيفاء
بمتطلباتها.
تمثل سورية
"خط الصدع" في السياسات الدولية، وسوف تتظهر فيها ومنها طبيعة النظام
الدولي في المرحلة القادمة، وهذا يفسر حجم الاحتدام في المشهد السوري. وقد مثل
الاعتداء الامريكي على قاعدة الشعيرات الجوية مؤشراً ذا دلالة على حجم "اللا
متوقع" ودوره في تحديد أو ترجيح مسارات الأمور، وكيف أن التجاذبات يمكن أن
تصل إلى ذرى قد تفجر حرباً عالمية في أي وقت، لولا أن إكراهات الحرب والمدارك حول
تداعياتها المهولة تمثل أهم عوائق أو موانع اندلاعها، فيما تبحث الأطراف عن
إمكانات ونوافذ استهداف أخرى أكثر مردودية وأقل تكلفة وبلا "بقايا"
تقريباً، بتعبير "ألفونسو كروش"، ما أمكن ذلك.